يقول " ليوتاكسل": "يؤكد بعض العلماء على أن إيليا شخصية خيالية مختلفة، وأن التاريخ لم يعرف هذا النبي في أي زمان ومكان، ويؤكد الناقدون أيضًا، أنه إذا كان إيليا قد عاش فعلًا، فإن زمانه لم يعرف جزارًا متوحشًا مثله، فقد كان كهنة البعل شديدي الإيمان بإلههم، كما كان هو مُخلِصًا ليهواه، وكانوا مخلصين لإلههم وملكهم، ومن هنا كان قتلهم جريمة بشعة، وليس مفهومًا كيف سمح ملك إسرائيل لإيليا أن يقيم تلك المجزرة؟ ومن جهة أخرى كان على إيليا أن يفهم أن ظهور الصاعقة التي التهمت المحرقة بما فيها، من شأنه إرغام أنبياء البعل على إعادة النظر في إيمانهم بإلههم وتحولهم إلى الطريق القويم. ألم يكن يجدر به أن يهتم بتوبة الخاطئين بدلًا من أن يذبحهم"(1).
ج: 1- لماذا يدعي البعض (الذين يدعوهم ليوتاكسل علماء) بأن شخصية إيليا شخصية خيالية وأن التاريخ لم يعرف هذا النبي في أي زمان ومكان..؟ لا بُد أنهم قالوا هذا نظرًا لما صاحب إيليا من قوة خارقة إذ صنع معجزات عجيبة، وأُصعد إلى السموات في مركبة نارية، فإن اتخذنا هذا مقياسًا لكيما نحكم على الشخصية عما إذا كانت أسطورية أم أنها حقيقية، فلماذا لا نطبق نفس المقياس على اليشع النبي الذي صنع معجزات تبلغ ضعف ما صنع إيليا..؟! فهل اليشع أيضًا شخصية خيالية أسطورية..؟! ولماذا لا نطبق هذا المقياس أيضًا على الرسولين بطرس وبولس، ونصل لنفس النتيجة على أنهما شخصيتان أسطوريتان لم يكن لهما وجود على أرض الواقع..؟! وما بالك في السيد المسيح الذي صنع معجزات لم يصنعها أحد قط من البشر من ناحية الكم والقدرة... هل السيد المسيح شخصية خيالية أيضًا..؟! وهكذا إذا استرسلنا واستسلمنا لهذا الفكر الهدام فإننا سنفقد كل شيء... الطعن في شخصية إيليا الذي ذكره السيد المسيح ويعقوب الرسول في العهد الجديد، وجاء ذكره في القرآن على أنه النبي ياسين، يقودنا للطعن في كل الشخصيات التاريخية سواء الدينية أو غير الدينية، فلن يعد لنا يقين في كل التاريخ البشري... وأين كل هذا من فكر السيد المسيح له المجد عندما قال لتوما " لأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا آمَنْتَ... طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا" (يو 20: 29).
2- قاد أنبياء البعل الشعب بعيدًا عن الحق، ونشروا عباداتهم المرذولة، وقدموا الأطفال الأبرياء ذبائح بشرية لآلهتهم، وعملوا بالسحر والعرافة ومخاطبة الأرواح، ومزجوا عباداتهم بالدنس والنجاسة... لقد أضل هؤلاء الأنبياء شعب الله... فما هو حكم العدل الإلهي فيهم..؟ لقد كان حكم الشريعة الإلهيَّة واضحًا وصريحًا: "وَأَمَّا النَّبِيُّ الَّذِي يُطْغِي، فَيَتَكَلَّمُ بِاسْمِي كَلاَمًا لَمْ أُوصِهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، أَوِ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِاسْمِ آلِهَةٍ أُخْرَى، فَيَمُوتُ ذلِكَ النَّبِيُّ" (تث 18: 20).. " مَنْ ذَبَحَ لآلِهَةٍ غَيْرِ الرَّبِّ وَحْدَهُ يُهْلَكُ" (خر 22: 20) فما بالك بالذين لم يذبحوا لهذه الآلهة مجرد حيوانات بل قدموا ذبائح بشرية؟! قدموا الطفل الذي هو صورة الله على مذبح الشيطان..!! ولهذا سبق الله وأنذر شعبه قائلًا: "إِذَا أَغْوَاكَ سِرًّا أَخُوكَ ابْنُ أُمِّكَ، أَوِ ابْنُكَ أَوِ ابْنَتُكَ أَوِ امْرَأَةُ حِضْنِكَ، أَوْ صَاحِبُكَ الَّذِي مِثْلُ نَفْسِكَ قَائِلا: نَذْهَبُ وَنَعْبُدُ آلِهَةً أُخْرَى لَمْ تَعْرِفْهَا أَنْتَ وَلاَ آبَاؤُكَ... فَلاَ تَرْضَ مِنْهُ وَلاَ تَسْمَعْ لَهُ وَلاَ تُشْفِقْ عَيْنُكَ عَلَيْهِ، وَلاَ تَرِقَّ لَهُ وَلاَ تَسْتُرْهُ، بَلْ قَتْلًا تَقْتُلُهُ" (تث 13: 6 - 9) بل لو سكان مدينة ضلوا وحاولوا إضلال الشعب فالحكم الإلهي عليهم بالهلاك: "إِنْ سَمِعْتَ عَنْ إِحْدَى مُدُنِكَ... قَدْ خَرَجَ أُنَاسٌ بَنُو لَئِيمٍ مِنْ وَسَطِكَ وَطَوَّحُوا سُكَّانَ مَدِينَتِهِمْ قَائِلِينَ: نَذْهَبُ وَنَعْبُدُ آلِهَةً أُخْرَى لَمْ تَعْرِفُوهَا. وَفَحَصْتَ وَفَتَّشْتَ وَسَأَلْتَ جَيِّدًا وَإِذَا الأَمْرُ صَحِيحٌ وَأَكِيدٌ... فَضَرْبًا تَضْرِبُ سُكَّانَ تِلْكَ الْمَدِينَةِ بِحَدِّ السَّيْفِ، وَتُحَرِّمُهَا بِكُلِّ مَا فِيهَا مَعَ بَهَائِمِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. تَجْمَعُ كُلَّ أَمْتِعَتِهَا إِلَى وَسَطِ سَاحَتِهَا، وَتُحْرِقُ بِالنَّارِ... فَتَكُونُ تَلاُ إِلَى الأَبدِ لاَ تُبْنَى بَعْدُ" (تث 13: 12 - 16).
