يقول " محمد قاسم محمد": "رغم أن داود قد سأل الرب عن سبب الجوع إلاَّ أنه لم يسأل الرب إذا كان يوافق على اقتراح الجبعونيين؟"(1).
ويقول الدكتور " سيد القمني": "ولو راجعنا الكتاب المقدَّس سنجد (داود) الملك النبي يقوم بذبح أولاد سلفه (الملك شاول) السبعة على الصلبان للإله (يهوه) فيستجيب الإله (يهوه) ويكتفي بالذبائح السبع، ويرفع القحط ويُنزل الغيث (2صم 21)"(2).
ويقول " ليوتاكسل": "إذًا المجزرة التي أقامها داود في أبناء شاول، ليست أكثر من إجراء احترازي أتخذه الملك ليتخلص من آخر أحفاد خصمه على العرش... أما بخصوص الجوع الذي أنهك البلاد على امتداد سنوات ثلاث، فمن المفيد أن نذكر أن شح المواسم كان ظاهرة معتادة في أرض الكنعانيين، وقد تحدثت الكتب المقدَّسة نفسها عن الجوع في فلسطين غير مرة... أن هذه الجريمة هي من أكثر الجرائم التي أرتكبها داود بشاعة وخسة ودناءة، ولا يجوز لأحد أن يبادر إلى محاولة تبريرها. أنها ندالة محاطة بكم كبير من القذارة، ولم يسلم من لطخاتها كل من يقترب منها، فليس ثمة ما هو أكثر لا أخلاقية من أن يأمر داود بقتل أثنين من أبناء شاول غير الشرعيين، أي لا يحق لهما في أي زمان ومكان أن يطالبا بعرش أبيهما، أو حتى بتركته، وبما أنه (داود) عاد إلى ميكال، فليس ثمة سلوك أكثر وحشية من تسليم أبنائها الخمسة إلى الجلادين، ويضاف إلى خسة هذا السلوك وشناعته، كم لا بأس به من الغباء. لقد سلَّم داود سبعة من أبناء جلدته إلى شعب غريب ضعيف لا يمثل أي درجة من درجات الخطر على داود الرهيب الذي سحق أعداءه كلهم... ويضيف داود إلى خسته هذه جريمة أخرى، هي الحنث باليمين الذي كان قد أقسمه لشاول بألا يقتل أحد من ذريته (1صم 24: 21، 22)"(3).
ج: 1- لا يقبل الله ذبائح بشرية وحذر مرارًا وتكرارًا الذين يتجرأون ويقدمون من فلذات أكبادهم ذبائح للأصنام، فقال: "لا يُوجد فيك من يجيز ابنه أو ابنته في النار" (تث 18: 10).. " لا تعمل هكذا للرب إلهك لأنهم قد عملوا لآلهتهم كل رجس لدى الرب مما يكرهه إذ أحرقوا حتى بنيهم وبناتهم بالنار لآلهتهم" (تث 12: 31) (راجع أيضًا مز 106: 37، 38، أر 7: 31، 19: 5، حز 16: 20، 21). بل أمر الرب بقتل من يرتكب هذه الحماقة فأوصى موسى قائلًا: "وتقول لبني إسرائيل. كل إنسان من بني إسرائيل ومن الغرباء النازلين في إسرائيل أعطى من زرعه لمولك فأنه يُقتل يرجمه شعب الأرض بالحجارة. وأجعل أنا وجهي ضد ذلك الإنسان وأقطعه من شعبه لأنه أعطى من زرعه لمولك لكي ينجس مقدسي ويدنس اسمي القدوس" (لا 20: 2، 3)، وأمر الله بالقضاء على شعوب كنعان بسبب هذه الممارسات البشعة، وأيضًا الذبائح البشرية كان لها طقوسها وإجراءاتها البعيدة عن التعليق على الصليب.
