St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1505- هل هناك إشارات لأمور علمية في سفر أيوب؟ وهل يتوافق ما جاء في السفر من معلومات علمية مع العلم الحديث؟

 

ج: أولًا: رغم الأفكار الخاطئة التي كان يعتنقها أهل ذاك الزمان، فإنه على النقيض جاءت بعض الحقائق العلمية بالسفر، بالرغم أنها لم تكن مقبولة حينذاك، والكتاب المُقدَّس ليس هو كتاب علوم ولم يستخدم لغة ومفردات ومصطلحات علمية...
لماذا؟

1- لأن هذا الكتاب موجّه للجميع وليس للعلماء فقط، ولو تصوَّرنا أن الكتاب كُتب بلغة ومفردات ومصطلحات العصر الحديث فمَنْ كان يستطيع أن يدرك أبعاده منذ العصور الغابرة..؟! بل وحتى الآن مَنْ كان يفهمه إلاَّ العلماء فقط؟!!

 

2-  لغة العلم تتغيَّر وتتطوَّر، فبعض ما كان ثابتًا بالأمس كحقائق علمية اتضح خطأه اليوم، وربما ما هو ثابت اليوم قد يتغير غدًا، حتى إن المكتبات الضخمة تحوي آلاف الكتب التي وَلَى زمنها وفات ولا ينظر إليها الآن بعين الاعتبار، فمكتبة اللوفر في باريس تشمل ثلاثة أميال ونصف من صفوف الكتب العلمية التي بَطُل استخدامها.

 

3-  مع أن الكتاب المُقدَّس ليس كتاب علوم، ولكنه لا يخالف العلم الصحيح، لأن كليهما من الله، فلا بد أن يتفق العلم الصحيح مع الكتاب المُقدَّس، والفرق بينهما هو أن العلم يُولد كطفل صغير ويظل ينمو شيئًا فشيئًا إلى أن ينضج ويكبر، أمَّا الكتاب المُقدَّس فقد وُلد ناضجًا وكبيرًا، فهو يقف بجوار العلم كشيخ وقور بجوار طفل صغير.

 

4- كثير من رجال الدين كانوا من العلماء، فمثلًا " نيقولا كوبرنيكوس " الذي أوضح في كتابه " دوران الأجرام السماوية " سنة 1542 م. أن الأرض ليست مركز الكون، كان قسًا كاثوليكيًا، و"إسحق نيوتن " مكتشف قانون الجاذبية سنة 1696م كان من رجال اللاهوت، و"جريجور مندل " صاحب قوانين الوراثة سنة 1865 م. كان راهبًا كاثوليكيًا، وهلمَّ جرا...

 

ثانيًا: أمثلة من الإشارات العلمية في سفر أيوب:

1- أشار السفر إلى بعض المجموعات من النجوم، فقال أيوب: "صَانِعُ النَّعْشِ وَالْجَبَّارِ وَالثُّرَيَّا وَمَخَادِعِ الْجَنُوبِ" (أي 9: 9) وقال الرب: "هَلْ تَرْبِطُ أَنْتَ عُقْدَ الثُّرَيَّا، أَوْ تَفُكُّ رُبُطَ الْجَبَّارِ؟ أَتُخْرِجُ الْمَنَازِلَ فِي أَوْقَاتِهَا وَتَهْدِي النَّعْشَ مَعَ بَنَاتِهِ؟" (أي 38: 31، 32)، وما زال علماء الفَلك يتداولون هذه المصطلحات الفلكية:

عقد الثريَّا: كلمة " الثريَّا " كلمة عبرية تعني " مجموعة " وهي مجموعة نجوم تقع في عنق برج الثور، وتظهر في أوائل الربيع، فيظهر منها سبعة نجوم للعين المجردة، وبالتليسكوب يُرى منها آلاف النجوم، ودُعيت بعقد لتقاربها بجوار بعضها البعض حتى ظهرت كعقد من الجواهر.

الجبار: وهو برج الجوزاء الذي يشمل سلسلة من النجوم والكواكب، ويُرى في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية، مع أوائل الشتاء في منتصف شهر نوفمبر، ويدعوها الكتاب " رُبط " أي يصعب فكها.

النعش مع بناته: وهو كوكب الدب الأكبر، والنعش أربعة نجوم وبناته ثلاثة نجوم صغرى، والمجموعة تدور حول النجم القطبي.

