St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

411- كيف يحزن الله ويتأسف ويندم؟

 

" فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه" (تك 6: 6).. " فندم الرب على الشر الذي قال إنه يفعله بشعبه" (خر 32: 14).. " والرب ندم لأنه ملَّك شاول على إسرائيل" (1صم 15: 35) ويقول دكتور مصطفى محمود " والله نراه يفعل الفعل ثم يندم عليه، ويختار رسوله ثم يكتشف أنه أخطأ الاختيار. وكأنه لا يدري من أمر نفسه شيئًا، ولا يعرف ماذا يخبئه الغيب"(1).

كما يقول الدكتور مصطفى محمود " ورب عجيب.. ما يلبث أن يندم على ما يفعل.. والرب في حالة خطأ وندم بطول التوراة وعرضها {وبسط الملاك يده على أورشليم ليهلكها. وندم الرب على الشر وقال للملاك المُهلك الشعب كفى} (2صم 24) كيف يخطئ الرب ويندم، مع أن التوراة ذاتها تقول في سفر العدد إصحاح 23 الآية 19 {ليس الله إنسانًا فيكذب ولا ابن إنسان فيندم}.. هوذا خلط ودشت من الكلام تكتبه أقلام وليس وحيًّا ولا تنزيلًا.. والاعتراض بأن كلمة " الله يندم " هي كلمة مجازية مثل كلمة " الله يغضب " هو اعتراض غير سليم، لأن الندم معناه الرجوع عن الخطأ، ولا يصلح مجازًا ولا فعلًا أن نقول أن الله يخطئ، كما لا يصح مجازًا أن نقول أن الله يكذب أو يظلم أو يجهل.. هذه كلمات لا يصح إطلاقها على الله ولو مجازًا"(2).

St-Takla.org Image: Samuel returned to his home and never went to see Saul again. (1 Samuel 15: 34-35) - "King Saul attacks the Amalekites" images set (1 Samuel 15: 1-35): image (18) - 1 Samuel, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media صورة في موقع الأنبا تكلا: "وذهب صموئيل إلى الرامة، وأما شاول فصعد إلى بيته في جبعة شاول. ولم يعد صموئيل لرؤية شاول إلى يوم موته، لأن صموئيل ناح على شاول. والرب ندم لأنه ملَّك شاول على إسرائيل" (صموئيل الأول 15: 34-35) - مجموعة "الملك شاول يهاجم العماليق" (صموئيل الأول 15: 1-35) - صورة (18) - صور سفر صموئيل الأول، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

St-Takla.org Image: Samuel returned to his home and never went to see Saul again. (1 Samuel 15: 34-35) - "King Saul attacks the Amalekites" images set (1 Samuel 15: 1-35): image (18) - 1 Samuel, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media

صورة في موقع الأنبا تكلا: "وذهب صموئيل إلى الرامة، وأما شاول فصعد إلى بيته في جبعة شاول. ولم يعد صموئيل لرؤية شاول إلى يوم موته، لأن صموئيل ناح على شاول. والرب ندم لأنه ملَّك شاول على إسرائيل" (صموئيل الأول 15: 34-35) - مجموعة "الملك شاول يهاجم العماليق" (صموئيل الأول 15: 1-35) - صورة (18) - صور سفر صموئيل الأول، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

