يقول " محمد قاسم": "كتب سنحاريب نقشًا على جدران قصره في نينوى يصف انتصاراته على يهوذا يقول {أما حزقيا اليهودي فلم يرضخ لسلطتي فحاصرت 46 مدينة من مدنه المحصنة عدا القرى المجاورة التي لا يحصى عددها واستوليت عليها كلها باستخدام أنواع الآلات الحربية والمنجينيقات مما ساعدنا على الاقتراب من الأسوار واختراقها، وقد أخذنا عنهم (من اليهود) 200150 نسمة رجالًا ونساءًا، أطفالًا وشيوخًا، مع حيواناتهم من الخيول والبغال والحمير والجمال! كبيرة وصغير لا تحصى، وهذه كلها غنائم استولينا عليها، وجعلتُ حزقيا شخصيًا حبيسًا في أورشليم في قصره كالطير في القفص وأحطته بأكوام من الأتربة للتضييق على كل من يحاول الخروج من باب المدينة، وقد سلمتُ مدنه التي أستوليتُ عليها إلى " ميتيني " ملك أشدود، و" بادي " ملك عقرون، و" سيلبيل " ملك غزة، وهكذا قُلصت حدود بلاده وفرضت زيادة في الجزية التي عليه أن يدفعها سنويًا"(1)(2).
ويقول " الخوري بولس الفغالي": "ويعود الكاتب فيروي مرة ثانية هجوم سنحاريب على أورشليم، وفشله في الاستيلاء عليها، هذا الخبر شبيه بالأول، ولكن دور إشعياء في هذه المرة أهم من المرة الأولى... أرسل إشعياء يشدد حزقيا. هزأت أورشليم بسنحاريب... أجل لن يدخل سنحاريب المدينة، بل يعود في الطريق التي جاء منها... ما الذي حدث؟ حلَّ الطاعون بجيش آشُّور فرجع إلى نينوى... كان يصلي في معبد نصروك (أو نردوك) إلهه، فقتله ابناه"(3).
ج: 1- اعتاد ملوك ذاك الزمان الاكتفاء بتسجيل انتصاراتهم دون هزائمهم، بل كثيرًا ما سجلوا الهزيمة على أنها انتصار، وما سجله سنحاريب من محاصرة مدن يهوذا وصعوده على أورشليم هو أمر حقيقي، كما رأينا في إجابة السؤال 1358، وقد فرض سنحاريب على حزقيا ملك يهوذا إتاوة ضخمة تبلغ 300 وزنة فضة، و30 وزنة ذهب (2مل 18: 14 - 16). وبعدما وضع حزقيا هذه الإتاوة الضخمة، عاد ملك آشور الشرير وحاصر أورشليم، وهنا " صَلَّى حَزَقِيَّا أَمَامَ الرَّبِّ وَقَالَ: أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ، الْجَالِسُ فَوْقَ الْكَرُوبِيمَ، أَنْتَ هُوَ الإِلهُ وَحْدَكَ لِكُلِّ مَمَالِكِ الأَرْضِ. أَنْتَ صَنَعْتَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ. أَمِلْ يَا رَبُّ أُذُنَكَ وَاسْمَعْ. اِفْتَحْ يَا رَبُّ عَيْنَيْكَ وَانْظُرْ، وَاسْمَعْ كَلاَمَ سَنْحَارِيبَ الَّذِي أَرْسَلَهُ لِيُعَيِّرَ اللهَ الْحَيَّ. وَالآنَ أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُنَا خَلِّصْنَا مِنْ يَدِهِ، فَتَعْلَمَ مَمَالِكُ الأَرْضِ كُلُّهَا أَنَّكَ أَنْتَ الرَّبُّ الإِلهُ وَحْدَكَ" (2مل 19: 15-19). فأرسل إشعياء النبي يطمئن حزقيا وفعلًا تدخل الله وأرسل ملاكه وأهلك من جيش سنحاريب 185 ألفا.