أن الذي أصدر الحكم على هؤلاء الأنبياء المُضلّين هو الله العادل عدلًا مطلقًا العارف ببواطن الأمور، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وإيليا لم يكن إلاَّ الأداة التي نفذت العقوبة الإلهية، مثله مثل يشوع الذي كان يمثل سيف العدل الإلهي... وهل الذي يتصدى للشر ويزيله عن وجه الأرض يُتهم بأن متوحش..؟! وهل القاضي الذي يحكم على العصابات الإجرامية هو إنسان متوحش..؟! حقًا أن الناقد يسلط الكاميرا على موقع القصاص، ويصرفها تمامًا عن موقع الجريمة... ولماذا لم يسأل الناقد نفسه: لماذا ذبح إيليا النبي القديس الطاهر المتعفف هؤلاء الأنبياء بالذات..؟! لو كان متوحشًا لماذا لم يسفك الدماء بلا حساب..؟! ولو أخفق إيليا في مهمته، هل كان هؤلاء الأنبياء سيرحمونه؟! وهل أخآب كان سيدافع عنه أم أنه أول من يسعى لقتله، لأن العقد شريعة المتعاقدين..؟! أن إيليا لم يذبح هؤلاء، إنما أعطى أوامره للشعب الذي خُدع سنين طويلة فذبحهم، ولئلا يدنس إيليا الجبل بدمائهم نزل بهم إلى نهر قيشون الذي ينبع من سهل يزرعيل إلى السفح الشرقي للكرمل ويصب في البحر المتوسط، حتى إذا ما انهمر المطر يغسل هذه الدماء ويسوقها إلى بحر هذا العالم.
3- يتساءل ليوتاكسل: لماذا سمح ملك إسرائيل بهذه المجزرة..؟ سمح ملك إسرائيل بهذه المجزرة لأسباب عديدة مثل:
أ - أن هؤلاء الكهنة الذين تمادوا في غيهم قبلوا هذا التحدي الذي وضعه أمامهم إيليا، وقد فشلوا فيه فشلًا ذريعًا.
ب - كل ما كان يهم أخآب أن يعود المطر للأرض ليعطي حياة له ولجيشه ولشعبه فلا يهلكون، فعندما وُضِع في اختيار بين المطر وكهنة البعل، اختار المطر وهو مستريح البال.
جـ- شعر أخآب كم أضلَّ هؤلاء الأنبياء الكذبة الشعب، إذ لا يوجد إله باسم بعل ولا زوجة لهم باسم عشتاروث، إنما كانت القصة كلها أوهام وخيالات وهلاوس.
د - كان من المفروض أن أخآب هو الذي ينفذ حكم الشريعة، لأن الملك هو المنوط به تطبيق أحكام الشريعة.
هـ- لو فكر أخآب في التصدي لإيليا وحماية أنبياء البعل... هل الجموع التي التهبت مشاعرها بهذه المعجزة النارية، كانت ستصمت..؟! حتمًا لها، لا بُد أنها كانت ستعلنها ثورة شعواء على أخآب وأنبياء البعل معًا، ويقتلون ليس أنبياء البعل فقط بل والملك أخآب أيضًا.
4- يتساءل ليوتاكسل: لماذا لم يمنح إيليا فرصة جديدة لأنبياء البعل لكيما يعودوا إلى رشدهم ويصلحوا طريقهم..؟ لقد أخطأ هؤلاء الأنبياء أخطاء شنيعة إذ ضلُّوا عن طريق الحق وأضلُّوا شعب الله، وكم أطال الله أناته عليهم لمدة ثلاث سنوات، ولم يفكروا في تغيير مسلكهم، بل علَّقوا الشعب أكثر ببعل، ولم يكن هناك احتمال لعودتهم إلى جادة الصواب، فالجفاف والمجاعة لم تفلح في إيقاظ ضمائرهم. لقد تقست قلوبهم قساوة قلب فرعون، فمنح فرصة جديدة لهم ستمكنهم من الإفلات والهرب من العقوبة الإلهيَّة، وهل هناك فرصة لهؤلاء الأنبياء الكذبة للتوبة مادامت إيزابل الحيَّة ملكة الشر على قيد الحياة تنفث فيهم من سمومها وتستمد قوتها من تواجدهم حولها؟!! وهل عندما يصل المجرم إلى حبل المشنقة يحتج أحد: لماذا لا يُمنَح فرصة جديدة..؟! أن هذا مدعاة للتسيب والفوضى وانتشار الشر والفساد، فكل فاسد ومجرم يؤمّل نفسه بأنه في اللحظة التي سيقف فيها أمام العدالة سيحصل على فرصة جديدة، بل أن بني إسرائيل بعد أن شاهدوا معجزة نزول نار من السماء والتهام الذبيحة وهطول الأمطار وإنبات الأرض وعودة الحصاد والثمار، للأسف الشديد سريعًا ما ارتدوا إلى عبادة بعل وعشتاروت.
_____
(1) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 419.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1301.html
تقصير الرابط:
tak.la/wry4j32