يقول "علاء أبو بكر": "في كل التاريخ الذي سجله الكتاب عنه والحروب التي خاضها ضد أعدائه ومطارداته لداود يقول الكتاب أن مدة حكمه سنتين فقط، الأمر الذي لا يستريح إليه علماء الكتاب المقدَّس أنفسهم... فعلى أي أساس حددوا أن مدة حكمه سنتين أو أربعين سنة طالما أن هذه المدة تالفة في النص العبراني ؟ فأنظر إلى علماء الكتاب المقدَّس الذين يُكذِبون كلمة الرب، ويرفضون أنها (40)، فيحددها (Oxford Bible Atlas) ص 18 أن شاول قد حكم لمدة 20 سنة في الفترة بين 1025 - 1005 ق.م"(1).
ويعلق الأستاذ " محمد قاسم محمد " عن مدة حكم شاول سنتين فيقول: "ورد ذلك في (1صم 13: 1) بينما يذكر الدكتور أحمد سوسه " العرب واليهود في التاريخ"(2) أن حكم شاول قد استمر 15 سنة بين سنتي 1025 - 1010 ق.م. ويُذكَر في Oxford Bible Atlas(3) أن شاول قد حكم لمدة عشرين سنة في الفترة من 1025 - 1005 ق.م.، ولكن لم يوضح أي من هذين المصدرين السبب في ذكر هذه المدد (20 أو 15) وكل المراجع التي ذكرها د. أحمد سوسه لا تدل على مدة حكم شاول وإنما على واقعة إنتحاره وصلبه فقط"(4).
ج: قال الكتاب " كان شاول ابن سنة في ملكه وملك سنتين على إسرائيل" (1صم 13: 1) وقول الكتاب واضح جدًا، ودعنا يا صديقي نفند آراء النُقَّاد ونرد عليها:
أولًا: "كان شاول ابنة سنة في ملكه".. وهنا نلاحظ الآتي:
1- أي أنه أمضى في ملكه مدة عام، وليس كما يدَّعي النُقَّاد أن شاول مَلَكَ عندما كان عمره عامًا واحدًا، لأن الكتاب لم يقل " كان شاول ابن سنة حين مَلَكَ " بل قال " كان شاول ابن سنة في ملكه " فعندما نقول أن الرئيس ابن سنتين في رئاسته، أو أن الموظف ابن يومين في وظيفته الجديدة، فإننا بلا شك نقصد المدة التي أمضاها الرئيس في الرئاسة وهي عامين، أو المدة التي أمضاها الموظف في وظيفته الجديدة وهي يومان، ومثلها عندما نذكر طيب الذكر بابانا الحبيب قداسة البابا شنودة الثالث ونقول: كان ابن واحد وأربعين سنة في حبريته، فبلا شك نحن نقصد المدة التي أمضاها على كرسي مارمرقس رئيسًا للكهنة، ولا نقصد إجمالي عمره.
2- عندما كان الكتاب يريد أن يحدّد عمر الشخص عندما تولى الملك، فأنه كان يذكر هذا بعبارات واضحة، وغالبًا ما يذكر اسم أمه التي ولدته، مثل قوله: "وكان رحبعام ابن إحدى وأربعين سنة حين مَلَكَ ومَلَكَ سبع عشرة سنة... وأسم أمه نعمة العمونية" (1مل 14: 21).. " ملك أمصيا بن يواش ملك يهوذا. كان ابن خمس وعشرين سنة حين ملك. وملك تسعًا وعشرين سنة في أورشليم واسم أمه يهوعدَّان من أورشليم" (2مل 14: 1، 2).0 إلخ.
3- عندما قال الكتاب " كان شاول ابن سنة في ملكه " أراد أن يشير إلى أمرين:
أ - طبيعة السنة الأولى التي مرت على شاول في المُلك وهو يعيش حياته الطبيعية ولم يمارس الحكم، لأنه لم يحظى برضى جميع الشعب خلال هذا العام، بل كان هناك أناس أشرار من بني بليعال معارضين لملكه.
ب - حرب ناحاش التي حدثت مع نهاية هذا العام الأول فقد تصدى شاول لناحاش العمُّوني وانتصر عليه، وعقب هذه النصرة قاد صموئيل الشعب إلى الجلجال حيث جدَّدوا هناك المملكة و" ملَّكوا هناك شاول أمام الرب في الجلجال... وفرح هناك شاول وجميع رجال إسرائيل جدًا" (1صم 11: 15) وفي هذه المناسبة حاكم صموئيل الشعب وكشف لهم عن خطيتهم وأشهد عليهم السماء التي أمطرت وأعطت رعودًا (1صم 12) ثم جاءت الآية التالية مباشرة " وكان شاول ابن سنة في مُلكه" (1صم 13: 1) أي لهذه اللحظة كان قد مرَّ العام الأول من مُلك شاول.
4- الذي كتب هذه العبارة هو صموئيل النبي الذي يحكي قصة شاول خلال إصحاحات طويلة، فهو الذي حكى لنا قصة لقائه مع شاول رجلًا كبيرًا ناضجًا، ويوم تنصيبه قال عنه: "فوقف بين الشعب فكان أطول من كل الشعب من كتفه فما فوق" (1صم 10: 23).
