يقول " ليوتاكسل": "تصوَّر " فولتير " حديثًا جرى بين شاول الملك وأحد الأشخاص المقربين له ويُدعى " بازا " وعندما أشاد " بازا " بعظمة شاول قال له شاول: واآسفاه لقد ذهبت لأبحث عن أُتن أبي، فوجدت تاج المملكة، ولكن ما أن قام صموئيل بمسحي ملكًا بإرادة الرب حتى تحوَّل إلى ألد أعدائي.
فقال " بازا": أن هذا أمر متوقع لأنك جندي وهو كاهن، فهو قد كان متحكمًا في الأمور قبلك، والناس يكرهون دائمًا خلفاءهم.
قلتُ: لم يكفه حقده عليَّ كملك اختارته السماء، فحقد علىَّ كنبي أيضًا، فهو يعلم أنني مُنحت نعمة النبوءة مثله، وأنني تنبأت كما تنبأ هو، وعندما قال الشعب: "أشاول أيضًا بين الأنبياء؟! " أذى هذا القول سمع صموئيل، ولذلك قال لي صموئيل أن الرب قد أمره أن يبلغني أنه نادم لأنه وضعني على العرش.
فقلت: الله نادم؟ ولكن لا يندم إلاَّ من أقترف خطأ، والله لا يمكن أن يخطئ!، فقال صموئيل: ولكنه يمكنه أن يندم لأنه وضع على العرش رجلًا يخطئ.
قلت: بلى! ومَنْ من البشر لا يخطئ؟ فما هو ذنبي؟، فقال صموئيل: ذنبك أنك عفوت عن أحد الملوك.
وهنا تدخل أجاج قائلًا: كيف هذا؟ وهل تعتبر أعظم أعمال الخير جريمة..؟ أهذا ما أمرك ربك به؟! أنت تخطئ دون شك! لا بُد أنك تريد أن تقول أن شيطانك هو من أمر بهذا!
قلت: أنا لم أعتبر الأمر ثابتًا وأكيدًا، فقد اعتقدت أن الرحمة هي أولى سمات الكائن العلوي، وأن قلبه ملئ بالمحبة والعطف"(1).
ج: 1- لم يرفض الرب شاول ويندم على اختياره ملكًا لمجرد أنه عفا عن أجاج ملك عماليق وعفا عن خيار الغنم والبقر، ولكن عندما ندرس الموضوع ككل نلاحظ أخطاء شاول الكثيرة واستحقاقه العقاب:
(أ) في (1صم 13: 9 - 14) نجد شاول قد خالف وصية الله وتعدى على دور الكهنة وقدم ذبيحة مما أدى به إلى خسارة مملكته، فرفض الله شاول كملك، ولم يرفضه كإنسان عادي يمكن أن يخلص وينال الحياة الأبدية.
(ب) في (1صم 15: 9) نجد شاول قد خالف أوامر الرب واستحق العقاب، لأنه خالف أوامر الرب بطريقة واضحة.
وبعد هاتين الخطيتين كانت هناك فرصة لشاول للتوبة، ولكنه بدلًا من أن يتوب خالف أوامر الرب ثالثة:
(ج) أكمل شاول شره وخان الرب بطلب العرافة (1صم 28: 7 - 11) وهنا استحق ليس نزع لمملكته فقط، ولكن القتل وهذا ما حدث في اليوم التالي، كما فقد حياته الأبدية.
2- تعليقًا على حديث فولتير التصوُّري:
أ - لم يعرف قلب صموئيل النبي الحقد، لأنه كان لديه الشجاعة أن يُوبّخ أي إنسان متى أخطأ، حتى لو كان شاول الملك، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فالحقد والحسد ينميان في القلب الضعيف الذي لا يملك من أمره شيئًا، أما صموئيل النبي فظل طوال حياته وحتى شيخوخته إنسانًا مُهابًا من الجميع، محبوبًا من الكل، موضع اعتزاز وفخر بني جنسه، حتى عندما طلبوا لأنفسهم ملكًا لم يكن هذا اعتراضًا على شخصية صموئيل بل على ابنيه، كما أنه ليس ثمة صراع بين الكاهن والجندي لأن كلٍ منهما يُكمّل الآخر، فالكاهن يُقدّر للجندي تضحيته بروحه في ساحة الوغي، ويرفع أكف الضراعة من أجله، والجندي يشعر بأبوة الكاهن وصلواته من أجله.
