يقول "محمد قاسم" عن بني الأنبياء: "هم التلاميذ الذين يتعلمون التنبؤ بالغيب. فقد كان التنبؤ حرفة لها أصولها وقواعدها وأساليبها المختلفة منها حساب الجُمَل والعلاقة بين الأجرام السماوية واستخدام الجان والزهد والتصوف... إلخ. وقد أُشتهر عن اليهود بأنهم يتقنون الفنون السحرية حتى أن كثيرًا من الكتب المتداولة في هذا الشأن تنسب معلوماتها إلى شخصيات إسرائيلية مثل أصف بن برخيا (آساف) وهو من اللاويين في زمن داود (1أي 6: 38) كما تستخدم الأسماء السريانية مثل أدوناي صباؤوت، ونظرًا لأن كلا الأنبياء والعرافين والدجالين يتنبأون بالغيب فقد أختلط الأمر على معاصريهم، فكان مقياس صدق النبوءة هو حدوث معجزات يصعب تقليدها أو أن تتحقق النبوءة، وانتهى الأمر بكتبة التوراة إلى الخلط بين الأنبياء الحقيقيين وبين كل من استطاع أن يخدع الناس من العرافين والكهنة والدجالين"(1).
ج: 1- بنو الأنبياء هم الذين كانوا يتتلمذون في مدارس الأنبياء التي أنشأها صموئيل النبي، وهذه المدارس كان لها تواجد في عدة أماكن مثل الجلجال وأريحا وبيت إيل، مع ملاحظة أن المقصود بالجلجال هنا ليس المكان الذي عسكر فيه بنو إسرائيل قديمًا مع يشوع، وفيه خُتن الشعب، وفيه ظهر رئيس جند الرب ليشوع، إنما المقصود بالجلجال في قصة صعود إيليا تلك المدينة الكائنة في جبل أفرايم على بُعد ثمانية أميال شمال بيت إيل. وقد جاء في هامش " الكتاب المقدَّس الدراسي": "الجلجال: يرجح أن المدينة المُشار إليها هنا ليست هي المدينة المعروفة الموجودة في وادي الأردن، حيث أن أصل كلمة " ذهبا " في اللغة العبرية هي " نزلا " إلى بيت إيل (2مل 2: 2، 4: 38) ولذا فعلى الأرجح أنها الجلجال الواقعة على بُعد أربعة عشر كيلو مترًا تقريبًا شمالي بيت إيل"(2). وقد قصد إيليا قبل إصعاده إلى السماء أن يمر على بني الأنبياء ليشدّدهم ويقويهم ويوعيهم، أولئك الذين كانوا يعيشون حياة البساطة والشركة والجد والاجتهاد ودراسة كلمة الله، وقد سبق الحديث عن مدارس الأنبياء فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد جـ 9 س 1070.
ويقول" القمص تادرس يعقوب " عن مدارس الأنبياء " يبدو أن صموئيل النبي هو الذي أسَّس هذا النظام، وإن كان يصعب التعرف على بدء قيام هذه المدارس وتاريخها. انتشرت مدارس للأنبياء في بلاد كثيرة، لصد تيار الفساد الروحي والإيماني الذي بدأ في عهد يربعام أول ملك لإسرائيل بعد انشقاقه عن يهوذا. وُجدت هذه المدارس في الرامة (1صم 19: 19 - 20) وأريحا (2مل 2: 5) والجلجال (2مل 4: 38) وبيت إيل (2مل 2: 3) وربما في أماكن أخرى. كان عددهم كبيرًا، قيل أنه كان يوجد مئة في الجلجال (2مل 4: 43) وعلى الأقل خمسون في أريحا (2مل 2: 7) تتكوَّن من مجموعات، بعضهم كان متزوجًا، وربما في بيوت خاصة بهم (2مل 4: 1 - 2). والبعض غير متزوجين كانوا يقطنون في مبانٍ عامة (2مل 6: 1 - 2) ويأكلون معًا (2مل 4: 38).. كان لبني الأنبياء نظام خاص، يدرسون الشريعة، وتاريخ شعب الله مع الشعر المقدَّس والموسيقى. لم يكونوا تحت نظام رهباني، ولا طلبة لتعلم اللاهوتيات. رسالتهم هي مساعدة الأنبياء في تحقيق رسالتهم، وفي وقت ما يخلفونهم. علموا بانتقال إيليا غالبًا بإعلان إلهي"(3).
