يقول " ليوتاكسل": "غني عن القول أن التفاصيل الواردة في هذه الفصول الأربعة تتسم بالمبالغة، ولن يلبث هذا الوصف الإلهي أن يتلاشى كالثلج تحت أشعة الشمس إذا ما خضع لنقد يتمتع بهذا القدر من الجدية أو ذاك. لقد عمل في بناء المعبد 183300 عامل، ماعدا الحجَّارين والعمال الآخرين الذين يظهرون فيما بعد. وطول المعبد ليس أكثر من 5ر31م، وعرضه 5ر10م. وقد صرف هؤلاء البناؤون سبع سنوات على بناء مؤلف من ثلاثة غرف ويشغل مساحة لا تزيد على 325 م أنها أرقام تجعلنا نصاب بالذهول إذا ما كانت لدينا فكرة بدائية جدًا عن أعمال البناء. فهل كان عمال سليمان كسالى إلى هذا الحد"(1).
ويقول "دكتور سيد القمني": ".. الملحوظة الثانية تتعلق بمنشآت (سليمان) التي تأكد أنه قد قام بها فنيون متخصصون، أرسلهم (حيرام) ملك صور وصيدا لسليمان، إضافة إلى المهندسين المصريين والرافديين... أما الدكتور (شلبي) فهو كعادته يلجأ إلى (ويلز) يستنطقه فيقول {إننا لو استخرجنا من قصة التوراة أطوال معبد سليمان، لوجدنا أنه بالإمكان وضعه داخل كنيسة صغيرة من كنائس الضواحي}(2)..
والملحوظة الثالثة هي حول كمية الأحجار الكريمة، والذهب التي استخدمها سليمان في بناء منشآته ودلالة على عظمة الملك، تلك العظمة التي أدت به لردم أسس المنشآت بالأحجار الكريمة، وجعلت الفضة في أورشليم كالحجارة، والتي يعقب عليها " موسكاتي " بالقول {أن الزيادة العظيمة في سعة البلاط وفخامته... اضطرت سليمان إلى إقامة نظام ضرائب، ألقى على شعبه عبئًا ثقيلًا... فكانت البلاد رغم الرخاء، تسير نحو أزمة اقتصادية} (الحضارات السامية القديمة ص 144) وفي رأينا أن أبرز الأدلة على تفاقم هذه الأزمة واحتدادها، هو ما جاء في سفر الملوك الأول عن أسلوب سداد (سليمان) لديونه... فيقول... أعطى حينئذ الملك حيرام عشرين مدينة في أرض الجليل (1مل 9) هذا بينما جعل (حيرام) من مملكة (سليمان) أرضًا مستباحة لجيوشه ومعبرًا له إلى البحر الأحمر... ولم يأتِ عام 923 ق.م. حتى انقسمت مملكة سليمان على نفسها"(3).
ج: 1- قال الكتاب أن سليمان سخَّر من شعبه ثلاثين ألف رجل للعمل في بناء بيت الرب، فكان يرسل منهم عشرة آلاف رجل إلى لبنان للعمل لمدة شهر، ثم يعودون إلى بيوتهم لمدة شهرين. وهكذا دواليك، بينما سخَّر من الأسرى مائة وخمسين ألفًا منهم سبعين ألفًا يعملون كحمَّالين، وثمانين ألفًا يقطعون الأشجار، وأيضًا يقطعون الأحجار ويصقلونها لتصبح ناعمة الأوجه مستقيمة الزوايا بالمقاييس المطلوبة، وكان يشرف على كل هؤلاء 3300 وكيل، فيكون إجمالي العاملين في المشروع:
10000 (يعملون بالتبادل) + 70000 حمَّال + 80000 قاطع + 3300 وكيل = 163300 وليس 183300 كقول الكاتب، وكان هذا العدد الضخم يعمل في تحضير الأحجار والأخشاب اللازمة لبناء الهيكل والرواق الذي أمام الهيكل، والمبنى المحيط بالهيكل من ثلاث جوانب، ويشمل ثلاثة طوابق (1مل 6: 2 - 8) وأيضًا بيت سليمان، وبيت وعر لبنان وقصر ابنة فرعون (1مل 7: 10 - 12).
كانت الحجارة تُقطع وتشذَّب بمواصفات معينة حتى أن الكتاب وصفها بأنها " حِجَارَةً كَبِيرَةً، حِجَارَةً كَرِيمَةً لِتَأْسِيسِ الْبَيْتِ، حِجَارَة مُرَبَّعَةً" (1مل 5: 17) فهي حجارة كريمة ثمينة من جهة الجهد الذي تحتاجه في القطع والصقل، لأن معولًا لم يستخدم في أماكن البناء " وَالْبَيْتُ فِي بِنَائِهِ بُنِيَ بِحِجَارَةٍ صَحِيحَةٍ مُقْتَلَعَةٍ، وَلَمْ يُسْمَعْ فِي الْبَيْتِ عِنْدَ بِنَائِهِ مِنْحَتٌ وَلاَ مِعْوَلٌ وَلاَ أَدَاةٌ مِنْ حَدِيدٍ" (1مل 6: 7). وكانت هذه الحجارة تستغرق وقتًا وجهدًا كبيرًا لنقلها من الجبل إلى مياه البحر إلى أورشليم، و" روى هيرودت أن هرم كابوس في مصر لزم لبنائه عمل مئة ألف رجل في مدة عشرين سنة"(4).
