يقول " ليوتاكسل":
"لنفرض الآن أن ضلال
سليمان
وميله إلى الوثنية استمر عشر سنوات... إذًا كان ابن داود يقيم سبعين
عرسًا في كل عام، أي كان يفض بكارة أميرة واحدة كل خمسة أيام، فما
رأي قارئي الكريم في بلاد تعيش عشرة أعوام وهي تقيم عرسًا لملكها
كل خمسة أيام؟"(1).
كما يقول " لوتاكسل " أيضًا:
"من المعروف أن
الإله التوراتي لم يكن يعترض على كثرة الزوجات عند كثير من بطاركته
وأنبيائه. وكي لا نذهب بعيدًا نذكر بأن داود أستخدم هذا التسامح
الإلهي استخدامًا واسعًا. ولكن
سليمان
أساء استخدامه. ألف امرأة
يا مفتري! وقد أحبهنَّ جميعًا... قدمت التوراة لنا الإله اليهودي
في ذروة غضبه. وكانت نتيجة ذلك الغضب هو ظهوره
لسليمان
مرة ثالثة، وجاء ظهوره في هذه المرة حسَّيًا وليس في الحلم. وجه
يهوه
لسليمان
اتهامات قاسية، فوصفه بأنه تحوَّل إلى مجرد أحمق، غير
أنه لم يسلبه الحكمة، قصارى القول أن
سليمان
تلقى دشًا من الكلمات
المقذعة " فَقَالَ الرَّبُّ
لِسُلَيْمَانَ: مِنْ أَجْلِ
أَنَّ ذلِكَ عِنْدَكَ، وَلَمْ تَحْفَظْ عَهْدِي وَفَرَائِضِيَ
الَّتِي أَوْصَيْتُكَ بِهَا، فَإِنِّي أُمَزِّقُ الْمَمْلَكَةَ
عَنْكَ تَمْزِيقًا وَأُعْطِيهَا لِعَبْدِكَ" (1مل 11: 11) ويبدو أن العجوز
يهوه
في اللحظة ذاتها
(قال) {إلاَّ إني
لا أفعل ذلك في أيامك إكرامًا لداود أبيك بل من ابنك أُمزقها}.
لاحظوا
بالله عليكم، أن ابن
سليمان
المقصود هنا هو رحبعام، ولم يكن هذا
الشاب قد أقترف أي إثم يستحق عليه العقاب، فلما يُؤخذ بعهر أبيه
وزناه؟ فلو استوى رحبعام على العرش وسار على خطى أبيه في الإثم
لاستحق العقاب، ولكن العجوز الخرف أراد لسبب لا يعرفه سواه، أن
يسدد الابن حساب أبيه. فهل كان الرب تخلى عن الحكمة كلها
لسليمان..؟"(2).
ويقول " شفيق مقار " تعليقًا على وضع رمانات للزخرفة:
"ومن غير المتصوَّر ألا يكون
يهوه
رأى ذلك الرمان الذي زين به
سليمان
معبده، وفهم مغزاه، فأدرك أنه رمان "حدَّاد" منافسه.
والذي يبدو من كل هذا أن
يهوه
كان براجماتيكيًا ككل كهنة وكتبة
العهد القديم، فقبل الهدية من
سليمان، وغض طرفًا عن حكاية الرمان،
وحتى عندما تمادى
سليمان
" فذهب وراء عشتروت (وهي عنات زوجة
حدَّاد وأخته) الملقَّبة بـ"ملكة السماء " لم ينزل عليه
يهوه
بثقله... (1مل 11: 11 - 13) وواضح طبعًا أن هذا الكلام كله كُتب بعد
الانقسام إلى "مملكتي" يهوذا وإسرائيل، وأن الكهنة المؤرخين
كتبوه باعتبار أن
يهوه
لا بُد أنه ظهر
لسليمان
وقال له هذا الكلام،
والذي يهمنا على أية حال أن
يهوه
ذاته -من واقع حُكى الكهنة هذا-
لم يشتعل غضبًا لإدماج ديانة حدَّاد / بعل صفون في عبادته، بل
تقبلها بوصفها ضرورة سياسية براجماتيكية، ولا يجب أن ننسى أن كتبة
الحكايات " والتواريخ " عندما قالوا أن " الرب ملك " قالوا ذلك
بمعناه الحرفي باعتبار أن
يهوه
بات حقيقة وواقعًا لا مجازًا غيبيًا، ملكًا على " الشعب " واشتغل -
بجانب السياسات السماوية - بالسياسات الأرضية، كأي رجل دولة ورجل
حرب أخذ على عاتقه قيادة " الشعب " صوب تحقيق طموحات المؤلفين
الإقليمية"(3).
