يقول " ليوتاكسل": "وقصة هذا الملك الموجزة
تناقض تمامًا ما عُرِض قبلها. ونحن لن نغوص إلى عمق تشوش ذهن
المؤلف " المقدَّس " لنسجل ما لقَّنه إياه " ذَكَر الحمام " الكذاب
الدولي، فقد كانت التوراة أخبرتنا بأن هدد هذا كان طفلًا عندما
أباد " الجنرال " يوآب كبير ضباط داود وقائد جيوشه، رجال أدوم عن
آخرهم، ولكن هذا الصغير نجا وهرب إلى مصر مع بعض عبيد والده. فقدم
له فرعون الملجأ ومنحه صداقته وأهداه بيتًا وزوَّجه أخت زوجته. ومن
الجدير ذكره أن التوراة لم تسمّ أي فرعون مصري باسمه حتى الآن.
ولكنها تنقل لنا اسم هذه الأميرة المصرية، أنها تحفنيس أخت الملكة،
وهل علينا أن نؤكد مرة أخرى أن أحدًا من المؤرخين لم ينطق بكلمة
واحدة عن هذه الأميرة... (ويفترض ليوتاكسل أن
سليمان
الذي ملك
أربعين سنة أنه ضل في العشرة سنين الأخيرة، فهل) " هدد"، سوط
الرب، وعديل فرعون بقى طيلة ثلاثين عامًا لا يسمع شيئًا عن وفاة
داود واعتلاء
سليمان
العرش؟ وهذا غير ممكن قط، لأن
سليمان
كان قد
تزوج ابنة فرعون مصر بعد تسلمه السلطة بقليل، وهذه الأخيرة كانت
قريبة هدد بالمصاهرة، أو أن هدد حمل سيفه وأعمله في رقاب
الإسرائيليين بعد فترة وجيزة من استواء
سليمان
على العرش؟ غير أن
هذا يعني أن
سليمان
بدأ يؤدي ضرائب آثامه قبل ثلاثين عامًا من ارتكابه لها... أي أن الملك الحكيم المؤمن
بيهوه
إيمانًا مطلقًا لم يحد عنه في أيام شبابه، فقد عُوقب في ذلك الزمن
النقي على إثم سيقترفه في شيخوخته"(1).
ج:
استولى داود على مملكة آدوم " وَجَعَلَ فِي أَدُومَ
مُحَافِظِينَ. وَضَعَ مُحَافِظِينَ فِي أَدُومَ كُلِّهَا.
وَكَانَ جَمِيعُ الأَدُومِيِّينَ عَبِيدًا لِدَاوُدَ"
(2صم 8: 14) ويوآب رئيس جيش داود " ضَرَبَ كُلَّ ذَكَرٍ
فِي أَدُومَ" (1مل 11: 15) أي أنه أباد معظم رجال
الحرب الأدوميين، ولم يبد جميع الذكور في أدوم، وإلاَّ تحوَّل
المجتمع كله إلى فتيات وأرامل وأمهات ثكلى يحتجن لمن يعولهن. وبينما كان يوآب ورجاله منشغلون بدفن القتلى هرب بعض الأدوميين
و"
أَنَّ هَدَدَ هَرَبَ هُوَ وَرِجَالٌ أَدُومِيُّونَ مِنْ
عَبِيدِ أَبِيهِ مَعَهُ لِيَأْتُوا مِصْرَ. وَكَانَ هَدَدُ
غُلاَمًا صَغِيرًا. وَقَامُوا مِنْ مِدْيَانَ وَأَتَوْا إِلَى
فَارَانَ، وَأَخَذُوا مَعَهُمْ رِجَالًا مِنْ فَارَانَ وَأَتَوْا
إِلَى مِصْرَ، إِلَى فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ، فَأَعْطَاهُ
بَيْتًا وَعَيَّنَ لَهُ طَعَامًا وَأَعْطَاهُ أَرْضًا. فَوَجَدَ
هَدَدُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْ فِرْعَوْنَ جِدًّا، وَزَوَّجَهُ
أُخْتَ امْرَأَتِهِ، أُخْتَ تَحْفَنِيسَ الْمَلِكَةِ. فَوَلَدَتْ
لَهُ أُخْتُ تَحْفَنِيسَ جَنُوبَثَ ابْنَهُ، وَفَطَمَتْهُ
تَحْفَنِيسُ فِي وَسَطِ بَيْتِ فِرْعَوْنَ. وَكَانَ جَنُوبَثُ فِي
بَيْتِ فِرْعَوْنَ بَيْنَ بَنِي فِرْعَوْنَ. فَسَمِعَ هَدَدُ فِي
مِصْرَ بِأَنَّ دَاوُدَ قَدِ اضْطَجَعَ مَعَ آبَائِه، وَبِأَنَّ
يُوآبَ رَئِيسَ الْجَيْشِ قَدْ مَاتَ. فَقَالَ هَدَدُ
لِفِرْعَوْنَ: أَطْلِقْنِي إِلَى أَرْضِي." (1مل 11: 17
- 21).
