St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1317- هل إيليا الذي استنزل نارًا من السماء هو شخصية وهمية خرافية (2مل 1: 9-12) ولو كان شخصية حقيقية فما هو ذنب الجنود الذين أحرقهم بنار السماء وهم أبرياء؟

 

          يقول " ليوتاكسل": "لقد كتب اللورد بولينغبروك في معرض تعليقه على هذا النص يقول: {أن إيليا الذي تمكن من إبادة الخمسين بنار سماوية ليس إلاَّ شخصية خرافية، وإلاَّ لكان بمقدوره أن يستولي على مقاليد الأمور في الكرة الأرضية كلها بمساعدة ناره تلك، وهو يتنزه مع خادمه... وما يمكن قوله لإيليا أيضًا:

          لقد قتلت ضابطين ومائة جندي بصواعق استنزلتها من السماء، ولكنك كنتَ قد وليت الإدبار إلى أعمق الجحور كأي فأر جبان، يوم توعدتك الملكة إيزابيل. فلما لم تشطرها بواحدة من صواعقك كما فعلت بالجنود؟ أنه لتناقض يثير الاشمئزاز، فأنت إله حينًا، وجبان رعديد أحيانا!}.

          ونحن نضيف: أن إبادة الجنود المغلوب على أمرهم ولا ذنب لهم في كل ما يجري، يبقى أمرًا غير مقبول"(1).

          وقال بعض النُقَّاد: "وهذا كل الذي فعله إيليا الذي وقف عند المضيق واستعمل القوات الخصوصية السريَّة التي كانت تحت أمره لمقاومة أعداء الرب الذي كان يحارب من أجله"(2).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: The Ascension of Elijah - from The Nuremberg Chronicle, book by Hartmann Schedel, 1493. صورة في موقع الأنبا تكلا: صعود إيليا - من كتاب تاريخ نورنبيرج، بقلم هارتمان شيدل، 1493 م.

St-Takla.org Image: The Ascension of Elijah - from The Nuremberg Chronicle, book by Hartmann Schedel, 1493.

صورة في موقع الأنبا تكلا: صعود إيليا - من كتاب تاريخ نورنبيرج، بقلم هارتمان شيدل، 1493 م.

ج: 1- لا يحوي الكتاب المقدَّس أية شخصيات وهمية خرافية، فكل ما ورد في الكتاب هو حق وعدل، والكتاب صادق وأمين في كل ما يُذكر، فهو رسالة الله لهداية البشرية جمعاء، ومن الخطأ الشنيع أن نساوي بينه وبين الديانات البدائية التي لا تخلو من الأساطير والخرافات والأوهام، ولو شككنا في شخصية من الشخصيات الكتابية لأنه صنع معجزات، فالأمر سينتهي بنا إلى التشكيك في جميع الشخصيات التي أجرى الله على يديها معجزات باهرات، مثل بطرس وبولس الرسولين، فقد كان ظل أحدهما يشفي الأمراض (أع 5: 15) وعصائب ومناديل الآخر تُشفي الأمراض وتُخرج الأرواح الشريرة (أع 19: 12)، وبالطبع من يرفض أجزاء من الكتاب ليس هناك ما يلزمه بقبول الأجزاء الأخرى.

          ولو كان إيليا شخصية خرافية فكيف جاء ذكره في القرآن باسم إلياس: "وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كُل” من الصالحين" (الأنعام 6: 85) كما بكّت إيليا شعبه لترك عبادة الله وعبادة الإله بعل: "وأن إلياس لمن المرسلين. إذ قال لقومه ألا تتقون. أتدعون بعلًا وتذرون أحسن الخالقين. الله ربكم ورب آباءكم الأولين. فكذَّبوه فأنهم لمُحصروُن. إلاَّ عباد الله المخلصين" (الصافات 37: 123 - 128). وقد سبق مناقشة شخصية إيليا(3).