ج: 1- كانت أيام
سليمان أيام سلام ورخاء وفرح، فربما أقام
سليمان
أفراحًا احتفالًا بزيجاته السبعمائة، وقد تكون هذه الاحتفالات
كانت قاصرة على مظاهر بسيطة في القصر الملكي ولاسيما لتكرار هذا
الموضوع مئات المرات، فلا أحد يتصوَّر أن المملكة بطولها وعرضها
ستنشغل بزواج الملك للمرة المائة أو الخمسمائة، وأن هذه الزيجات
لم تكن جميعها في السنين العشرة من مُلك
سليمان بل بدأت مبكرًا منذ
حداثته، وبذلك يظهر بطلان حسابات ليوتاكسل الذي تصوَّر أن
سليمان
كان يقيم عرسًا كل خمسة أيام لأنه تزوج بألف امرأة في عشر سنوات. ومن البديهي أن السرايا لا تُقام لهن أفراح.
2- الله قدوس وبار لا يهادن الخطية، ولكنه يتراءف على الإنسان
الخاطئ المقهور من خطاياه، والمأسور من عدو الخير، ولم يتهاون
الله مع خطايا
سليمان، ولكنه عندما أخطأ وعمل الشر في عيني الرب
أدَّبه الرب، إذ " أَقَامَ الرَّبُّ
لِسُلَيْمَانَ... وَأَقَامَ اللهُ لَهُ خَصْمًا آخَر: رَزُونَ بْنَ أَلِيدَاعَ
وَيَرُبْعَامُ بْنُ نَابَاطَ" (1مل 11: 14، 23، 26).
3- لم يشق الله المملكة عن
سليمان
لسببين، أحدهما هو محبة وإخلاص
داود، فأكرم الله
سليمان
من أجل استقامة
داود أبيه، وهذا ما أوضحه
الكتاب: "فَقَالَ الرَّبُّ
لِسُلَيْمَانَ: مِنْ أَجْلِ أَنَّ
ذلِكَ عِنْدَكَ، وَلَمْ تَحْفَظْ عَهْدِي وَفَرَائِضِيَ الَّتِي
أَوْصَيْتُكَ بِهَا، فَإِنِّي أُمَزِّقُ الْمَمْلَكَةَ عَنْكَ
تَمْزِيقًا وَأُعْطِيهَا لِعَبْدِكَ. إِلاَّ إِنِّي لاَ أَفْعَلُ
ذلِكَ فِي أَيَّامِكَ، مِنْ أَجْلِ دَاوُدَ أَبِيكَ، بَلْ مِنْ
يَدِ ابْنِكَ أُمَزِّقُهَ" (1مل 11:
11، 12) فداود له دالة ومكانة عند الله، ومن أجله أكرم الله
ابنه إذ لم يسمح بشق المملكة في حياته، وأيضًا بعد انشقاق المملكة
سمح الله أن يحتفظ رحبعام بسبطي يهوذا وبنيامين، ورغم أنهما سبطين
إلاَّ أن الكتاب دعاهما سبط واحد باعتبار أن السبط الكبير الظاهر
هو سبط يهوذا، أما سبط بنيامين فهو سبط صغير ولاسيما بعد أن
تعرَّض للانقراض في عهد القضاة فلم يتبقَ منه سوى ستمائة رجل،
ولهذا ذاب سبط بنيامين مع سبط يهوذا، فدُعيت المملكة الجنوبية
بمملكة يهوذا.