2- جاء في سفر الملوك: "وَكَانَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَنَّ مَلاَكَ الرَّبِّ خَرَجَ وَضَرَبَ مِنْ جَيْشِ أَشُّورَ مِئَةَ أَلْفٍ وَخَمْسَةً وَثَمَانِينَ أَلْفًا. وَلَمَّا بَكَّرُوا صَبَاحًا إِذَا هُمْ جَمِيعًا جُثَثٌ مَيْتَةٌ" (2مل 19: 35) وهذه معجزة بجميع المقاييس إذ ضرب ملاك الرب كل هذا العدد، مثلما ضرب الملاك المُهلِك كل أبكار المصريين " فَحَدَثَ فِي نِصْفِ اللَّيْلِ أَنَّ الرَّبَّ ضَرَبَ كُلَّ بِكْرٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ، مِنْ بِكْرِ فِرْعَوْنَ الْجَالِسِ عَلَى كُرْسِيِّهِ إِلَى بِكْرِ الأَسِيرِ الَّذِي فِي السِّجْنِ، وَكُلَّ بِكْرِ بَهِيمَةٍ. وَكَانَ صُرَاخٌ عَظِيمٌ فِي مِصْرَ، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْتٌ لَيْسَ فِيهِ مَيْتٌ" (خر 12: 29، 30)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. أما الذين لا يقبلون المعجزات فأنهم يحاولون قدر طاقتهم أن يُخرِجوا مثل هذه الأحداث من إطارها المعجزي، فقال البعض أن وباء فتاك أصاب جيش سنحاريب، وقال آخرون مثل الخوري بولس الفغالي أن مرض الطاعون تفشى في الجيش فقتل عددًا كبيرًا منهم، ولكن كلام الكتاب واضح أن هذه الضربة حدثت بين عشية وضحاها، بل في زمن أقل من هذا، فبالليل حلت الضربة بالجيش وفي الصباح الباكر كان عشرات الألوف من الجنود قد تحولوا إلى جثث هامدة.
3- جاء في " دائرة المعارف الكتابية": "ثم حاصر الأشوريون لأخيش فسقطت بعد حصار شديد، ونهبوا ستًا وأربعين مدينة وقرية في يهوذا، وأخذوا 200150 أسيرًا وغنائم كثيرة، ورغم أدوات الحصار العديدة التي كانت تطوق أورشليم، أبى حزقيا الاستسلام (2مل 18: 17، أش 36: 1 - 21). ويذكر سنحاريب في نقوشه أن حزقيا دفع له بعد ذلك - كجزية - أربعين وزنة من الذهب، وثمانمائة وزنة من الفضة وحجارة كريمة وغير ذلك من البضائع النادرة. ويذكر سفر الملوك الثاني (18: 13 - 16) أن حزقيا دفع لسنحاريب ثلثمائة وزنة من الفضة، وثلاثين وزنة من الذهب. وقد يرجع هذا الفرق إلى أن باقي الجزية دفع في أشكال أخرى، أو لاختلاف وحدات الأوزان المستخدمة، أو لميل الأشوريين للمغالاة... ويقول سنحاريب " أنه في تلك الأثناء حبست حزقيا في أورشليم -عاصمة مُلكه- كطير في قفص، وأقمت مراكز حراسة حول المدينة لكي يلقى حتفه كل من يجرؤ على الخروج من باب المدينة".
ولم ينجح الحصار لأن حزقيا كان قد سبق فأجرى الماء في نفق تحت الماء من نبع جيحون إلى داخل أورشليم (2مل 20: 20، 2أي 32: 30) ولثقته العظيمة في الله واتكاله الوطيد عليه، وليس على معونة خارجية (2مل 19: 32 - 34) ولا يذكر سنحاريب في تاريخه شيئًا عن نتيجة هذا الحصار، فقد كانت نتيجته خيبة كاملة له، وهزيمة ساحقة لجيشه الذي قتل منه ملاك الرب مئة ألف وخمسة وثمانين ألفًا (2مل 19: 35). ويزعم هيروديت أن هلاك جيش سنحاريب كان بسبب " جيوش جرارة من الفئران زحفت بالليل وقرضت كل سهام وأقواس العدو، وكل المناطق التي كانوا يشدون بها تروسهم... فعندما بدأوا القتال في اليوم التالي سقطت منهم الأعداد الكبيرة إذ لم يجدوا في أيديهم سلاحًا يدافعون به عن أنفسهم".."(4). غير أن تبرير "هيروديت" هنا غير منطقي، لأن الكتاب لم يذكر أن هناك معركة دار رحاها بين بني إسرائيل وجيش آشور، اندحر خلالها جيش آشور، إنما جاءت الضربة مفاجئة، ويمكن قبول تفشي الموت الأسود (الطاعون) بين جنود سنحاريب، ويقول " د. وسيم فهمي جرجس": "أن للطاعون عدة صور وهي طاعون الغد اللمفاوية، وطاعون تلوث الدم، والطاعون الرئوي وهو أخطر الأنواع، وينتقل من خلال رذاذ العطس، وفترة حضانته من يوم إلى أربعة أيام، وهو كفيل بالقضاء على كل هذا العدد الهائل من الجنود، ولا ننسى أن الموت الأسود الذي تفشى في أوربا بين عامي 1347، 1352 م. قضى على ثلث سكان القارة".
_____
(1) د. أحمد سوسه - العرب واليهود في التاريخ ص 517.
(2) التناقض في تواريخ وأحداث التوراة ص 451.
(3) التاريخ الاشتراعي - تفسير أسفار يشوع والقضاة وصموئيل والملوك ص 517، 518.
(4) دائرة المعارف الكتابية جـ 4 ص 448، 449.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1360.html
تقصير الرابط:
tak.la/34a78zs