ج: 1- قال أيوب البار: "اَلأَخْيِلَةُ تَرْتَعِدُ مِنْ تَحْتِ الْمِيَاهِ وَسُكَّانِهَا. الْهَاوِيَةُ عُرْيَانَةٌ قُدَّامَهُ، وَالْهَلاَكُ لَيْسَ لَهُ غِطَاءٌ" (أي 26: 5، 6) وفي هامش ترجمة فانديك هذه جاء تحت كلمة " الأَخْيِلَة " أنها في الأصل العبري " الرفائيون". وفي " الترجمة السبعينية": "هل سيولد العمالقة تحت الماء. وبين الكائنات التي تسكن هناك؟ الهاوية عارية قدامه. والهلاك ليس له غطاء (حرفيًا بلا رداء)".
وفي " الترجمة القبطية": "يرتعد الجبابرة من تحت المياه وسُكَّأنها. الجحيم مكشوفة لديه، والهاوية ليس دونها حجاب".
وفي " الترجمة اليسوعية": "تَرتَعِدُ الأَشباح من تَحتِ المِياهِ وسُكَّانها. مَثوى الأمواتِ مَكشوف لَدَيه والهاويَةُ لا حِجاب عَليها " وفي الهامش تحت كلمة " الأشباح " جاءت الترجمة اللفظية " رفائيون" (راجع تث 1: 28) والمقصود إما الأموات (راجع مز 88: 11) وإما الضعفاء والعاجزون " وتحت كلمة " الهاوية " جاء " مرادف " مثوى الأموات " لعلها كانت تدل قديمًا على إلهٍ جهنمي"(1).
وفي " ترجمة كلمة الحياة":
"تَرتَعِدُ الأشبَاحُ مِن تَحتُ وكذلك المياهُ وسُكَّانها. الهاوَيةُ
مَكشُوفَة أمام اللهِ والهَلاكُ لا سِتْرَ لهُ " وجاء في هامش "
الكتاب المقدَّس الدراسي": "الأشباح: تُرجم الأصل
العبري إلى " الأرواح " في (أم 2: 18) وإلى
" الأخيلة " في (إش 14: 9)، وإلى " أشباح " في (إش 26: 14)
واللفظ يُستخدم عمومًا بشكل مجازي عن الموتى الساكنين في العالم السفلي (انظر
أي 3: 13-15، 17-19...)"(2).
وفي " الترجمة العربية المشتركة": "أرواحُ الأمواتِ تَرتَعِدُ تحتَ الأرضِ والمياهُ وسُكَّانها يَرتَجِفونَ رعبًا. الهاويةُ مكشوفَة أمامَ الربّ والهلاكُ لا غِطاء لهُ".
فواضح من دراسة الترجمات المختلفة أن " الأخيلة " هي أرواح الموتى، والهاوية هي مقر أو مثوى هذه الأرواح، وقال المُرنِّم: "أَفَلَعَلَّكَ لِلأَمْوَاتِ تَصْنَعُ عَجَائِبَ؟ أَمِ الأَخِيلَةُ تَقُومُ تُمَجِّدُكَ؟" (مز 88: 10)، وحذر سليمان الحكيم من المرأة الأجنبية: "لأَنَّ بَيْتَهَا يَسُوخُ إِلَى الْمَوْتِ، وَسُبُلُهَا إِلَى الأَخِيلَةِ" (أم 2: 18) وفي ترجمة فانديك أوضح هنا أن الأخيلة في الأصل العبري الرفائيين، وأيضًا عندما وصف سليمان الحكيم الرجل الجاهل الذي ينقاد للمرأة الأجنبية قال: "وَلاَ يَعْلَمُ أَنَّ الأَخْيِلَةَ هُنَاكَ، وَأَنَّ فِي أَعْمَاقِ الْهَاوِيَةِ ضُيُوفَهَا" (أم 9: 18) وأيضًا في ترجمة فانديك هنا جاء تحت كلمة الأخيلة أن الأصل العبري الرفائيين. وفي معرض حديث إشعياء عن سقوط الشيطان قال: "اَلْهَاوِيَةُ مِنْ أَسْفَلُ مُهْتَزَّةٌ لَكَ، لاسْتِقْبَالِ قُدُومِكَ، مُنْهِضَةٌ لَكَ الأَخْيِلَةَ" (إش 14: 9)، كما قال إشعياء عن الذين يُسيّدون أنفسهم عوضًا عن الله: " هُمْ أَمْوَاتٌ لاَ يَحْيَوْنَ. أَخْيِلَةٌ لاَ تَقُومُ" (إش 26: 14).
