ج: 1- فعلًا لم يكن كل كلام الأصدقاء الثلاثة موافقًا للقصد الإلهي، ولهذا فإن الله: " قَالَ لأَلِيفَازَ التَّيْمَانِيِّ: قَدِ احْتَمَى غَضَبِي عَلَيْكَ وَعَلَى كِلاَ صَاحِبَيْكَ، لأَنَّكُمْ لَمْ تَقُولُوا فِيَّ الصَّوَابَ كَعَبْدِي أَيُّوبَ" (أي 42: 7) وأوصاهم أن يأخذوا سبعة ثيرانٍ وسبعة كباشٍ ليصعدوها محرقة " وَعَبْدِي أَيُّوبُ يُصَلِّي مِنْ أَجْلِكُمْ، لأَنِّي أَرْفَعُ وَجْهَهُ لِئَلاَّ أَصْنَعَ مَعَكُمْ حَسَبَ حَمَاقَتِكُمْ، لأَنَّكُمْ لَمْ تَقُولُوا فِيَّ الصَّوَابَ كَعَبْدِي أَيُّوبَ" (أي 42: 8)، فهذه الأقوال التي نطقوا بها وتعد غير مناسبة تنسحب عليهم مثلها مثل قول قايين للَّه: " أَحَارِسٌ أَنَا لأَخِي؟" (تك 4: 9)، وقول فرعون لموسى: "مَنْ هُوَ الرَّبُّ حَتَّى أَسْمَعَ لِقَوْلِهِ...؟" (خر 5: 2)... إلخ... فمثل هذه الأقوال ليست أقوال مُوحى بها من الروح القدس، إنما دور الوحي هنا يتوقف على إرشاد الكاتب لتسجيل أقوالهم هذه، حتى لو كانت غير صحيحة أحيانًا أو لم تأتِ في موضعها الصحيح، وذلك لفائدة البشرية جمعاء، وهذا ينطبق على أقوال الشيطان في الكتاب المُقدَّس، فهي ليس موحى بها، إنما هي أقوال خاطئة، رأى الوحي إظهارها شهادة للأجيال.
2- يقول " نيافة الأنبا بيشوى " مطران دمياط ورئيس دير القديسة دميانه بالبراري: "وبالرغم من أن سفر أيوب هو من الأسفار الإلهيَّة إلاَّ أنه يحوي حوارًا مستفيضًا بين شخصيات السفر. هذا الحوار ليس هو كلام الله نفسه، ولكنه مدوَّن بإلهام من الله، وبعض فقرات هذا الحوار أظهر الله عدم رضائه عنها كقوله: "مَنْ هذَا الَّذِي يُظْلِمُ الْقَضَاءَ بِكَلاَمٍ بِلاَ مَعْرِفَةٍ؟" (أي 38: 2). ولكن السفر يذكرها كما قيلت لمنفعتنا. وأحب أن ألفت نظر قارئ الكتاب المُقدَّس العزيز أن لا يستخدم كل آيات هذا السفر كما لو كانت تعبر عن إرادة علويّة مقدَّسة"(1)(3).
ويقول " وليم كلي": "علينا أن نتذكر جيدًا أنه وإن كان سفر أيوب موحى به إلاَّ أنه من الخطأ العظيم التسليم بأن كل الأقوال والكلمات المدوَّنة فيه مُوحى بها. فلا شك أن أقوال الشيطان ليس مُوحى بها وهي مع ذلك مدوَّنة في هذا السفر. وكذلك كل واحد من الأصحاب الثلاثة وأيوب نفسه كانوا جميعًا مخطئين إلى حد كبير فيما نطقوا به من أقوال، والواقع أنه من مزايا هذا السفر المبارك أن لنا فيه أخطاء المتكلِّمين. ويظل الأمر هكذا إلى أن نصل إلى أليهو وهناك فقط نحصل على فكر الله... وأخيرًا نجد كلمة الله نفسه واضعة الأمور في نصابها وموضحة المشكلة كلها من أولها لآخرها. وهذه نقطة هامة للغاية، لأن هناك من يتصوَّرون أنه ما دامت هذه الأقوال وغيرها من أقوال الناس مدوَّنة في الكتاب المُقدَّس فهي أيضًا موحى بها. وهذا كما قلنا خطأ كبير. إن الكتاب مُوحى به لا شك. هذا أمر نُقرّره بادئ ذي بدء، ولكن علينا أن نحكم على أقوال الناس كالملك شاول مثلًا أو حتى داود مُوحى بها أم لا، لأن ليس كل ما قالوه في حياتهم اليومية كان بالوحي. قد يكون ما قالوه حقًا إلى حد كبير، وقد يكون أحيانًا حقًا مطلقًا، ولكن هذا كله يتوقف على البحث، ومقارنة المكتوب بالمكتوب"(2).
3- طالما أورد القرآن أقوالًا على فم الشياطين أو الكفار أو المشركين، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فمثلًا سجل القرآن قول البعض أن محمدًا يستمع لأصحابه وينقاد بآرائهم: "وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ" (التوبة 9: 61). وقال البعض أن القرآن تنزل به الشياطين: "وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ... هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ. تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ" (الشعراء 26: 210، 221، 222). وأيضًا سجل القرآن بعض كلمات الشياطين، مثل قوله: "فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى" (طه 20: 120). بل قال القرآن: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ الله مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ الله آَيَاتِهِ وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ" (الحج 22: 52)... إلخ...
_____
(1) تقديم كتاب أيوب الصديق تجاربه ونبواته ص 7.
(2) إحدى عشرة محاضرة في سفر أيوب ص 63.
(3) راجع أيضًا القمص تادرس يعقوب - تفسير سفر أيوب جـ1 ص 61.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1504.html
تقصير الرابط:
tak.la/ddp74tw