 

2- عَبَدَ أخزيا ملك إسرائيل مع والديه البعل، ويبدو أن أخزيا كان في حالة سُكْر وترنح فسقط من الكوة (2مل 1: 2)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وأرسل يسأل "بعل زبول إله عقرون" وهو إله الذباب، فكان الذين يعبدونه يتصوُّرون أنه قادر على طرد الذباب، وكان من عادة اليهود الاستهزاء بآلهة الوثنيين، ولذلك دعوا بعل زبوب " بَعْلَزَبولَ رَئِيسِ الشَّيَاطِينِ" (مت 12: 24)(9) وجاء في " التفسير التطبيقي": "لم يكن " بعل زبوب " هو نفسه البعل، الإله الكنعاني الذي عبده أخآب وإيزابل (1مل 16: 29 - 33) بل كان " بعل زبوب " إلهًا آخر مشهورًا، كان هيكله في مدينة عقرون. وحيث أن هذا الإله كان يُظن أن له قوة على التنبوء أرسل الملك أخزيا رسله إلى عقرون ليعلم مصيره، فقد كانت تنسب لذلك الإله قوة سرية خارقة. وقد أثبت تصرف أخزيا عدم احترامه لله"(4).

          وهؤلاء الجنود الذين أحرقتهم النيران التي انحدرت عليهم من السماء، غالبًا كانوا يعبدون البعل، وبموجب الشريعة كان محكومًا عليهم من قِبل محكمة العدل الإلهيَّة، ولذلك سمح الله بهلاكهم ولم تقوَ آلهتهم على حمايتهم، وذلك لكيما يكونوا عبرة للأجيال، ولم يفعل إيليا هذا انتقامًا لشخصه، وإنما فعل هذا لتوضيح انتقام الله من الخطاة، وأن غضب الله مُعلَن من السماء على جميع فجور الناس، ويقول " العلامة ترتليان": " أن القائدين الأول والثاني كانا نبيين كاذبين للإله بعل زبوب، لذلك فنزول النار كان بسماح من الله لوقف نشر هذه العبادة الوثنية بالعنف والإلزام من قِبل الملك وجيشه الذي يقوده كثير من الأنبياء الكذبة للبعل وغيره"(5).

وإذا افترضنا أنهم كانوا أبرياء، فإن نهايتهم هذه لن تفقدهم مصيرهم الأبدي، ويقول " الأرشيدياكون نجيب جرجس": "أن إيليا طلب هذه النار لكي يبرهن لملك شرير يعبد البعل ولجنوده وشعبه الأشرار مثله، لكي يبرهن لهم على أن الله هو الإله الحق وحده، وهو وحده القادر على كل شيء، وصاحب السلطان على الملوك والخلائق. وحتى إن كان الجنود أبرياء فإن الرب قد سمح بأن يموتوا الموت الجسدي ليكون موتهم عظة وعبرة وتعليمًا للشعب ووسيلة إيضاح لتهذيب جميع الأجيال"(6).