2- لم يكن هدف داود يومًا ما القضاء على ذرية شاول قط، لأن داود لو كان يهدف لهذا فكيف تفسر بحثه عن أحد من نسل شاول ليصنع معه إحسانًا؟ أو لماذا أكرم مفيبوشث ليأكل معه على مائدته كل يوم كأحد أفراد أسرته وردَّ له حقول شاول..؟! ولماذا لم يقتل مفيبوشث عندما وشى به صيبا..؟! إذًا فكرة أن داود دبَّر هذه المذبحة لكيما يخلص من ورثة شاول فكرة غير صحيحة.
3- من الممكن أن يتوقف المطر وتحل المجاعة في عام، ولكن من الصعب أن يتكرَّر هذا مصادفة في العام الذي يليه، بل وفي العام الثالث، وحتى لو اعتقدنا بأن انقطاع المطر دام ثلاث سنوات متصلة، فما هو موقفنا من التصريح الإلهي لداود بأن هذه المجاعة بسبب سفك دماء الجبعونيين " فقال الرب هو لأجل شاول ولأجل بيت الدماء لأنه قتل الجبعونيين" (2صم 21: 1)..؟! هل يطلب منا الناقد أن نُكذّب الله؟!
4- بعد أن عرف داود سبب المجاعة من الله، لم يسأل الله عن طريقة الحل، بل سأل الجبعونيين عما يرضيهم، فطلب الجبعونيون سبعة رجال من نسل شاول لصلبهم، ولبى داود رغبتهم هذه.
ويقول "يوسف رياض": "لكننا نتعجب: لماذا لم يسأل داود الرب من أول سنة تحدث فيها المجاعة؟ أليس هذا دليلًا على ضعف الحالة الروحية؟ وعندما سأل الرب وأجابه بأن هذه المجاعة بسبب قتل شاول للجبعونيين، فأنه عوض أن يسأل الرب عن الحل، فأنه سأل الجبعونيين الذين ليسوا من شعب الله. فلا غرابة أن تكون إجابتهم مخالفة لشريعة الرب (تث 24: 16). ولقد تسرع داود بأن وعدهم بتنفيذ طلبهم، وأعطاهم فعلًا سبعة رجال من نسل شاول ليُصلبوا. ومرة أخرى نجد أن بقاء الأجساد معلَّقة لشهور طويلة كان مضادًا للشريعة (تث 21: 22، 23) وتضمن واحدة من أبشع الصوُّر وأقساها على الإطلاق. على أننا نعجب بتصرف الأم الرائعة التي فرشت مسحًا على الصخر من ابتداء الحصاد حتى أنصب الماء على جثث أولادها. كان في النهار يأكلها الحر الرهيب، وفي الليل طار نومها بسبب الجوارح والوحوش. لكنها لم تدع لا طيور السماء ولا حيوانات الحقل تأتي إليهم! وكان هذا التكريس العجيب من الأم الفاضلة محركًا لداود ليتحرك. ولم يدفن عظام هؤلاء المصلوبين فحسب، بل قام بنفسه بدفن عظام شاول وبنيه أيضًا في قبرهم بأرض بنيامين. وبعد ذلك استجاب الله من أجل الأرض"(4).
5- عندما كان داود مُطاردًا من شاول، ولم يستطع شاول النيل منه قال له علمت أنك تكون ملكًا " فأحلف لي الآن بالرب أنك لا تقطع نسلي من بعدي ولا تبيد اسمي من بيت أبي. فحلف داود لشاول" (1صم 24: 21، 22)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. والتزم داود بالحلف ولم يحنث بالقسم الذي أقسمه لشاول، أما ما حدث مع الجبعونيين فكان الأمر خارجًا عن إرادة داود، لأنه كملك كان يجب عليه أن يجري العدل، وهو لم يقتل أحدًا من ذرية شاول، إنما سلمهم ليد الجبعونيين فصلبوهم.
_____
(1) التناقض في تواريخ وأحداث التوراة ص 402.
(2) الأسطورة والتراث ص 105.
(3) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 360، 361.
(4) من التكوين إلى الرؤيا جـ 2 الأسفار التاريخية ص 230.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1214.html
تقصير الرابط:
tak.la/26ym5b8