وجاء في " التفسير التطبيقي": "كانت في بيت إيل مدرسة خاصة لأنبياء الله، وكانت إحدى مدارس عديدة للأنبياء، شرعت في إيقاف تيار الانحدار الروحي والأدبي، الذي بدأ في عهد يربعام. ويبدو أن غالبية المدارس كانت في الجلجال وأريحا وبيت إيل. والذين التحقوا بهذه المدارس، كانوا يتدربون على أن يكونوا المتكلمين عن الله، ولم تكن هذه المدارس شبيهة بمدارس اليوم، بل تكوَّنت من جماعة من التلاميذ يلتفون حول قائد معين، أشبه ما يكونوا بتلاميذ المسيح الذين كانوا يلتفون حوله"(4).
2- شتان بين النبوءة الحقيقية التي هي من قِبل الله وبين النبوءة الزائفة التي هي ليست من الله، فرجال الله ظاهرون وسماتهم على وجوههم، ورجال إبليس ظاهرون وسماتهم على وجوههم، ولم يهدف رجال الله قط الحصول على أي فائدة مادية أو معنوية من نبوءاتهم، فهم ليسوا أصحاب فضل فيها، إنما هي إعلانات إلهيَّة لهم من أجل خير الشعب. أما الذين استخدموا الجان والعرافة ويدَّعون أنهم يستطلعون حركات الكواكب والأجرام فأنهم لا يقدمون خدماتهم مجانًا، وهؤلاء كان لهم تواجد فكانوا كالوباء، ولذلك حذر الله منهم، وأوصى قائلًا: "لاَ يُوجَدْ فِيكَ... مَنْ يَعْرُفُ عِرَافَةً، وَلاَ عَائِفٌ وَلاَ مُتَفَائِلٌ وَلاَ سَاحِرٌ. وَلاَ مَنْ يَرْقِي رُقْيَةً، وَلاَ مَنْ يَسْأَلُ جَانًّا أَوْ تَابِعَةً، وَلاَ مَنْ يَسْتَشِيرُ الْمَوْتَى" (تث 18: 10، 11).. " لاَ تَدَعْ سَاحِرَةً تَعِيشُ" (خر 22: 18) كما أوصى الله بالحذر من النبي الكاذب حتى لو صدقت نبوته " إِذَا قَامَ فِي وَسَطِكَ نَبِيٌّ أَوْ حَالِمٌ حُلْمًا، وَأَعْطَاكَ آيَةً أَوْ أُعْجُوبَةً، وَلَوْ حَدَثَتِ الآيَةُ أَوِ الأُعْجُوبَةُ الَّتِي كَلَّمَكَ عَنْهَا قَائِلًا: لِنَذْهَبْ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لَمْ تَعْرِفْهَا وَنَعْبُدْهَا، فَلاَ تَسْمَعْ لِكَلاَمِ ذلِكَ النَّبِيِّ أَوِ الْحَالِمِ... ذلِكَ النَّبِيُّ أَوِ الْحَالِمُ ذلِكَ الْحُلْمَ يُقْتَلُ" (تث 13: 1-5).