          وكان يمكن لأخزيا أن يرسل رسولًا لإيليا من أخصائه أو مستشاريه يطلب حضوره، ولكنه أرسل قوة عسكرية مكوَّنة من خمسين جندي مع قائدهم، ليقبضوا على إيليا ويسوقونه رغمًا عن أنفه إلى القصر الملكي، وقد تغافل أخزيا أن إيليا خادم الإله بالحقيقية، وأن قوة الله تصاحبه، وكلمته كانت نافذة حتى أنها أغلقت السماء فلم تمطر، وأحدرت نارًا من السماء فأكلت الذبيحة ولحست المياه، القصة التي انتهت بذبح أربعمائة وخمسين من أنبياء البعل، ولا عجب فإن أخزيا هو نتاج تربية إيزابل الشريرة. واقترب القائد بكبرياء وعنجهية وتصلف يأمر إيليا: "يا رجل الله الملك يقول انزل " فماذا كانت النتيجة..؟ " أَجَابَ إِيلِيَّا وَقَالَ لِرَئِيسَ الْخَمْسِينَ: إِنْ كُنْتُ أَنَا رَجُلَ اللهِ، فَلْتَنْزِلْ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ وَتَأْكُلْكَ أَنْتَ وَالْخَمْسِينَ الَّذِينَ لَكَ. فَنَزَلَتْ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ وَأَكَلَتْهُ هُوَ وَالْخَمْسِينَ الَّذِينَ لَهُ" (2مل 1: 10) وبلغ الأمر أخزيا، وكان يجب عليه أن يتعظ ويتراجع عن كبريائه، ولكنه تصلف وأرسل خمسين آخرين بقائدهم، في تحدٍ واضح وصريح لإله إيليا، وإذ كان القائد الثاني أشد صلفًا من القائد الأول لذلك أصدر أوامره: "يَا رَجُلَ اللهِ، هكَذَا يَقُولُ الْمَلِكُ أَسْرِعْ وَانْزِلْ" (2مل 1: 11) وانحدرت النار ثانية وأكلت الخمسين مع قائدهم، ولم يستوعب أخزيا الملك الدرس فأرسل للمرة الثالثة أيضًا خمسين من الجنود مع قائدهم، ولكن هذا القائد كان أحكم من الملك، فاقترب إلى إيليا بروح التواضع، وبالكلمة الحلوة نجح فيما فشل فيه زميليه السابقين.

          وجاء في هامش " الكتاب المقدَّس الدراسي": "كانت الشعوب الوثنية آنذاك تعتقد أنه يمكن إبطال القوة السحرية الكامنة في اللعنات، إما عن طريق إجبار من نطق باللعنة على أن يتراجع عن كلماته أو عن طريق قتله حتى تذهب اللعنة معه إلى العالم السفلي، ويبدو أن أخزيا كان يؤمن بهذا الاعتقاد ولذا حاول القبض على إيليا ليحاول إبطال إعلان موته على لسانه. يا رجل الله أن الملك يأمرك... حاول أخزيا أن يضع سلطة النبي تحت سلطة الملك وكان هذا تعديًا على طبيعة عهد الملكية لدى شعب إسرائيل، إذ كانت توضع فيه تصرفات الملك تحت فحص وسلطان كلمة الله التي يتحدث بها أنبياؤه (1صم 10: 25، 12: 23).. كان السؤال الحقيقي في هذا الموقف هو من هو المتسلط الحقيقي في مملكة إسرائيل فهل سيدرك أخزيا أن ملك إسرائيل البشري وصي بديل على العرش ويخضع لسلطان الرب، أم أنه سيمارس سلطته باستبداد، مثل الملوك الوثنيين؟ أعلن الرب نفسه من قبل على جبل الكرمل، وأكد على سلطان نبيه بإنزال نار من السماء (1مل 18: 38، 39) والآن يتم تأكيد هذا الإعلان السابق لأخزيا"(7).

 

3- يعلق " مار يعقوب السروجي " على تصرف أخزيا الملك الشرير قائلًا: "هذا القلب القاسي الذي يشبه إيزابل بأفعاله، أراد أن يحارب إيليا بخمسين رجلًا. كل المخلوقات ترتعد أمام (إيليا)، فكيف يغلبه الخمسون الذين أُرسلوا إليه؟. العلو والعمق يُرهبان هذا القوي، وابن إيزابل يهدد ليأتي به مثل ضعيف. دعا النار ونزلت حالما دعاها، واستجابت وأتت، كيف يغلبه القش لينزل معه..؟ شابه (أخزيا) أمه التي هددت أيضًا الجبار، وأرادت أن تقتل ذاك الذي كان الموت يخاف منه...