وأيضًا يقول الدكتور مصطفى محمود " الصورة التي صوَّرتها التوراة لله صورة مليئة بالتشويش والتناقض وسوء الفهم.. فهو في معظم صفحات الكتاب إله ندمان يفعل الفعل ثم ما يلبث أن يدرك أنه أخطأ ويندم عليه ويرجع منه.. ولا ينفع الاعتذار بأن كلمة يندم واردة بمعنى يغفر.. وهو اعتذار أفحش من التهمة.. فمعناه أن النبي لا يعرف أبجدية اللغة التي يخاطب بها أتباعه.. ومعناه أن الله لم يحفظ لسانه من التخليط والزلل.. ومعناه في الحالين أن كتاب التوراة ليس كتابًا محفوظًا من الله.. وإنما هو مجموعة عبارات أُلقيت على عواهنها وقيلت كيفما اتفق بما فيها من ضلال المخاطر وسقطات اللسان وعجز التعبير.. والتوراة ذاتها تنفي هذه الصفة بما فيها من صفحات مضيئة بالغة الذروة في جمال التعبير وحلاوة اللغة والتفسير المقبول. إنها سطور دخيلة وعبارات محرَّفة"(3).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: 1- الله منزَّه عن الحزن والأسى والندم، لأن كل شيء مكشوف أمامه، وهو القوي القادر على كل شيء، وضابط كل شيء.. فعلام يندم؟!! إن الله " ليس عنده تغيّير ولا ظل دوران" (يع 1: 17).. " نصيح إسرائيل لا يكذب ولا يندم لأنه ليس إنسانًا ليندم" (1 صم 15: 29) وقال الله " لأني أنا الله وليس آخر. الإله وليس مثلي.. رأيي يقوم وأفعل كل مسرتي" (أش 46: 9، 10).. " لأني أنا الرب لا أتغيَّر" (ملا 3: 6).

 

2- الله لا يتغيَّر، ولكن تتغيَّر معاملته للإنسان، طبقًا لتغيُّر موقف الإنسان، فإذا انتقل الإنسان من الشر إلى الصلاح استحق الرحمة الإلهية، والعكس إذا انتقل من الصلاح إلى الشر، فيحق عليه العقاب الإلهي، وهذا يتمشى تمامًا مع العدل الإلهي لأن الله ليس بظالم، فمعنى ندم الله هو أن الله غيَّر قضاءه.

 

3- الكتاب المقدَّس هو رسالة الله للبشرية، يستعمل اللغة البشرية التي يدركها الإنسان للتعبير عن الأحداث الإلهية، واستخدام الصفات البشرية في وصف الله يعرف بمنهج " أنثروبومورفيزم " Anthropomorphism أي تشبيه الله بالإنسان بهدف وصول المعاني الإلهية للإنسان(8) فالوحي الإلهي استخدم تلك التعابير البشرية " فحزن الرب.. وتأسف في قلبه " ليعبر عن حجم الكارثة، فبعد أن سر الله بخلق الإنسان، وقال عنه أن " حسن جدًا" (تك 1: 31) عاد وحزن لأن هذا الإنسان موضع سرور الله قد هوى في بئر الخطية والشر.. إنه تعبير بشري يحمل معنى مدى نفور الله من الشر من جانب، ومدى شفقة الله على الإنسان الذي سقط وحلَّ به العقاب الإلهي من جانب آخر.. إن تعبير " حزن الله.. وتأسف في قلبه " يعبر عن مدى محبة الله للإنسان، وتعبير " ندم الله " يحمل معنى الشفقة الإلهية على ما آل إليه حال الإنسان، ولذلك قال المزمور عن الله " فنظر إلى ضيقهم إذ سمع صراخهم. وذكر لهم عهده وندم حسب كثرة رحمته" (مز 106: 44، 45) فعندما يخطئ الابن ويعاقبه الأب، لكيما يرده إلى جادة الصواب. كم يكون الأب متألمًا ونادمًا لما أصاب ابنه من العقاب؟! وهكذا يعاقب الله الإنسان ويتألم لألمه، وإن كان الندم ينشأ لدى الإنسان بسبب حدوث شيء لا يتوقعه، فإن مفهوم الندم لدى الله أنه غيَّر قضاءه بالنسبة للإنسان، فمحب البشر يهلك البشر!!.