3- جاء في "دائرة المعارف الكتابية" عن النبوءة في الكتاب: "الثابت أن الكتاب المقدَّس يعتبر أن النبي هو من يتكلم بما يُوحى به إليه من الله، فأقواله ليست من بنات أفكاره، ولكنها من مصدر أسمى. والنبي هو في نفس الوقت " الرائي " الذي يرى أمورًا لا تقع في دائرة البصر الطبيعي، ويسمع أشياء لا تستطيع الأذن الطبيعية أن تسمعها. فكلمتا " النبي " و" الرائي " مترادفتان (1صم 9: 9). أما من يتكلمون " بِرُؤْيَا قَلْبِهِمْ لاَ عَنْ فَمِ الرَّبِّ". " مِنْ تِلْقَاءِ ذَوَاتِهِمِ... الذَّاهِبِينَ وَرَاءَ رُوحِهِمْ وَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا فهم أنبياء كذبة " و" الرب لم يرسلهم" (أر 23: 16 - 18، حز 13: 2 - 7). فالأنبياء الحقيقيون إنما يتكلمون بما يضعه الله في أفواههم، أو يكشفه لبصائرهم الروحية (أرجع إلى أش 2: 1) فليس من الضروري أن يأتي كلام الرب للنبي بصوت مسموع لأذنه الطبيعية. ولكن الأمر الأساسي هو أن يكون قادرًا تمامًا على التمييز بين صوت الله وصوت قلبه أو أفكاره الذاتية. فبهذا وحده يستطيع أن يقول أنه يتكلم باسم الرب أو "هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ" (حز 4: 16، 7: 1) وفي هذا الحال يدرك أنه لا بُد أن يتكلم، كما يقول عاموس النبي " الأَسَدُ قَدْ زَمْجَرَ، فَمَنْ لاَ يَخَافُ؟ السَّيِّدُ الرَّبُّ قَدْ تَكَلَّمَ، فَمَنْ لاَ يَتَنَبَّأُ؟" (عا 3: 8)، لأن كلمات الرب تشتعل في قلبه " كنار محرقة " إلى أن ينطق بها (أر 20: 7 - 9)..
(كما أن الوحي يختلف عن الأحلام) يختلف الوحي عن الأحلام اختلافا جوهريًا، وذلك لأن ما ينطق به النبي يتلقاه وهو في تمام الوعي، كما أن النبي يتكلم بسلطان وبيقين كامل بأنه يتلقى كلامه من الله ذاته. ونقرأ في نبوة أرميا عن الفرق الواضح بين هذين الأمرين، فيقول الرب لأرميا: "قَدْ سَمِعْتُ مَا قَالَهُ الأَنْبِيَاءُ الَّذِينَ تَنَبَّأُوا بِاسْمِي بِالْكَذِبِ قَائِلِينَ: حَلِمْتُ، حَلِمْتُ. حَتَّى مَتَى يُوجَدُ فِي قَلْبِ الأَنْبِيَاءِ الْمُتَنَبِّئِينَ بِالْكَذِبِ؟ بَلْ هُمْ أَنْبِيَاءُ خِدَاعِ قَلْبِهِمِ، الَّذِينَ يُفَكِّرُونَ أَنْ يُنَسُّوا شَعْبِي اسْمِي بِأَحْلاَمِهِمِ... مَا لِلتِّبْنِ مَعَ الْحِنْطَةِ، يَقُولُ الرَّبُّ " (أر 23: 25 - 28) فالفرق بين الأحلام والوحي هو كالفرق بين التبن والحنطة...
عندما يقول إشعياء لحزقيا الملك أن الآشوريين لن يرموا سهمًا على المدينة، بل سيعودون دون أن يحققوا هدفهم (أش 37: 22 - 35)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. لقد كانت كل هذه الأمور على النقيض من كل الاحتمالات القائمة، حتى لكان النبي يعتبر مجازفًا وطائشًا، لو لم يكن قد قبل هذه الإعلانات من مصدر أسمى. ومما لاشك فيه أن مثل هذه النبوءات الخارقة كانت هي السبب في ما كان يتمتع به الأنبياء من قوة وتأثير. وبالمثل في حالة عاموس النبي الذي تنبأ بالزلزلة قبل حدوثها بسنتين (عا 1: 1) وفي حالة إيليا الذي تنبأ بوقوع المجاعة والجفاف (1مل 17: 1) كما كشف أليشع النبي مخططات الأعداء (2مل 6: 12).. بل كل ما كان الله يريد أن يعلنه للبشر من جهة مشيئته ونصائحه وتحذيراته، كان يعلنه على فم أنبيائه. لقد كان الأنبياء رقباء وحراسًا على الشعب، فكان عليهم تحذير الأمة، إذ كانوا يرون الأخطار والدينونات الوشيكة التي لا بد أن تقع إذا تجاهل الشعب وصايا الله. كما كان الأنبياء يفسرون للشعب الأمور الجارية.."(5).