فما هي علاقة الأخيلة بالرفائيين..؟ جاء في " دائرة المعارف الكتابية": " رفائيون... (2) تُترجم الكلمة العبرية أيضًا إلى " الأخيلة" (أي 26: 5، مز 88: 10، أم 2: 18، 9: 18، 21: 16، إش 14: 9، 26: 14، 19) فهي تعني أشباح أو أرواح الراحلين أي سكان " شئول" (الهاوية)، وقد وردت الكلمة بهذا المعنى في أثار " أوغاريت" (عاصمة الحثيين) أو بمعنى " صغار الآلهة..."(3).
2- جاء في " دائرة المعارف الكتابية " عن الأخيلة " أخيلة: أخيلة جمع خيال، والخيال هو الطيف أو ما تشبه لك في اليقظة أو المنام، وصورة الشيء في المرآة، والخيال أيضًا كساء أسود ينصب على عود فيخيل للبهائم والطير فتظنه إنسانًا فلا تقترب. فالأخيلة هي الأشباح في عالم الأموات (انظر أي 26: 5، مز 88: 10، أم 2: 18، 9: 18، 21، 6، إش 14: 9، 26: 14، 19)"(4).
وقد كانوا قديمًا يتصوَّرون أن الأخيلة (أرواح الموتى) في الهاوية تحت سطح البحار، أي في أبعد مكان عن السماء ودعوها العالم السفلي وجعلوا له آلهة، أمَّا أيوب فقد أراد أن يوضح أن هذه الأخيلة وسكان الهاوية ليسوا بمعزل عن سلطان الله المُطلق على كل الخليقة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ولذلك أوضح أيوب في (أي 26: 5، 6) أن الله هو المُتحكم في الهاوية بما فيها من أخيلة، وأن هذه الأرواح ترتعد أمام السلطان الإلهي، وقوله " تحت الماء " يحمل إشارة للذين غرقوا بالطوفان. وتمثل الأعداد من 5 إلى 14 قصيدة رائعة عن سلطان الله المُطلق، وتبدأ هذه القصيدة بسلطان الله على العالم السفلي، ثم امتداد هذا السلطان على كافة أرجاء الخليقة، ولذلك نلتقي بنحو 12 عنصر من عناصر الكون في هذه القصيدة مثل الأرض والماء والسُحب والسماء... إلخ...
3- يقول " فرانسيس أندرسون": "يعتبر أصحاح (26) من أفخم المحفوظات في السفر كله، ولا يفوقه سوى أحاديث الرب، ووقع كلمات أيوب له صدى رائع وهو ينهي الحوار كالحركة الأولى من سيمفونية بضربات هائلة على الأوتار"(5).
كما يُعلِّق " فرانسيس أندرسون " على هذه القصيدة قائلًا: "هذه مقتطفات من عدة أشعار قديمة غامضة تخلق جوًا من الروعة، والعقل يتوه في عالم الله الواسع وفي عَظَمة القوة التي من ورائه. ولكن أيوب يقول: ما هذه إلَّا لمحة، همسة، جزء بسيط: فما هذه إلَّا حدود ملكوته ولا يصح أن ننسب هذه الآية كثيرًا إلى ما وراء الطبيعة، فيجوز أن يكون أيوب هنا يشير إلى الكون المرئي بما فيه من اتساع ما هو إلَّا حدود " ملكوت " الله الحقيقي العجيب والخفي. ومن ذلك البُعد الشاسع فإن (رعد جبروته) يصل للإنسان كهمس خافت لا نفهم منه شيئًا...
