ج: 1- قال أيوب " بَرَكَةُ الْهَالِكِ حَلَّتْ عَلَيَّ" (أي 29: 13).
ولم يقصد أيوب بالهالك الإنسان الأثيم الهالك في خطاياه، لأنه ليس لمثل هذا الإنسان الهالك بَرَكة حتى تحلّ على أيوب البار، لكن المقصود بالهالك هنا الإنسان المسكين الفقير الذي أضناه الجوع والاحتياج فكاد يهلك جوعًا وبردًا، وهذا واضح في "ترجمة كتاب الحياة": "فحلَّتْ عليَّ بَركَةُ المُشرِف على الموتِ".
وقد دعاه أيوب بالهالك بحسب حالته الأولى، وهذا أمر اعتدنا عليه في الكتاب المُقدَّس، فسمعان دُعيَ بعد شفائه من البرص بسمعان الأبرص، ولاوي دُعيَ بعد أن ترك عمله بمتى العشار، وقال الكتاب عن لعازر بعد أن نهض من الموت وعاد للحياة " فَخَرَجَ الْمَيْتُ" (يو 11: 44)... وهلم جرا. وأيضًا دَعى أيوب هذا الإنسان بالهالك تعبيرًا عن المأساة التي كان يعيشها ذاك الإنسان، ولكن أيوب أطعمه وكساه ونجاه من الهلاك، وهذا ما أوضحه أيوب البار في موضع آخر إذ قال: "إِنْ كُنْتُ رَأَيْتُ هَالِكًا لِعَدَمِ اللِّبْسِ أَوْ فَقِيرًا بِلاَ كِسْوَةٍ، إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي حَقَوَاهُ وَقَدِ اسْتَدْفَأَ بِجَزَّةِ غَنَمِي" (أي 31: 19، 20).
2- يقول "القمص تادرس يعقوب": "كان الذين تحت ضغوط مُدمِّرة يجدون نجدتهم فيه، فينجون، وتحلّ بركتهم عليه، إذ لا يكفون عن الدعاء له، وكانت قلوب الأرامل المنكسرة تُسر وتبتهج بأعمال محبته وحنوه. إن كان الله ينسب نفسه للمرذولين والمحتاجين ومنكسري القلوب بكونه أب اليتامى وقاضي الأرامل، فإن أيوب وجد مسرته في الاهتمام بكل هذه الفئات المتألمة.
ويقول القديس أمبروسيوس:
كم قدَّر القديس أيوب سمو الموت، إذ قال: "لتحل بركة ذاك الذي اقترب إلى الموت عليَّ" (أي 29: 13)... أن رأينا أي فقير في لحظة الموت، فلنعينه على نفقتنا. ليقل كل شخص: "لتحل بركة الشخص الذي قارب الموت عليَّ". إن رأينا أحدًا في ضعف لا نتخلى عنه. إن رأينا أحدًا في آلامه الأخيرة، لا نتركه... ليت كل شخصٍ وهو يموت يمدحك، كل شخصٍ يموت عن شيخوخته أو مصابًا بجرحٍ خطير أو يعاني من مرضٍ، وهو في لحظة الموت. هذه العبارة جلبت بركة لكثيرين جدًا... لتكن آخر كلمات ينطق بها الشخص قبل موته وهو يردد اسمك، وإذ تفارق نفسه جسده تحل بركته عليك"(1).
3- يرى " د. رشدي البدراوي " أن الهالك هو زوج الأرملة المتوفي، فيقول: " فمعنى قول أيوب: بَرَكَةُ الْهَالِكِ حَلَّتْ عَلَيَّ، وَجَعَلْتُ قَلْبَ الأَرْمَلَةِ يُسَرُّ، يكون: أحسنتُ إلى الأرملة وجعلت قلبها يسَرُّ، وبذلك حلَّت عليَّ بركة المتوفي أي زوجها لإحساني إلى زوجته بعده"(2). ويُعد هذا تفسيرًا مقبولًا.
_____
(1) تفسير سفر أيوب جـ3 ص 1039.
(2) قصص الأنبياء والتاريخ جـ3 - إسحق ويعقوب ويوسف وأيوب وشعيب ص 618.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1584.html
تقصير الرابط:
tak.la/ys9957k