 

4- إن كان الدكتور مصطفى محمود والأستاذ علاء أبو بكر وغيرهما يستنكرون خلع الصفات والمشاعر البشرية على الله، فكيف يقبلون ما ينسبه القرآن لله في قوله " يا حسرة على العباد ما يأتيهم رسول إلاَّ كانوا يستهزئون" (يس 36: 30) مع أن الحسرة أصعب من الندم؟! وكيف يقبلون قول القرآن عن الله " ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين" (آل عمراه 3: 54)..؟! وكيف يقبلون ما نسبه القرآن لله " إن كيدي متين" (الأعراف 7: 183) ..؟! وكيف يقبلون دعوة الله بالضار..؟! وقال الإمام فخر الدين الرازي " جميع الأعراض النفسانية، أعني الرحمة والفرح والسرور والغضب والحياء والمكر والاستهزاء، لها أوائل ولها غايات، مثاله الغضب، فإن أوله غليان دم القلب، وغايته إرادة إيصال الضرب إلى المغضوب (عليه) فلفظ الغضب في حق الله لا يحمل على أدلة الذي هو غليان دم القلب، بل على غرضه هو إرادة الأضرار. وكذلك الحياء له أول وهو انكسار يحصل في النفس، وله غرض وهو ترك الفعل، فلفظ الحياء في حق الله يحمل على ترك الفعل لا على انكسار النفس".

St-Takla.org Image: However everyone else was disobeying God. People were treating each other very badly. (Genesis 6: 11) - "Noah and the ark" images set (Genesis 6:9 - Genesis 9:17): image (2) - Genesis, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media صورة في موقع الأنبا تكلا: "وفسدت الأرض أمام الله، وامتلأت الأرض ظلما" (التكوين 6: 11) - مجموعة "نوح والفلك" (التكوين 6: 9 - التكوين 9: 17) - صورة (2) - صور سفر التكوين، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

St-Takla.org Image: However everyone else was disobeying God. People were treating each other very badly. (Genesis 6: 11) - "Noah and the ark" images set (Genesis 6:9 - Genesis 9:17): image (2) - Genesis, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media

صورة في موقع الأنبا تكلا: "وفسدت الأرض أمام الله، وامتلأت الأرض ظلما" (التكوين 6: 11) - مجموعة "نوح والفلك" (التكوين 6: 9 - التكوين 9: 17) - صورة (2) - صور سفر التكوين، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

وقال الشيخ محيي الدين ابن العربي في الباب الثالث من الفتوحات " جميع ما وصف الحق تعالى به نفسه من خلق وإحياء وإماتة ومنع وعطاء ومكر واستهزاء وكيد وفرح وغضب ورضا وضحك وتبشيش وقدم ويد ويدين وأيد وعين واعين، وغير ذلك كله نعت صحيح لربنا، ولكن على حد ما تقبله ذاته، وما يليق بجلاله".

 

5- يقول " أ. ف. كيفن".. " من المُسلَّم به أن التحدث عن حزن الله، إنما هو في الواقع تعبير بشري، إلاَّ أن هذه الكلمات لا تخلو من الإشارة إلى غضب الله فعلًا. إن البحث الخاص بحكمة الله هو أمر غامض، لكن الله المُعلَن لنا في الكتاب يمكن أن يشعر بالحزن، ويتأسف، وهو يتأثر نتيجة لسلوك البشر، ومع ذلك فمجال تصوُّر الإله العالِم بكل شيء يندم على عمل أتاه. إن ندم الله ليس تغييرًا في المقاصد، لكنه تغيير في الفكر، إذًا فكلمة الندم في لغة البشر تعني هذا التغيير، على أن الله لا يغير فكره قط، ففكره ثابت من جهة المحبة والقداسة، لكن متى تغيَّر الإنسان في تصرفه، تغيَّر الله في موقفه. إن هذا التعبير "فحزن الرب" هو مجرد تعبير بلغة البشر يبين أن موقف الله بالنسبة للإنسان المخطئ لا بُد أن يختلف عن موقفه بالنسبة للإنسان المطيع"(4).

 

6- يقول "ج. س. كونيل".. "هذا تعبير بشري لتقريب طرق الله غير المحددة لعقول البشر المحددة. فالله لا يندم كما يندم الناس، كمن أخطأ أو وهن عن تنفيذ مقاصده، فالله " يندم " أي يغيّر مجريات الأمور التي أعلنها مقدمًا ولا يغير مقاصده الأزلية فإن صلوات شعبه أو تغييرهم لسلوكهم يغيران الظروف التي فيها نطق بحكمه ذلك"(5).