وبرسم خريطة للكون من الهاوية إلى السماء قد أرانا أيوب العالم الذي يسكن فيه الله مع الناس، وهو لم يذكر شيئًا عن الخلائق الكثيرة التي (بلا عدد) والتي تسكن هذا العالم (مز 104: 24... إلخ.)، وعندما تقارن ذلك بما جاء في (تك 1) نجد أن صمت أيوب عن ذكر النباتات وعن كل الكائنات التي تسكن البحر والبَر والجو وعن الإنسان يعتبر مُدهشًا حقًا، والحكيم تكلَّم عن الأشجار والحيوانات والطيور والزواحف والأسماك (1مل 4: 33) وقد فعل الرب كذلك. وفي نفس الوقت فإن أيوب يُصرح بأن الأمر فوق إدراك الإنسان ولكنه لا يتوصل لاستنتاجات سلبية نتيجة إدراكه لعجزه وقصوره"(6).
4- يقول " لويس صليب": "كان بلدد قد تناول أمجاد الله كما تعلنها السموات. أمَّا أيوب فيُعلن سيادته في الأعماق، فهو يبدأ " بالأخيلة " أي " ما تحت الأرض " بلغة بولس (في 2)، وقد يعني بها الأرواح الشريرة، الكائنات السفلى، وبأسلوب العهد القديم إلى الهاوية وسكانها (حز 32: 18... إلخ.) " التَّنَانِينُ وَكُلَّ اللُّجَجِ " ترتعد من حضرته. لاحظ هذا القول: فمن الغباء أن تزعم أن مقر الهالكين مُستقل عن الله، فسواء فيما يتعلَّق بالأرواح التي هي (الآن) في السجن أو الهاوية... فإن الله، وليس الشيطان، هو الذي يملك، ومشيئته هي التي يجب أن تُطاع " إِنْ فَرَشْتُ فِي الْهَاوِيَةِ فَهَا أَنْتَ" (مز 139: 8)"(7).
5- يرى البعض أن ما جاء في (أي 26: 5) ينطبق أيضًا على سلطان الله على أعماق البحار، فيقول "القمص تادرس يعقوب": "يقصد بالأخيلة المخلوقات الضخمة الجبارة كالحيتان وسمك القرش، فإنها وهي تعيش في المياه تخشى الله، فعناية الله تمتد إلى ما في مياه البحار والمحيطات من مخلوقات جبارة شرسة تبدو كمن لا سلطان له عليها.
يبرز أيوب سلطان الله الفائق أنه ضابط الكل له سلطان على الحيوانات الضخمة الشرسة وسط البحار، بل وحتى على إبليس وملائكته الذين يسكنون الجحيم، فإنهم عاجزون عن عمل شيء بدون إذنه أو سماح منه... يرى البعض أن أيوب يتحدَّث عن الأشرار الذين صاروا أبناء إبليس، ويسكنون معه في الهاوية، هؤلاء حسبوا أن الله لا يراهم، لكنهم مكشوفون أمام عيني الله. يقول الرسول: "لَيْسَتْ خَلِيقَةٌ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ قُدَّامَهُ، بَلْ كُلُّ شَيْءٍ عُرْيَانٌ وَمَكْشُوفٌ لِعَيْنَيْ ذلِكَ الَّذِي مَعَهُ أَمْرُنَا "(عب 4: 13)"(8).
_____
(1) الكتاب المقدَّس عهد قديم - دار المشرق بيروت سنة 1991 ص 1083.
(2) الكتاب المقدَّس الدراسي ص 1229.
(3) دائرة المعارف الكتابية جـ4 ص 119.
(4) دائرة المعارف الكتابية جـ3 ص 368.
(5) التفسير الحديث للكتاب المقدَّس - أيوب ص 344.
(6) المرجع السابق ص 247، 248.
(7) تفسير سفر أيوب جـ2 ص 57.
(8) تفسير سفر أيوب جـ3 ص 955، 957.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1577.html
تقصير الرابط:
tak.la/6w5j7sv