يقول " ليوتاكسل": "إذًا لم يكن حب الوطن أو كرامة القدم هما دافع داود إلى القتال، بل الطمع بالمكافأة هو، حافزه الوحيد"(1).
وعن قصة قتل الأسد والدب يقول " ليوتاكسل": "لقد صعقت هذه الرواية الملك شاول... تخيلوا للحظة أسدًا أو دبًّا يختطف شاة من قطيع العجوز يسَّي، ثم ينطلق الراعي الصغير خلفه وينتزع المسكينة من بين أنيابه، وينهال على الجاني ضربًا وركلًا بيديه وقدميه الحافيتين، أي لوحة؟ هل يستطيع أحد أن يجد مثل هذه البطولات إلاَّ في التوراة..؟! ولكن لسوء حظ التوراة أن علماء الطبيعة اكتشفوا بأن الدب لا يعيش في منطقة يقطنها الأسد، والعكس صحيح... أما " الحمامة المقدَّسة " فقد تحدثت عن دببة تعيش في خط الاستواء، وأسود تستوطن القطب الشمالي"(2).
ج: 1- رأى داود جليات الجبار صاعدًا من صفوف الفلسطينيين يستهزئ برجال إسرائيل ويتحداهم، ورأى داود رجال إسرائيل يرتعبون ويهربون، وسمعهم يقولون: "أرأيتم هذا الرجل الصاعد. ليعيَّر إسرائيل هو صاعد. فيكون أن الرجل الذي يقتله يغنيه الملك غنى جزيلًا ويعطيه بنته ويجعل بيت أبيه حرًا في إسرائيل" (1صم 17: 25) فأخذت الحمية قلب داود، ووضع في نفسه الانتقام من هذا الرجل، هذا من جانب، ومن جانب آخر أراد داود أن يدرك أبعاد الموقف، ومدى خطورة هذا الجليات، ومدى معاناة الملك والشعب منه، ولذلك أراد أن يتأكد من عرض الملك، فسخاء العرض يؤكد مدى تأزم الموقف " فكلم داود الرجال الواقفين معه قائلًا ماذا يُفعل للرجل الذي يقتل ذلك الفلسطيني ويزيل العار عن إسرائيل. لأنه من هو هذا الفلسطيني الأغلف حتى يعيّر صفوف الله الحي" (1صم 17: 26) فأكّد له الشعب حقيقة هذا العرض. ثم مثَل داود أمام شاول الملك وكان كل اهتمامه هو السماح له بمقاتلة ذلك الجبار، ولم يتطرق داود لا من قريب ولا من بعيد لمكافأة من ينتصر على جليات، وحكى داود لشاول باختصار عن قتله للأسد والدب قائلًا: "قتل عبدك الأسد والدب جميعًا. وهذا الفلسطيني يكون كواحد منهما لأنه قد عيَّر صفوف الله الحي" (1صم 17: 36).. إذًا داود سعى لقتل جليات غيرة على شعبه وعلى مجد إلهه وليس طمعًا في عرض الملك، وأقوى دليل على هذا أنه عندما عرض عبيد شاول على داود مصاهرة الملك " فقال داود هل هو مستخف في أعينكم مصاهرة الملك وأنا رجل مسكين وحقير" (1صم 18: 23).
2- لقد تعودنا من داود الصدق ولم نعهده يكذب، فعندما يقول أنه قتل الأسد والدب فهو صادق بلا شك، فقد أجاد الضرب بالمقلاع الذي به أصاب جليات في جبهته، فما المانع أن يكون قد أستخدمه مع مثل هذه الحيوانات المتوحشة، وواضح أن صراع داود مع كل منهما كان منفردًا، فقتل الأسد تارة والدب تارة أخرى، ولم يهجم على قطيع داود أسد ودب في آن واحد، ولذلك قال عن الأسد: "فخرجت وراءه وقتلته وأنقذتها من فيه ولما قام عليَّ أمسكته من ذقنه وضربته فقتلته" (1صم 17: 35). إذًا كان داود يهاجمه مرة أسد، ومرة أخرى دب، فكان داود يتصدى لهما ولا يترك لهما الفريسة، وليس من المعتاد أن يشترك الأسد مع الدب في مهاجمة فريسة واحدة، فكل منهما هاجم قطيع داود في زمن مختلف ومكان مختلف، ويمكن أن ينطبق هذا على أسد كان يعيش في منطقة الشام، ودب سوري من نوع الدببة البنية كبيرة الحجم وبطيئة الحركة. كما أن الكتاب لم ينفي أن يكون مع داود عصا غليظة أو آلة حادة، فهو لم يقضي على الأسد والدب بركلهما بيديه وقدميه الحافيتين، وأيضًا لم يكن داود حالة فريدة، فمن قبله شمشون قتل أسدًا بيديه: "وإذ بشبل أسدٍ يزمجر للقائه. فحل عليه روح الرب فشقه كشق الجدي وليس في يده شيء" (قض 14: 5).
3- نعم أن الدببة تعيش في المناطق الباردة، وفي شمال فلسطين في فصل الشتاء تنخفض درجات الحرارة إلى حد بعيد، ويتكون الثلج على جبل حرمون، وجبل حرمون في أقصى الشمال وجبل سيناء في أقصى الجنوب يتمتعان بارتفاع كبير لدرجة أن قمتيهما قد تغطيان بالثلج، وهذا يمثل بيئة مناسبة لحياة الدببة، فبعض أنواع الدببة كانت تعيش على أرض فلسطين، كما أن ظروف الطقس من ثلاثة آلاف سنة قد تكون مختلفة بعض الشيء عما هو عليه الآن، وما نعانيه الآن من الاحتباس الحراري، وكانت الغابات تكثر في أرض فلسطين حيث تعيش فيها الحيوانات المفترسة كالأسود، ولا ننسى بناياهو بن يهوياداع الذي " ضرب أسدًا في وسط جبٍ يوم الثلج" (2صم 23: 20) إذًا كانت هناك أيام تمر على أرض فلسطين تصل درجة الحرارة إلى الصفر ويتكون فيها الجليد. وعندما كان داود مطاردًا من ابنه أبشالوم قال حوشاي الأركي لأبشالوم: "أنت تعلم أن أباك ورجاله أنهم جبابرة وأن أنفسهم مرَّة كدبَّة مثكل في الحقل" (1صم 17: 8) وفي قصة أليشع عندما صعد من بيت إيل وسخر الصبية منه ولعنهم باسم الرب: "فخرجت دُبتَّان من الوعر وأفترستا منهم أثنين وأربعين ولدًا" (2مل 2: 24) وقال عاموس النبي: "كما إذا هرب إنسان من أمام الأسد فصادفه الدبُّ" (عا 5: 19) إذًا الدب كان معروفًا في أرض فلسطين.
4- يسخر " ليوتاكسل " من روح الله القدوس فيقول " أما الحمامة المقدَّسة فقد تحدثت عن دببة تعيش في خط الاستواء، وأسود تستوطن القطب الشمالي".. فليقل لنا ليوتاكسل في أي موضع في الكتاب قرأ هذه المعلومات الساخرة..؟! أما سخريته فلا تستحق الرد.
_____
(1) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 303.
(2) المرجع السابق ص 304.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1129.html
تقصير الرابط:
tak.la/mg8rhqp