ب - لم يكن شاول نبيًا مثل صموئيل، ولا يتساوى أبدًا شاول وصموئيل في روح النبوءة، وعندما حلَّ روح الله على شاول فتنبأ وقتيًا كان وضعه كوضع الكثيرين من أبناء الأنبياء، لكن الله لم يكلمه كما كان يكلم صموئيل، وقد قيل عن شاول أنه " شاول الملك"، لكن لم يقل أحد عنه أنه "شاول النبي".
جـ- قول الكتاب " ندم الله" تعبير بشري يستخدمه الوحي الإلهي لكيما ينقل لنا الأمور اللاهوتية التي لا يُعبَر عنها، فالله منزَّه عن الندم، وعن الخطأ، ولا يمكن أن يخطئ، وجاء في " كتاب السنن القويم": "عرف الرب كل ما فعل شاول وكل ما كان في قلبه، وندامة الله والتغيير في تدبيره ناتجان عن تغيير الإنسان. فإذا تاب الخاطئ يندم الرب على الشر الذي أوعد به (خر 32: 14) وإذا أخطأ شعبه يندم على الخير الذي وعدهم به. إن الله يُعَّبر عن عواطفه للبشر بلغتهم كما يعبّر الإنسان للإنسان ليفهموا"(2).
ويقول " أ. م. رينويك": "أن النصرة شوهها عصيان شاول في الإبقاء على أجاج وعلى خيار الغنم والبقر " فندم الرب".. على أنه جعل شاول ملكًا، إلاَّ أن ندم الرب يختلف عن ندم الإنسان... فإن ندم الرب هو تغيير في كيفية تدبيره كلما دعت الحاجة إلى وسائل جديدة، لكن عندما يندم الإنسان (على خطية) يسحب الله وعيده بالعقاب. وقد حزن صموئيل حزنًا عميقًا على رفض شاول"(3).
وجاء في "التفسير التطبيقي": "عندما قال الله أنه ندم لأنه جعل شاول ملكًا، هل كان معنى ذلك أنه يقول أنه أخطأ ؟ حاشا لله، كان هذا القول من الله تعبيرًا عن الأسف وليس اعترافًا بالخطأ (تك 6: 5-7) فالله، العليم بكل شيء، لا يمكن أن يخطئ، ولذلك لم يغيّر الله فكره، ولكنه غيَّر موقفه من شاول عندما تغيَّر شاول، فلم يعد قلب شاول لله، بل لأهوائه الخاصة"(4).
ويقول "الأرشيدياكون نجيب جرجس":" (أ) أعلن الرب لعبده صموئيل غضبه من شاول قائلًا: (ندمت على إني جعلت شاول ملكًا) وقول الرب (ندمت) تعبيرًا بلغتنا البشرية يعني أن الرب أصبح غير راضٍ على شاول وأنه لم يعد وفق مسرته تعالى. وشاول عندما دعاه الرب للمُلك كان صالحًا لهذا المركز، وكان أنسب الأشخاص في شعبه ولكنه بعد أن صار ملكًا وتوالت انتصاراته اغتر وأغواه المُلك وتغيرَّت طباعه وأخلاقه، فكان من عدل الله ومن غيرته على مجده أن يغير معاملته لشاول ويعامله بما يناسب سلوكه الجديد. ولذلك يعلن الرب استياءه من شاول بقول: (لأنه رجع من ورائي) أي أبتعد عن طريقي ولم يعد يتبعني بعد (ولم يقم كلامي) أي خالف وصيتي ولم يبال بأوامري.
(ب) مسكين شاول، لقد أخفق في المرتين، أخفق عندما خالف أمر الرب وعبده صموئيل في الجلجال عند محاربته للفلسطينيين ولم ينتظر مجيء صموئيل بل قدم المحرقة بنفسه (1صم 13: 8 - 14). وقد وبخه صموئيل وأنذره وقتئذ، وعاد وأعطاه فرصة ثانية للطاعة هذه المرة في محاربته لعماليق حيث أمره بتحريمهم، ولكنه أخفق هذه المرة وأخترع سياسة لم يأمر بها الرب"(5)(6).
د- يطالب أجاج بالرحمة التي هي أولى سمات الكاهن العلوي، ويتغاضى عن العدل الإلهي، فالله الكامل في رحمته هو أيضًا كامل في عدله، وقد أستنفذ أجاج وشعبه كل فرص الرحمة بعد أن أمهلهم الله مئات السنين للتخلي عن شرورهم، وإذ بهذه الشرور تنمو وتزداد وتصعد إلى عنان السماء.