 

7- يقول نيافة المتنيح الأنبا غريغوريوس " إن الله لا يندم كما يندم الإنسان، فإن الندم في الإنسان (يرجع) إلى جهل الإنسان وقصور علمه، فيندم لأنه لم تأتِ النتائج كما كان يتوقعها، أو كما كانت في حسبانه، وليس الله كالإنسان في ذلك، فإنه كقول الكتاب المقدَّس (معلومة عند الرب منذ الأزل جميع أعماله) (أع 15: 18).. إن الله لا ينفعل بالندم كما ينفعل الإنسان، لأن الانفعال ضعف. أما الله فهو (القادر على كل شيء) (تك 48: 3).. وإذًا فالله تعالى لا يندم كما يندم الإنسان، لأن الندم في الإنسان دليل جهله وعدم علمه، ودليل ضعفه. أما الله فهو يجل عن الجهل ويجل عن الضعف. إذًا لماذا ينسب الكتاب المقدَّس في بعض المواضع الندم إلى الله؟

لا بد أن نذكر إنه لما كان الكتاب المقدَّس هو رسالة الله إلى الإنسان، فكان لا بُد أن يستعمل في مخاطبة الإنسان لغة يفهمها الإنسان، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وإلاَّ لكان الله يكلم الإنسان بلغة لا يفهمها، فكيف يتعامل الله مع الإنسان بغير لغة الإنسان؟ وهذا هو السبب في أننا نجد نصوصًا كثيرة في الكتاب المقدَّس، ينسب الله فيها إلى ذاته ما هو مألوف لدى الإنسان، فينسب إلى الله قبل التجسد أن له عينين، وأذنين، ويدين، ورجلين، وأنفًا، وقلبًا، وجناحين. كما لو كان الله إنسانًا. وهذا ما يُعرف في علم اللاهوت بمنهج (تشبيه الله بالإنسان) ANTHROPOMORPHISM وذلك لكي تصل المعاني الإلهية إلى الإنسان بلغة قريبة إلى فهم الإنسان..

وعلى ذلك فإن كان الكتاب المقدَّس ينسب إلى الله أنه ندم، فهو من قبيل تشبيه الله بالإنسان للدلالة على أن الله غير راضٍ عن الإنسان الذي ضل وغوى، وعوَّج طريقه، فالندم إذًا نسبه الكتاب المقدَّس إلى الله، فمعناه أن الإنسان إذا عوَّج عن طريق الاستقامة والعدل، فلا بُد أن يتغير موقف الله منه، فتتبدل رأفته إلى عقاب، وليس هذا معناه أن الله في ذاته قد تغيَّر، إنما التغيُّر هو من جانب الإنسان، وبالتالي يتغيَّر حكم الله عليه، لأن الله عادل، والعدل الإلهي يقتضي أن يُجزى البشر على حسب أفعالهم"(6).

 

8- تقول دكتورة نبيلة توما " لا يعني أن الله ندم أو تأسف أنه تغيَّر، لأن الله لا يتغيَّر، فهو يكره الخطية ويعاقب عليها، مع أنه يحب الإنسان الخاطئ، وينذره حتى يتوب ولا يحق عليه العقاب الإلهي، فإن تمسك هذا الإنسان بخطيته فإنه يهلك، والله لا يشمت بهلاكه إنما يحزن عليه"(7).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) التوراة ص 12.

(2) التوراة ص 21 - 25.

(3) المرجع السابق ص 43 - 46.

(4) مركز المطبوعات الدولية - تفسير الكتاب المقدَّس جـ 1 ص 159.

(5) المرجع السابق ص 266.

(6) مقالات في الكتاب المقدَّس جـ 3 ص 115 - 119.

(7) من إجابات أسئلة سفر التكوين.

(8) راجع جرجس إبراهيم صالح - الرد على كتاب التناقض في تواريخ وأحداث التوراة ص 44، 45.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/411.html

تقصير الرابط:
tak.la/hgrmx45