1- نحن نثق في كتابنا المقدَّس ثقة تامة، فكل ما جاء فيه هو حق
بعيد تمامًا عن الباطل والأوهام والخرافات والأساطير، والتشكيك في
جزئية في
الكتاب المقدَّس
يفسد إيماننا في مفهوم الوحي والعصمة.
2- واضح تمامًا أن القصة حقيقية، فهدد أمير أدومي " كَانَ
مِنْ نَسْلِ الْمَلِكِ فِي أَدُومَ" (1مل 11: 14) ولأن
يوآب أباد عدد كبير من رجال أدوم لذلك هرب إلى مصر واستجار بفرعون
فأجاره، كما
ذكرنا أيضًا هنا في
موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.
وهذه شيمة العظماء من جانب، ومن جانب آخر أن مصر لم تكن
على علاقة وثيقة
بإسرائيل
أيام داود، مثلما كانت العلاقات فيما
مع
سليمان، فاحتفظ فرعون بهذا الهارب السائر ليكون شوكة في جنب
إسرائيل، متى
استدعى الموقف هذا.
3- جاء في القصة اسم " هدد " ونسبه ومكان إقامته، وكذلك
اسم "تحفنيس" أخت زوجة فرعون، و"جنويت" اسم ابن هدد، وكل من
اسم "تحفنيس" و"جنويت" اسم مصري قديم، وكانت هناك مدينة مصرية
قديمة باسم "تحفنيس". وعدم ذكر اسم فرعون لا يعني أن القصة
وهمية، وقد تعودنا على هذا كثيرًا، فلم يذكر الكتاب اسم فرعون
الذي عاصر
يوسف
ولا اسم فرعون الاضطهاد ولا اسم فرعون الخروج، ومع
ذلك فإن أحدًا لا يشكك في مصداقية
قصة
بني إسرائيل ونزولهم إلى مصر
وخروجهم منها.
4- لا تتعارض هذه القصة مع ما جاء قبلها كقول ليوتاكسل، بل هي
مرتبطة بما في من قبل في (2صم 8: 14) وما جاء بعدها أيضًا
بما جاء في (1أي 18: 12، 13).
5- عندما هرب هدد إلى مصر لم يكن
طفلًا كقول
ليوتاكسل، بل يقول الكتاب: "كَانَ هَدَدُ غُلاَمًا
صَغِيرًا" أي في نحو الثانية عشر من عمره، وعندما بلغ
عمره سن الزواج تزوج وأنجب جنويث، وعندما مات داود، وحكم
سليمان
على يوآب بالموت، واطمأن أن الخطر قد زال، اشتاق للعودة إلى
وطنه، فاستأذن
من
فرعون
قائلًا: "أَطْلِقْنِي إِلَى أَرْضِي" (1مل 11:
21) ومن
محبة
فرعون لهدد وتمسكه به " فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ: مَاذَا أَعْوَزَكَ عِنْدِي حَتَّى إِنَّكَ تَطْلُبُ الذَّهَابَ
إِلَى أَرْضِكَ؟ فَقَالَ: لاَ شَيْءَ، وَإِنَّمَا أَطْلِقْنِي"
(1مل 11: 22) فأذن له بالعودة، وعاد الأمير الهارب إلى وطنه، ولم يعمل هدد سيفه في رقاب
بني
إسرائيل، إنما صار مصدر تهديد
وقلق
لسليمان
ومملكته، ولا بد أنه أثار شعبه الأدومي فتوقف عن دفع
الجزية
لسليمان
كما كان من قبل، وجاء زواج
سليمان
من ابنة فرعون
بينما كان هدد الأدومي يناوش
بني
إسرائيل، وبعد هذا بسنوات عندما
ضل
سليمان
وعبد الأوثان سمح الله بأن هدد يتحرك بصورة أكبر ضد
سليمان، وهذا ما
أوضحه الكتاب "
وَأَقَامَ الرَّبُّ خَصْمًا
لِسُلَيْمَانَ: هَدَدَ الأَدُومِيَّ"
(1مل 11: 14) فهدد لم يتحرك ضد
سليمان
وشعبه قبل أن يضل
سليمان،
ولم يؤدي
سليمان
ضرائب آثامه قبل ارتكابها بثلاثين عامًا كقول
الناقد.
_____
(1)
التوراة كتاب
مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 388، 389.
الحواشي والمراجع
لهذه الصفحة هنا في
موقع الأنبا تكلاهيمانوت:
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1275.html
تقصير الرابط:
tak.la/z9zc5kj