أما السبب الثاني الذي جعل الله يؤجل
العقوبة التي يستحقها
سليمان
إلى ابنه رحبعام، أن الله بسابق علمه
يعلم أن
سليمان
مزمع أن يُقدم توبة قوية من جانب، كما
ذكرنا أيضًا هنا في
موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.
وأن رحبعام سيسلك
في الشر من جانب آخر، وقال الله: "لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلهَكَ... أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ فِي الْجِيلِ
الثَّالِثِ وَالرَّابعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ"
(خر 20: 5) ولأن رحبعام لم يحيا حياة الأمانة والاستقامة، ولم
يستمع لمشورة الشيوخ الحسنة، وأعجب بمشورة الأحداث المملوءة غرورًا
وكبرياءً وتصلفًا لذلك سمح الله أن يؤجل انشقاق المملكة إلى عصره،
وانشقاق المملكة هي عقوبة زمنية وليست أبدية. أما ما يتعلق بشأن
العقوبات الأبدية فالله لا يُحمّل عقوبة إنسان لإنسان آخر، وما حدث
مع
سليمان
هذا ليس أمرًا فريدًا، بل حدث فيما بعد إذ كان الله
مزمعًا أن يعاقب أخآب، وهو ملك شرير، على خطاياه الكثيرة ولاسيما
قتل نابوت اليزرعيلي واغتصاب حقله، ولكن عندما قدم أخآب توبة واتضع
وانسحق قال الله لإيليا: "هَلْ رَأَيْتَ كَيْفَ
اتَّضَعَ أخآب أَمَامِي؟ فَمِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدِ اتَّضَعَ
أَمَامِي لاَ أَجْلِبُ الشَّرَّ فِي أَيَّامِهِ، بَلْ فِي
أَيَّامِ ابْنِهِ أَجْلِبُ الشَّرَّ عَلَى بَيْتِهِ" (1مل 21: 29).
4- يقول " القمص تادرس يعقوب": "الله الطويل الأناة
هدَّد
سليمان
بالتأديب، لكنه سمح بتأجيل التأديب إلى أيام ابنه
رحبعام الذي يتولى العرش من بعده، وقد جاء التأديب هكذا:
تم تأجيل التأديب من أجل
داود أبيه. بهذا يعطي الرب
لسليمان
الفرصة لكي يتوب، ويصلح ما قد أفسده. فإن كان من أجل داود البار
لم يسمح بانشقاق المملكة في أيام ابنه
سليمان، كان يليق
بسليمان
أن يرجع إلى الحياة التقوية ليُقدم بركة لنسله.
يتم الانشقاق في أيام رحبعام، وهو ابن
لسليمان
من إحدى النساء
الغريبات الجنس، إذ كانت عمونية (1مل 14: 31) وغالبًا كان لها
دور هام في بعث الوثنية في
إسرائيل.
لم يسحب المملكة بكاملها بل ترك لابنه سبطًا واحدًا ليُعطي رجاء
لملوك يهوذا أن يرجعوا إلى الرب بكامل قوتهم، فيرد الله لهم
الأسباط كاملة.
يؤكد الله بتأديبه
لسليمان
أنه لا ينتقم لنفسه، إنما يفتح باب
الرجاء للتوبة، لذا لم يرفضه تمامًا. تحقَّق فيه قول الرب لداود
أبيه: "إِنْ تَعَوَّجَ أُؤَدِّبْهُ بِقَضِيبِ النَّاسِ
وَبِضَرَبَاتِ بَنِي آدَمَ. وَلكِنَّ رَحْمَتِي لاَ تُنْزَعُ
مِنْهُ"
(2صم 7: 14، 15).