ثانيًا: "وملك سنتين على إسرائيل".. وهنا يجب ملاحظة الآتي:
1- أراد الكاتب أن يؤرّخ لحدث آخر حدث بعد مرور سنتين من مزاولة شاول لمُلكه غير السنة الأولى التي أمضاها شاول في منزله وحقله، وهذا الحدث ذُكر بعد هذه العبارة مباشرة، وهي بداية تكوين جيش نظامي، وظهور النظام الملكي في مراحله الأولى، ولذلك جاءت الآية التالية مباشرة: "واختار شاول لنفسه ثلاثة آلاف من إسرائيل فكان ألفان مع شاول في مخماس وفي جبل بيت إيل وألف كان مع يوناثان في جبعة بنيامين" (1صم 13: 2).
2- لم يقل الكتاب أن مُلك شاول انتهى بانتهاء السنتين، إنما أوضح الكتاب في موضع آخر أنه مَلَكَ أربعين سنة، فقال بولس الرسول " ثم طلبوا ملكًا فأعطاهم شاول بن قيس رجلًا من سبط بنيامين أربعين سنة" (أع 13: 21)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. مع ملاحظة المكانة العظيمة لشاول الطرسوسي كشخصية يهودية بارزة متعلّمة مثقفة قد تعلَّم تحت قدمي غمالائيل مُعلم الناموس، ولا بُد أنه كان يعرف جيدًا حياة شاول الملك، لأنه سميُّه الذي تسمى باسمه، كما أن الاثنان كانا من سبط بنيامين، وأيضًا لا يجب أن نغفل دور الوحي الإلهي في عصمة الكاتب من أي خطأ أثناء تسجيله الأسفار المقدَّسة. أما الناقد فأنه يأخذ عبارة واحدة دون الالتفات إلى بقية النصوص التي تناقش نفس الموضوع، وكلنا يعرف مخاطر الاعتماد على الآية الواحدة.
ثالثًا: التفسير الروحي:
1- عندما ذكر الكاتب أن شاول كان ابن سنه في مُلكه، فهو كان يقصد عمره الروحي، منذ لقائه مع صموئيل النبي وقد أعطاه الله قلبًا آخر جديدًا، فمن هذه اللحظة بدأ عمره الروحي: "وكان عندما أدار كتفه لكي يذهب من عند صموئيل أن الله أعطاه قلبًا آخر" (1صم 10: 9) وعندما بدأ يتنبأ مع بني الأنبياء تساءل البعض: ومن هو أبوهم؟ أي مادام أبوهم الروحي هو صموئيل النبي العظيم فلا غرابة في أن يتنبأوا، فقد صار شاول الابن الروحي لصموئيل النبي: "قال الشعب الواحد لصاحبه ماذا صار لإبن قيس أشاول أيضًا بين الأنبياء. فأجاب رجل من هناك وقال ومن هو أبوهم؟" (1صم 10: 11، 12) إذًا صموئيل النبي عندما كتب أن شاول كان ابن سنة في مُلكه فهو كتب هذا عن قصد لإظهار عمره الروحي، وعندما قال أيضًا ومَلَكَ سنتين، وهو الذي عاصر شاول سنينًا طويلة يعرف جيدًا أن حكم شاول استمر سنين طويلة... فماذا قصد بقوله أنه مَلَكَ سنتين..؟ لقد قصد المدة التي سلك فيها شاول بإستقامة وأرضي الرب فيها، وهي الفترة التي عاصرت أحداث الإصحاحين الثالث عشر والرابع عشر من هذا السفر، ثم رفض شاول كلام الرب فرفضه الرب: "فقال صموئيل لشاول لا أرجع معك لأنك رفضت كلام الرب فرفضك الرب من أن تكون ملكًا على إسرائيل" (1صم 15: 26). فهذه هي فترة حكمه التي كانت مقبولة أمام الله وهي سنتين لا أكثر. ثم ملَك شاول ثمانية وثلاثين سنة أخرى وهو تحت حكم الرفض من الله.
2- قال بعض النُقَّاد أن الترجمة السبعينية تغافلت ذكر السنة والسنتين وتركت فراغًا، وهذه حقيقة ترجع لعدم فهم المترجم قصد صموئيل النبي وهو يكتب هذا، ونحن نعوّل على الأصل العبري الذي جاء فيه أن شاول كان ابن سنة في مُلكه ومَلَكَ سنتين، وهناك عدد كبير من النسخ العبرية، وأيضًا النسخة اللاتينية والسريانية (البشيطا) وترجمة كنج جيمس الإنجليزية، والفرنسية، وفانديك العربية والكثير والكثير ذكر السنة والسنتين، وحتى عندما صدرت ترجمة نيو كينج جيمس وقامت بتنقيح وتدقيق ترجمة كنج جيمس لم تقترب من هذا النص، وهذا يؤكد صحة النص، ويجب أن نعي تمامًا ونفهم وندرك أن الترجمات ليست وحيًّا، والوحي قاصر على النص الأصلي، فلا ننزعج عندما يظهر ببعض الترجمات بعض الضعفات، لأنها قابلة للتنقيح، فمثلًا ترجمة فانديك التي بين أيدينا ترجمت كلمة "قسوس" إلى شيوخ، و"تقليد" إلى تعليم، وقول الملاك للعذراء "سلام لكِ أيها الممتلئة نعمة" إلى "سلام لكِ أيتها المُنعم عليها".
_____
(1) البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ 1 س399 ص 283.
(2) ص499.
(3) ص18.
(4) التناقض في تواريخ وأحداث التوراة ص 380.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1111.html
تقصير الرابط:
tak.la/pwr6d2q