     لم يكن حرق الناس محبوبًا لدى إيليا، لأنه لم يكن يتحرك لهذا العمل إلاَّ بالروح. لا يفكر أحد بأنه غضب جسديًّا، وثار ثائرة، فعمل الحريق ليريح غضبه... أحرق المئة ليفيد أكثرية الشعب حتى يعيدهم من الوثنية بالآية التي صنعها. كان الوثنيون قساة، ومتمسكين بآلهتهم. ولم يكن يقدر أن يتكلم معهم إلاَّ بالنار... أضرم فيهم نارًا تنطفئ، حتى يبطل جهنم التي يرثها الوثنيون إلى الأبد. تحرك الرجل روحيًا وبحب عظيم، ليحي العالم المائت بالأصنام"(8).

 

4- بحسب تصوُّر الناقد أن نبيًا يملك هذه القوة الجبارة كان يمكنه أن يستولي على كل مقاليد الكرة الأرضية بمساعدة ناره تلك، وما لم يدركه الناقد:

أ  - أنه ليس من مقاصد الله أن يحكم إيليا الكرة الأرضية، إنما عمل إيليا الذي يرضي قلب الله هو الشهادة لإلهه الحي وسط عالم تاه في غياهب الوثنية.

ب - لم تنزل النار من السماء بقوة إيليا الشخصية، ولم يمشي إيليا على الأرض ينفث نارًا هنا وهناك، إنما هذه القوة مستمدة من الله، وتُستخدم وفق المشيئة الإلهيَّة، فلا يستخدمها إيليا بحسب هواه الشخصي، إنما يستخدمها فيما هو يشهد لإلهه فقط، وبهدف أن يعرف الجميع من هو الإله الحقيقي في عالم امتلأ بالآلهة الكثيرة.

 

5- كان إيليا إنسان تحت الآلام مثلنا، وفعلًا خشى إيزابل التي توعدته بالذبح، فهرب إلى أرض مصر، وإن كان البعض يعتبر الهروب نوعًا من الجبن، ولكن الهروب من الشر هو في الحقيقة عين الحكمة، فهروب إيليا حفظ حياته وأيضًا أشعره بضعفاته بعد تحقُّق انتصارات روحية عظيمة إذ أحدر نارًا من السماء لتأكل الذبيحة وذبح أنبياء البعل، وعادت السماء تعطي مطرًا على الأرض، والسيد المسيح ذاته هرب من وجه هيرودس إلى أرض مصر، ولذلك لا يجب علينا أن ندين نبيًا عظيمًا في قامة إيليا النبي، لأن حياة الإنسان لا يمكن أن تُقيَّم بموقف واحد، لأن لكل جوَّاد كبوة ولكل عالِم هفوة، فلا يصح أن نغض البصر عن شجاعة إيليا وزهده وتقشفه وعفافه وطهارته ومحبته وإخلاصه لإلهه، وتكريسه الكلي لله، وإحساسه أنه في حضرة الله دائمًا يقف، ثم ندينه على تصرف واحد تعرض فيه إيمانه للضعف، ويليق بنا هنا أن نتذكر قول السيد المسيح: "كَيْفَ تَقُولُ لأَخِيكَ دَعْني أُخْرِجِ الْقَذَى مِنْ عَيْنِكَ، وَهَا الْخَشَبَةُ فِي عَيْنِكَ؟ يَا مُرَائِي، أَخْرِجْ أَوَّلًا الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّدًا أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى مِنْ عَيْنِ أَخِيكَ" (مت 7: 4، 5).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 430.

(2) الغوامض المتعلقة بالمبادئ العمومية الأدبية الواردة في العهدين القديم والجديد جـ 1 ص 187.

(3) فيُرجى الرجوع إلى إجابة س 1301.

(4) التفسير التطبيقي ص 777.

(5) تفسير سفر ملوك الثاني ص 38.

(6) تفسير الكتاب المقدَّس - سفر الملوك الثاني ص 24.

(7) الكتاب المقدَّس الدراسي ص 858، 859.

(8) القمص تادرس يعقوب - تفسير سفر ملوك الثاني ص 36، 39.

(9) راجع دائرة المعارف الكتابية جـ2 ص 178.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1317.html

تقصير الرابط:
tak.la/b6c6sqp