4- جاء في " معجم اللاهوت الكتابي " مقال عن النبي الحقيقي والنبي الكاذب نقتطف عبارات موجزة منه " أينما توجهنا في الشرق القديم، وجدنا هناك رجالًا يمارسون السحر والعرافة (عد 22: 5 - 6، دا 2: 2، 4: 3 - 4).. أن لقب " نبي " غير موقوف على أنبياء الله الحقيقيين، فإلى جانب هؤلاء هناك أنبياء البعل (1مل 18: 22) وهناك أيضًا أناس يجعلون من التعليم النبوي حرفة. على أنهم يتكلمون دون أن يلهمهم الرب (1مل 22: 5 - 6).. أما الذي يُحرّك الأنبياء فهو منذ البداية روح الله ذاته... فأنهم من الله يستمدون الكلمة، والموهبة الروحية بالنبوة هي موهبة وحي (عا 3: 7، أر 33: 18، 2 مل 6: 12) تُعلّم الإنسان ما لا يمكن أن يكتشفه بقواه الخاصة وحدها... أن الذين يتكلمون باسمهم الخاص (أر 14: 14 - 15، 23: 16) دون أن يكونوا مرسلين (راجع 27: 15) بل بدافع من روحهم الخاصة (حز 13: 3) هم أنبياء كذبة. وأما الأنبياء الحقيقيون فأنهم يعون بأن " آخر " يجعلهم يتكلمون. حتى أنه يحدث أن يضطروا إلى تصحيح قولهم إذا ما أتفق أن يتكلموا من تلقاء أنفسهم (2 صم 7)"(6).
5- نحن نوافق " محمد قاسم " أن بعض اليهود كانوا يتقنون السحر، حتى استطاع " لُبيد بن الأعصم " من بني زريق أن يسحر الرسول لمدة ستة أشهر، فقد عمل له سحرًا وضعه بين مشط ومشاطة تحت رعونة في بئر ذروان، أي وضع العمل في قطعة من جريد النخل (بين مشط ومشاطة) وضعها تحت حجر (رعونة) وهذا الحجر في قاع بئر يُدعى بئر ذروان، فاختلطت الأمور على الرسول، فيقول أنه ذهب إلى إحدى زوجاته ولم يكن قد ذهب إليها، وفي نهاية الستة أشهر قال الرسول: استفتيت ربي فأفتاني، وبدأ يقص الرسول حلمًا رآه أو رؤيا، إذ رأى نفسه نائمًا وملاك عند رأسه وآخر عند قدميه، وسأل أحدهما الآخر: ما بال الرجل..؟ فأجابه: مطبوب أي مسحور، فسأله: ومن طبه..؟ فأجاب الآخر: لُبيد بن الأعصم من بني زريق، ثم سأله ثالثه: وفيما..؟ فأجاب الآخر: بين مشط ومشاطة تحت رعونة في بئر ذروان. ثم زال عنه هذا السحر اللعين.
6- نحن لا نوافق " محمد قاسم " في قوله أن كتبة التوراة خلطوا بين الأنبياء الحقيقيين وبين العرافين والدجالين، لأن الذين كتبوا التوراة لم يكتبوا بمفردهم، إنما الروح القدس رافقهم وأرشدهم وفتح أذهانهم وأنار بصائرهم وساعدهم على انتقاء الألفاظ الملائمة، وعصمهم من أي خطأ، تاركًا لهم حرية التعبير كل واحد بأسلوبه، ولو أن كتبة التوراة خلطوا بين الحق والباطل لانعكس ذلك على كتاباتهم، ولكن الكتاب فصل تمامًا بين الحق والباطل، والصالح والطالح، لم يخلط بينهما، ولم يعرج بين الفرقتين.
_____
(1) التناقض في تواريخ وأحداث التوراة ص 473.
(2) الكتاب المقدَّس الدراسي ص 860.
(3) تفسير سفر الملوك الثاني ص 54، 55.
(4) التفسير التطبيقي ص 778.
(5) دائرة المعارف الكتابية جـ 8 ص 14-16.
(6) معجم اللاهوت الكتابي ص 796 - 798.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1318.html
تقصير الرابط:
tak.la/zasyb8p