ج: 1 - عندما سمع صيبا بثورة أبشالوم ضد أبيه داود أراد أن يستغل الفرصة لاغتصاب أرض مفيبوشث فأخذ حمارين ووضع عليهما مئتا رغيف خبز ومئة عنقود زبيب ومئة قرص تين وزق خمر وقدمهما للملك " فقال الملك وأين ابن سيدك. فقال صيبا للملك هوذا هو مقيم في أورشليم لأنه قال اليوم يرد لي بيت إسرائيل مملكة أبي. فقال الملك لصيبا هوذا لك كل ما لمفيبوشث" (2صم 16: 3، 4).. لقد كان داود في حالة نفسية سيئة ومحنة شديدة لم تمكنه من تحري الأمر بدقة، ومعرفة الحقيقة، ولاسيما أن مفيبوشث من المستبعد جدًا أن يطمع في العرش وهو أعرج، وفي الوقت الذي يجمح فيه أبشالوم نحو العرش بكل قدرته، وهل ينسى مفيبوشث مقدار ما فعله داود معه إذ استحياه وأعاد إليه أملاك شاول أبيه، ولكن ماذا تقول والأمور قد أختلت، فهوذا داود يبصر ابنه الخارج من أحشائه يسعى بكل قوته لينهي حياته، فكم وكم المنافس الأول له على العرش..؟! ولذلك صدق داود ما قاله صيبا، وعزَّ عليه جحود مفيبوشث، فأمر صيبا بأن يستولي على ممتلكات مفيبوشث.
2- عند عودة داود إلى أورشليم خرج مفيبوشث لاستقباله، ولم يعتني بنفسه منذ أن ترك داود أورشليم، فلم يعتني برجليه وهو أعرج، ولم يهتم بلحيته التي يهتم بها الرجل اليهودي ويهندمها، ولم يغسل ثيابه، فقد زهد الدنيا بعد أن حدث لسيده داود ما حدث من جانب، وأيضًا بسبب الموت الذي يتهدده من قبل داود بعد أن وشى به صيبا، وعندما إلتقى بداود " قال له الملك لماذا لم تذهب معي يا مفيبوشث؟" (2صم 19: 25) وكان هذا تصرف حكيم من الملك، إذ لم يتعجل بعقابه بنفيه من أورشليم أو قتله، قبل أن يسمع دفاعه، أما مفيبوشث " فقال يا سيدي الملك أن عبدي قد خدعني لأن عبدك كان أشدُّ لنفسي الحمار فأركب عليه وأذهب مع الملك لأن عبدك أعرج. ووشى بعبدك إلى سيدي الملك. وسيدي الملك كملاك الله فأفعل ما يحسن في عينيك" (2 صم 19: 26، 27) وهنا ذكر مفيبوشث الحقيقة، وترك الحكم لسيده داود، وقد أعتبره كملاك الله يميز الصدق من الكذب، ويعرف الحق ويحكم بالعدل، فيحكم عليه بالحياة أو الموت، يعيد إليه أملاك أبيه وحده أو يحرمه منها.
3- كان من الواجب أن داود يحقق في الأمر، ويعاقب المخطئ، ولكنه إذ صار مثقلًا بأمور عديدة اكتفى بتقسيم الأرض بين مفيبوشث وصيبا، وربما قصد داود أن نتاج الأرض يُقسم بينهما، لكن الأرض تكون ملكًا لمفيبوشث، وهذا أمر عادل فصيبا وأولاده وعبيده يعملون الأرض ويحصلون على نصف الإنتاج، وقد يكون داود تغاضى عن معاقبة صيبا، لأنه صاحب الفضل في تعريف مفيبوشث بداود، وبهذا انتقل مفيبوشث من إنسان فقير يعيش عالة على "ماكير" إلى رجل غني صاحب أملاك، وأيضًا لم ينسَ داود ما قدمه صيبا له من معونات أثناء هروبه من وجه أبشالوم، وكان من الممكن أن يلتقي صيبا بداود ويشي بسيده ولا يقدم شيئًا لداود، لكنه لم يفعل هكذا. وفي النهاية سرَّ مفيبوشث بهذا الحكم جدًا، بل أنه أبدى مشاعر رقيقة رائعة صادقة " فقال مفيبوشث للملك فليأخذ الكل أيضًا بعد أن جاء سيدي الملك بسلام إلى بيته" (2مل 19: 30).
4- جاء في كتاب " الغوامض المتعلقة بالعهدين " أن داود " بعد تأكده أن في الأمر كذبًا وأنه تسرع في حكمه رجع إلى قراره الأول بأن تكون الأرض مناصفة بينهما بحسب الاتفاق السابق وهذه هي العدالة بأكمل معناها، فلا غبار عليه من الوجهة الشرعية، ولقائل: ولماذا يمنح هذا الخائن هبة لا يستحقها، نقول لأنه كان من عبيد شاول، وقد أراد داود أن يعمل خيرًا لهذا البيت، وثانيًا: لأن صيبا أمده بالطعام حين كان في شديد الاحتياج إلى من يسعفه، ولذلك رأى من الواجب إبقاءه في وظيفته الأولى من قبيل المكافأة على معروفه"(1).
_____
(1) الغوامض المتعلقة بالمبادئ العمومية الأدبية الواردة في العهدين القديم والجديد جـ 1 ص 152.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1206.html
تقصير الرابط:
tak.la/yt94d6f