3- كان الأمر الإلهي بإبادة عماليق يعتبر الفرصة الأخيرة لشاول ليثبت حسن نواياه ويتراجع عن عناده ويصغى للوصية بكل دقة، ولذلك قال له صموئيل النبي " والآن فاسمع صوت كلام الرب" (1صم 15: 1) أما شاول فقد سمع لبعض كلام الرب دون البعض الآخر، وكان هذا الاختبار الأخير الذي كشف حقيقة شاول، بعد أن احتفظ بخيار الغنم والبقر، ومنح أجاج الذي حرَّمه الله فرصة للحياة ليتباهي بأنه قد أسر ملك عماليق، وعندما فوجئ شاول بمجيء صموئيل " قال له شاول مبارك أنت للرب. قد أقمتُ كلام الرب" (1صم 15: 13) فهو يتظاهر هنا بالتقوى في الوقت الذي لم يصغى فيه للأمر الإلهي، وسلك بحسب هواه وفعل ما يشاء، ثم يحاول شاول تبرير موقفه بأن الشعب هو الذي أستبقى بقية الغنيمة ليقدم ذبائح للرب إلهك، فاستحق أن يسمع تقريع النبي له: "هل مسرَّة الرب بالمحرقات والذبائح كما باستماع صوت الرب. هوذا الاستماع أفضل من الذبيحة والإصغاء أفضل من لحم الكباش" (1صم 15: 22) ثم يحاول شاول أن يبرر نفسه ثانية فيقول أنه خاف من الشعب " فقال شاول لصموئيل أخطأت لأني تعديت قول الرب وكلامك. لأني خفت من الشعب وسمعت لصوتهم" (1صم 15: 24) وكان جلَّ اهتمام شاول أن يحتفظ بماء وجهه أمام ا لشعب فقال لصموئيل: "والآن فأغفر خطيتي وارجع معي فأسجد للرب... قد أخطأت والآن فأكرمني أمام شيوخ شعبي وأمام إسرائيل وارجع معي فأسجد للرب إلهك" (1صم 15: 25، 30) فكل اهتمامه هو كرامته أمام شعبه أكثر من إرضاء إلهه.
4- تساءل الناقد كيف يسرُّ الله بإبادة شعب بأكمله، وهذا التساؤل قد تمت الإجابة عليه بإسهاب(7)، وأيضًا يقول " القس صموئيل يوسف": "وفي هذا يتساءل المرء، كيف ولماذا يحدث هذا؟ وهل يسرُّ الربُّ بإبادة شعب بجملته بواسطة شعب آخر؟ ويجيب علماء الكتاب المحافظين بأن شعب إسرائيل كان بمثابة أداة في يد الرب لتحقيق إرادته المقدَّسة الكاملة والمرضية قدامه، وليس لأنه أفضل من باقي الشعوب (أش 10: 15، 14: 27، 40: 13، 17، قارن تث 7: 7 - 11) أنه الإله القدوس الذي أسلم شعبه المختار إسرائيل ليد أشور وبابل للتأديب والعقاب (قارن أر 27: 8 - 11، 32: 26 - 35). وهو الرب الذي نظر بعين رحمته إلى الأشوريين عندما رأى أنهم رجعوا عن طريقهم الرديئة. فندم الرب على الشر الذي تكلَّم أنه يصنعه فلم يصنعه (يون 3: 10) أنه الإله الخالق للجميع، ومحبته مقدَّسة وعادلة. وله أن يرى إبادة شعب بجملته كعماليق، لأنهم مثال خطر في الخطية والنجاسة. أنه الجراح الأعظم الذي له أن يستأصل عضوًا فاسدًا في الجسم البشري لخير الإنسانية كلها. ولا يُقال أن الجراح الماهر الذي يدرك عمله جيدًا أنه قاسي القلب ولا يرحم (قارن أش 40: 12 - 15، 17)"(8).
_____
(1) راجع التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 293 - 295.
(2) السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم جـ 4 (أ) ص 72.
(3) مركز المطبوعات المسيحية - تفسير الكتاب المقدَّس جـ 2 ص 102.
(4) التفسير التطبيقي ص 594.
(5) راجع أيضًا مدارس النقد جـ 5 إجابة س 411.
(6) تفسير الكتاب المقدَّس - سفر صموئيل الأول ص 145، 146.
(7) فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد جـ 8 س 910.
(8) المدخل إلى العهد القديم ص 232.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1119.html
تقصير الرابط:
tak.la/pcdfs65