ويقول " هنري ل. روسييه": "وبيت وعر لبنان كان طوله مائة ذراع (أطول من الهيكل بأربعين ذراع) وعرضه خمسين ذراعًا، وارتفاعه ثلاثين ذراعًا، ويستقر على أربعة صفوف من الأعمدة، وعلى الجانبين ثلاثة صفوف أعمدة، كل صف خمسة عشر، ووضعت الغرفات فوق الأعمدة. وهي ثلاث طباق مثل التي في الهيكل، والكوى (النوافذ) مقابل بعضها. والمركز نفسه يشمل على رواقين الأول رواق الأعمدة... وبعد ذلك رواق الكرسي"(5). وفي غرف بيت الوعر وضعت الأتراس الذهبية في بيت الأسلحة، ورواق الكرسي أي رواق القضاء، وبيت سليمان الذي تكثر فيه الأعمدة يتباين عن الهيكل الذي لا يوجد فيه غير عمودان فقط.
ولم يقل الكتاب أن كل هؤلاء العاملون في هذا المشروع الضخم قد استغرقوا سبع سنوات في إعداد هذا الكم الهائل من خشب الأشجار والأحجار بمقاساتها المختلفة وصقلها ونقلها إلى أورشليم، فربما انتهوا من عملهم هذا في أقل من هذه المدة، وانصرف معظمهم إلى حال سبيله قبل أن تنتهي أعمال البناء والتشييد والتشطيب والزخرفة والتي استغرقت نحو سبع سنوات.
2- لم يكن العمل مجرد بناء هيكل بسيط من ثلاث غرف بمساحة شقة متسعة أو مثل كنيسة من كنائس الضواحي، كما يصور ذلك النُقَّاد، إنما كان الهيكل آية من الفن والروعة، فبالرغم من صغر مساحته لكن كل شيء قد تم بإحكام وإتقان شديد، فليست عظمة الهيكل بكبر مساحته واتساعه، إنما بإتقان ذلك العمل الفني والذي استغرق وقتًا طويلًا في الزخارف والنقوش والترصيع بالذهب، فلم يبقَ في المبنى كله حجرًا عاريًا، بل جميع الجدران مكسوة بأخشاب الأرز، وقد نقش عليها ببراعة فائقة أشكال القثاء وبراعم الزهور والكروبيم والنخيل ثم غُشيّت بالذهب الخالص، والأرضية كانت من خشب السرو وقد تم تغطيتها بالذهب... وعمودا النحاس (ياكين وبوعز) بتاجيهما، والأبواب الخشبية المُغشاة بالذهب، والكاروبان المظللان على غطاء التابوت والمصنوعان من خشب لا يسوّس، والمُغشيان بالذهب النقي، ومذبح البخور الذي صنع من ذهب، وموائد خبز الوجوه بقشرة من ذهب، والمنائر العشرة من ذهب خالص، ومذبح المحرقة من النحاس، وبحر النحاس القائم على اثني عشر ثورًا، والمراحض العشرة... إلخ. ومن يريد أن يدرس هذا الموضوع فليرجع إلى الدراسات التفصيلية للإصحاحات 5 - 7 من سفر ملوك الأول، وما يقابلها في الأسفار الأخرى ليرى عظمة الهيكل ومحتوياته وملحقاته ونقوشه والذهب التي كان يغشيه من الداخل والخارج والمسبوكات النحاسية... إلخ.
3- كانت مساحة الهيكل صغيرة، لأنه لم يكن يدخله إلاَّ الكاهن الذي يقدم البخور ليرفع خبز الوجوه ويشعل المنارات وكل هذا في القدس، أما قدس الأقداس فلم يوجد من يجرؤ أن يدخله أو يقترب منه إلاَّ رئيس الكهنة الذي كان يدخله بدم الذبيحة مرة واحدة في عيد الكفارة العظيم كل سنة، وأما جميع الشعب فكانوا يقدمون عباداتهم وصلواتهم وتسابيحهم وذبائحهم خارج الهيكل، فمذبح المحرقة كان في الفناء الخارجي وأيضًا بحر النحاس المُستخدَم في الغسلات المختلفة.
4- لم يكن هذا العمل الضخم يشمل الهيكل فحسب، بل شمل أيضًا الرواق الكائن في مواجهة الهيكل والذي يبلغ ارتفاعه 120 ذراعًا (نحو 60 مترًا) وأيضًا المبنى ذو الثلاثة طوابق المحيط بالهيكل من ثلاث اتجاهات، وكان يُوضع فيه البخور والعشور والبكور والنذور وملابس الكهنة والأواني المقدَّسة، وأيضًا شمل العمل الدار الداخلية للكهنة وهي في مستوى أعلى من الدار الداخلية للشعب.
5- يقول " القمص تادرس يعقوب": "استغرق بناء الهيكل سبع سنوات أو سبع سنوات ونصف، وهو الوقت الذي تم فيه بناء الهيكل ودار الكهنة مع التهيئة للدار الخارجية. لكن هذه الفترة تعتبر قصيرة جدًا لبناء هيكل ضخم كهذا، غير أننا نلاحظ أن هذه الفترة لا تشمل الأعمال السابقة الضرورية للبدء في العمل كتهيئة الأرض، وأيضًا مثل فترة قطع الأخشاب وقطع الحجارة ونحتها، مع ضخامة المبنى وجماله وتكلفته الفائقة إلاَّ أن مساحته كانت نسبيًا صغيرة، هذا وأن عدد العاملين لتهيئته ولبنائه ضخم للغاية"(6).
_____
(1) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير س 380، 381.
(2) مقارنة الأديان 1- اليهودية ص 80.
(3) الأسطورة والتراث ص 263 - 265.
(4) المطران يوسف الدبس - تاريخ الشعوب المشرقية في الدين والسياسة والاجتماع جـ 2 ص 304.
(5) تأملات في سفر الملوك الأول ص 68، 69.
(6) تفسير سفر الملوك الأول ص 161.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1251.html
تقصير الرابط:
tak.la/n5g54cz