     ويقول " نيافة الأنبا إيساك": "بدأ الله يرفع عيني أيوب نحو السماء، بعدما بهره بمصنوعاته التي على الأرض وفي المياه... فعندما يغرب النهار ويبدأ الليل أن يرخي سدوله، تتلألأ السموات بعجائب الكواكب والنجوم التي رتبها الله بإعجاز مذهل..! شعاع النور يخرج من الشمس بسرعة الضوء المعروفة ليصل إلى الأرض بعد ثمان دقائق... وعندما يأتي الليل نتلقى إشعاعات من نجوم هي في الواقع شموس أخرى ولكنها تبعد عن أرضنا مليارات الكيلو مترات، حتى أن أقرب نجم إلى الأرض بعد الشمس يخرج منه شعاع الضوء بسرعته المعروفة ليصل إلى الأرض بعد أربع ساعات..! والشمس والنجوم ذاتها تتركب من ذرات تنقسم فتخرج طاقة... والذي يتأمل السماء يجد أن هناك مجموعات ثابتة من النجوم تشكل مع بعضها في مسافات ثابتة أشكالًا أطلقوا عليها الأبراج أو المنازل كمثل برج الجوزاء... والميزان... والعقرب... والعذراء... والدلو... إلخ... ونحو الشمال نجم ثابت هو النجم القطبي يدور حوله مجموعة تُسمى الثريَّا، وقد تختلف المسافات بين نجومها من شهر لآخر، ولكنها تعود وكأنها مشدودة إلى بعضها البعض وهي التي تشير في أحد أضلاعها إلى النجم القطبي... أما المجموعة المناظرة في الشمال أيضًا نحو النجم القطبي فهي النعش"(1).

 

2- بينما كان الناس يظنون أن القمر مضيئًا من ذاته، وقدَّموا له العبادة مثله مثل الشمس، جاء السفر ليكشف عن حقيقة القمر، أنه جسم معتم، وهو فقط يعكس ضوء الشمس، وهو لا يضيء، فقال السفر: "هُوَذَا نَفْسُ الْقَمَرِ لاَ يُضِيءُ" (أي 25: 5)، وكان بنو إسرائيل يراقبون ظهور الهلال من فوق التلال ويعتبرون ظهوره عيدًا فيضربون بالأبواق (عد 10: 10، 1 أخ 23: 31،  مز 81: 3، حز 45: 17) ولكن بالرغم من هذا فإن الله حذر شعبه من عبادة الشمس والنجوم (تث 17: 3).

 

3- كان الجميع يرون الأرض ثابتة على قواعد وأعمدة، وإذ بأيوب يقول: "يَمُدُّ الشَّمَالَ عَلَى الْخَلاَءِ، وَيُعَلِّقُ الأَرْضَ عَلَى لاَ شَيْءٍ" (أي 26: 7)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. قال أيوب هذا في وقت كان البابليون يعتقدون أن الأرض محمولة على قرني ثور، وكان الهنود يعتقدون أنها محمولة على أنياب مجموعة من الفيلة التي تقف على شكل دائرة ورؤوسها تتجه للداخل، وهذه الفيلة تقف على درقة سلحفاة ضخمة تحملها حيَّة هائلة والحيَّة تلتف حول نفسها... إلخ.، بينما يقول أيوب أن الأرض ليست معلقة على شيء أو بأي شيء، بل هي جسم مُعلَّق سابح في الفضاء في مدار معين، وإن كان الإنسان يعجز عن تعليق ريشة واحدة في الهواء لعدة أيام وفي نفس المكان، فإن هذا يعكس لنا قدرة الله اللانهائية، فقد خَلَق الله الكون كله ووضع له القوانين الطبيعية التي تحكمه، فالأرض محفوظة بقوتين متضادتين متساويتين في اتجاهين مختلفين، قوى الجاذبية تجذبها بشدة وقوة وعنفوان تجاه الشمس، وقوة مساوية في الاتجاه المعاكس، وهي قوة الطرد المركزي، التي تطردها بعيدًا عن الشمس.