واضح أن هذا الإنذار كان كان له فاعليته في حياة
سليمان،
إذ نراه يُقدم توبة في سفر الجامعة حيث يُعلن عن حزنه الشديد على
غباوته وجنونه، وطلب من المؤمنين أن يحذروا الشر، ويخافوا الرب
ويحفظوا وصاياه"(4).
5- تطاول ليوتاكسل وتجديفه على الذات الإلهيَّة، ووصفه لله
بالعجوز الخرِف، وأنه قد تخلى عن حكمته
لسليمان، فإن مثل هذه
الأصوات النشاذ لا تزعجنا، لأننا نوقن أن هذا هو صوت الشيطان الذي
ينطق بفم ليوتاكسل. أما نحن فإننا نقدم كل مجد وإكرام وتقديس
للثالوث القدوس إلهنا.
6- أقام
سليمان
الهيكل بحسب التصوُّر الذي سلمه إياه أبيه
داود النبي، وأحضر
سليمان
حيرام الذي " كَانَ مُمْتَلِئًا
حِكْمَةً وَفَهْمًا وَمَعْرِفَةً لِعَمَلِ كُلِّ عَمَل فِي
النُّحَاسِ. فَأَتَى إِلَى
الْمَلِكِ سُلَيْمَانَ وَعَمِلَ كُلَّ
عَمَلِهِ. وَصَوَّرَ الْعَمُودَيْنِ مِنْ نُحَاسٍ... وَعَمِلَ
تَاجَيْنِ لِيَضَعَهُمَا عَلَى رَأْسَيِ الْعَمُودَيْنِ مِنْ
نُحَاسٍ مَسْبُوكٍ... وَعَمِلَ لِلْعَمُودَيْنِ صَفَّيْنِ مِنَ
الرُّمَّانِ فِي مُسْتَدِيرِهِمَا عَلَى الشَّبَكَةِ الْوَاحِدَةِ
لِتَغْطِيَةِ التَّاجِ الَّذِي عَلَى رَأْسِ الْعَمُودِ، وَهكَذَا
عَمِلَ لِلتَّاجِ الآخَرِ"
(1مل 7: 14 - 18) والرمان رمز للأثمار الكثيرة، كما أن أشكال
الرمان والقثاء وغيرها هي أشكال جمالية فنية رائعة، كان القصد منها
زخرفة وجمال وروعة هيكل رب الصباؤوت، والذي عمل هذه الزخارف حيرام
الذي كان ممتلئًا حكمة وفهمًا ومعرفة، فكل قصد
سليمان
وكل هدف حيرام هو تجميل الهيكل، ولم يكن قصد
سليمان
قط عبادة الإله حداد
والإله بعل صفون..؟ لماذا..؟ لأن
سليمان
عندما بنى الهيكل كان يعيش
حياة الاستقامة والأمانة لله، كقول الكتاب: "وَأَحَبَّ
سُلَيْمَانُ الرَّبَّ سَائِرًا فِي فَرَائِضِ دَاوُدَ
أَبِيهِ"
(1مل 3: 3) ولم يسقط
سليمان
في عبادة الآلهة الغريبة إلاَّ في
شيخوخته كقول الكتاب: "وَكَانَ فِي زَمَانِ شَيْخُوخَةِ
سُلَيْمَانَ أَنَّ نِسَاءَهُ أَمَلْنَ قَلْبَهُ وَرَاءَ آلِهَةٍ
أُخْرَى" (1مل 11: 4).
_____
الحواشي والمراجع
لهذه الصفحة هنا في
موقع الأنبا تكلاهيمانوت:
(1) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 391.
(2) المرجع السابق ص 386 - 388.
(3) قراءة سياسية للتوراة ص 279.
(4) تفسير سفر ملوك الأول ص 258، 259.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1274.html
تقصير الرابط:
tak.la/4ggd7x4