وعندما قال السفر: "يَمُدُّ الشَّمَالَ عَلَى الْخَلاَءِ " كان يشير لمنطقة معينة ضخمة جدًا في الكون، فالكون يحوي 100 مليار مجرة، وكل مجرة تحمل مليار نجم، ومع ذلك فإن كل هذا لا يشغل سوى 10% من مساحة الكون، أما المساحة الباقية فهي خالية تمامًا من النجوم ولذلك قال السفر: "يَمُدُّ الشَّمَالَ عَلَى الْخَلاَءِ " فيقول أحد أساتذة جامعة بال بأمريكا ما ترجمته: باستخدام أكبر التليسكوبات في نصف الكرة الشمالي في المرصد البحري بواشنطن، تم اكتشاف منطقة فراغ عظمي في الأعماق الشمالية للسماء، تقابل الخلاء الذي كتب عنه أيوب، وقال أستاذ آخر في مرصد بركس:

" أن هناك جزءًا كبيرًا من السماء من ناحية الشمال بدون نجم واحد أو بالأحرى منطقة خلاء" (5)(2).

 

4- قال أيوب: "أَرْضٌ يَخْرُجُ مِنْهَا الْخُبْزُ، أَسْفَلُهَا يَنْقَلِبُ كَمَا بِالنَّارِ" (أي 28: 5) وهنا يشير لحقيقة علمية أن الأرض كانت كتلة ملتهبة بدأت قشرتها تبرد شيئًا فشيئًا، لكن ما زال داخلها ملتهبًا، وهذا ما نراه من الحمم الملتهبة التي تقذفها البراكين.

 

5- قال أيوب: "لِيَجْعَلَ لِلرِّيحِ وَزْنًا" (أي 28: 25) وفي هذا إشارة إلى حقيقة علمية، وهي الضغط الجوي، فيقول " لويس صليب": "بهذه الحقيقة أشار الكتاب إلى حقيقة الضغط الجوي من قوانين نيوتن للجاذبية الأرضية، أن وزن كل شيء يرجع إلى جاذبية الأرض لهذا الشيء... ومن ضمن هذه الأشياء: الهواء. وعليه فالهواء له ثقل ووزن. وقد كشف العلم الحديث أن ثقل الجو 14,73 رطلًا لكل قيراط مربع، وأن مجموع ثقل الهواء يعادل 1/188 مليون من كل وزن الكرة الأرضية. فالكتاب سبق العلم في الإشارة إلى ذلك بقوله عن الله: "هُوَ يَنْظُرُ إِلى أَقَاصِي الأَرْضِ. تَحْتَ كُلِّ السَّمَاوَاتِ يَرَى. لِيَجْعَلَ لِلرِّيحِ وَزْنا" (أي 28: 24، 25)"(3).

ويقول " متى هنري": "هل هناك ما هو أخف من الريح؟ ومع ذلك فإن الله يزنه، يعرف أن " يجعل للريح وزنًا " وهو " يخرج الريح من خزائنه" (مز 135: 7) ويحفظ سجلًا دقيقًا جدًا لكل ما يخرجه، كما يحفظ الناس سجلًا لكل ما يخرجونه من خزائنهم ولا يخرجه عفوًا أي بدون قصد كما يخرج الناس نفايتهم. لا يوجد شيء لا نعير إليه أي اهتمام مثل الريح، نحن نسمع صوته، لكننا لا نعلم من أي يأتي ولا إلى أين يذهب (يو 3: 8). أمَّا الله فإنه يخرجه بميزان، ويحدد بحكمة المكان الذي يهب منه، كما يحدد قوته بحكمة عند خروجه. وهو يزن ويقيس مياه البحار ومياه الأمطار " ويعاير المياه بمقياس". يقيس نسبة كل تيار وكل مطر. هناك اتصال دائم بين السحب والبحار، بين المياه التي فوق الجَلَد والمياه التي تحت الجَلَد، فالأبخرة تصعد إلى فوق، والأمطار إلى أسفل... وإن كانت العناية الإلهية دقيقة جدًا في هذه الأشياء فهو بالأولى دقيق جدًا في توزيع غضبه ورضاه، الجزاء والقصاص لبني البشر حسب قواعد العدالة"(4).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) تساؤلات الله في سفر أيوب والمزامير ص 98، 99.

(2) أورده يوسف رياض - وحي الكتاب المقدَّس ص 249.

(3) تفسير سفر أيوب جـ1 ص 23.

(4) ترجمة القمص مرقس داود - تفسير سفر أيوب جـ2 ص 200.

(5) R.K Compebell, Our Wonderful Bible P. 279.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1505.html

تقصير الرابط:
tak.la/nkkpw24