يقول " زينون كوسيدوفسكي": "لم يرفض صموئيل، بإعطائه السلطة لشاول، دوره القيادي في البلاد، فهو ككاهن أعلى وممثل ليهوه على الأرض، اعتبر أن من حقه كالسابق تقرير مصير الإسرائيليين، وكان واثقًا من أنه أسمى من بقية الشعب، ومن الملك، وأن على هذا الأخير أن يطيعه، ولكي يثبت قدرته الإلهية إستنزل المطر وعمل الصواعق، رغم أن الوقت كان وقت حصاد، وقد خاف الإسرائيليون من يهوه ومن صموئيل أيضًا لما رأوا ذلك فهموا أنهم أغضبوه لما طلبوا منه تنصيب ملك عليهم... بعد أن ضمن صموئيل لنفسه القرار الفصل في جميع الأمور الدينية والسياسية عاد إلى رامتايم، مقر الكاهن الأعلى آنذاك"(1).
ويقول " ليوتاكسل": "والحقيقة أن صموئيل لم يترك الحلبة بإرادته الطيبة! فقد قال في خطبته أن اليهود أضافوا إثمًا جديدًا إلى آثامهم السابقة عندما طلبوا ملكًا عليهم... ولكي يبرهن لليهود مرة أخرى مدى قربه من يهوه، صنع صموئيل عجيبة من تلك التي لا نجدها إلاَّ في التوراة. قال صموئيل لإسرائيل كله: "فالآن أمثلوا أيضًا وأنظروا هذا الأمر العظيم الذي يفعله الرب أمام أعينكم. أما هو حصاد الحنطة اليوم. فإني أدعو الرب فيعطي رعودًا ومطرًا فتعملون وترون أنه عظيم شرُّكم الذي عملتموه في عيني الرب بطلبكم لأنفسكم ملكًا.." (1صم 12: 16 - 18) إن إستقالة صموئيل لم تكن سوى مناورة سياسية في غاية الذكاء والحكمة"(2).
ج: 1- عندما طلب الشعب ملكًا عليهم، فهم بهذا أعلنوا رفضهم لمُلك الله عليهم، ولذلك في يوم تنصيب شاول ملكًا أراد صموئيل النبي أن يكشف أمام أعينهم هذه الخطية التي سقطوا فيها، فذكَّرهم بعناية الله ورعايته لشعبه على مدار التاريخ، ثم أشهد عليهم السماء " فدعا صموئيل الرب فأعطى رعودًا ومطرًا في ذلك اليوم. وخاف جميع الشعب الرب وصموئيل جدًا" (1صم 12: 18) وأدرك عندئذ الشعب كله أنه مهما كانت قوة ملكهم الذي أختاروه فأنه يعجز تمامًا عن أن يفتح أبواب المطر في وقت الصيف أو غير الصيف، ولذلك أحسُّوا بخطيتهم وقالوا لصموئيل: "صلّ ِ عن عبيدك إلى الرب إلهك حتى لا نموت. لأننا قد أضفنا إلى جميع خطايانا شرًا بطلبنا لأنفسنا ملكًا" (1صم 12: 11).. فماذا فعل صموئيل النبي..؟ " قال صموئيل للشعب لا تخافوا. أنكم قد فعلتم كل هذا الشر ولكن لا تحيدوا عن الرب بل أعبدوا الرب بكل قلوبكم" (1صم 12: 20) وأوصاهم أن لا يسعوا وراء الأباطيل وطمأنهم قائلًا: "لأنه لا يترك الرب شعبه من أجل اسمه العظيم. قد شاء الرب أن يجعلكم له شعبًا. وأما أنا فحاشا لي أن أخطئ إلى الرب فأكفَّ عن الصلاة من أجلكم بل أعلمكم الطريق الصالح المستقيم. إنما اتقوا الرب واعبدوه بالأمانة" (1صم 12: 22 - 24) فهوذا صموئيل النبي يواصل رسالته الأساسية وهي تعليم الشعب والصلاة من أجله، فهو لم يقدم استقالته ولم يناور ولم يستعرض قوته الخارقة.
2- (أ) لم تكن غيرة صموئيل من أجل نفسه أو لكرامته، بل غار غيرة الرب لأنهم طلبوا ملك أرضي، ولم يقصد صموئيل عزل الملك، بل أراد أن يوضح للشعب أن الله سمع لهم وأقام لهم ملكًا، فإن إلتزموا بوصاياه فأنه سيباركهم ويبارك ملكهم.
(ب) قدم صموئيل النبي هنا حديثًا وداعيًا وصريحًا، أشهد فيه الشعب أمام الله وأمام الملك على أمانته من نحوهم وعدم استغلاله لهم.
(ج) كان على صموئيل النبي في بداية عهد شاول كملك أن يزوده ببعض النصائح لكيما يتسلم مسئوليته الجديدة ويكون أمينًا تجاه نفسه وتجاه شعبه، ولا يشتهي شيئًا مما لشعبه... ففيما يظهر صموئيل أمانته ونزاهته فأنه يقدم درسًا عمليًا للقائد الجديد.
(د) لم ينفي صموئيل النبي اعترافه بسلطان شاول كملك شرعي للبلاد، بل قال " هوذا الملك يمشي أمامكم" (1صم 12: 2) فإن كنتُ قد أخطأت فليحكم عليَّ.
(هـ) قال صموئيل النبي ذلك تمهيدًا لما بعد ذلك، فأنه مزمع أن يقدم إنذارًا للشعب والملك، وبلا شك أن هذا الإنذار لا يُقبل منه إن لم يكن أمينًا ونزيهًا.
3- هل الشعب بطلبهم لأنفسهم ملكًا سحبوا السجادة من تحت قدمي صموئيل النبي..؟! كلاَّ... فصموئيل النبي كان بمثابة قاضيًا للشعب، وكاهن، ونبي، وعندما تولى شاول المسئولية، تنازل صموئيل عن دوره السياسي والعسكري، لكنه ظل يمارس القيادة الدينية والروحية للشعب، وظل يمثل صوت الله للشعب، فلم تُسحب السجادة من تحت قدمه كما يقول النُقَّاد لأنه لم يكن قاضيًا فقط، والإصحاحات التالية لمُلك شاول تبين أن صموئيل لم يترك دوره الروحي، بل كان هو رجل الله الذي يصلي ويتشفع من أجل شعبه.
4- هل أراد صموئيل النبي باستنزال المطر أن يثبت قدرته الخارقة؟ كلاَّ... بل أراد أن يبين قدرة الله الملك العظيم الذي تمردوا عليه وطلبوًا ملكًا أرضيًا، فبين لهم أن الله إله إسرائيل له سلطان على كل الطبيعة، فكانت هذه المعجزة هي مثال عملي سريع، وأيضًا في حديثه أوضح مدى عناية الرب بهم ودفاعه عنهم على مدى التاريخ، ليس في فترة قضاؤه هو فقط بل على مدى تاريخهم الطويل منذ تاريخ أبائهم، فذكر لهم موسى وهرون ويعقوب وجدعون وبدان ويفتاح، ثم ذكر بعد ذلك اسمه هو (صموئيل) ليوضح لهم أن الله هو هو الذي عمل في كل هؤلاء هو أيضًا الذي يقضي عن طريقه.
وعندما يقول ليوتاكسل أن استقالة صموئيل لم تكن إلا مناورة سياسية في غاية الذكاء والحكمة، نقول له أن صموئيل لم يكن رجل مناورات سياسية بل كان رجل الله، وينفذ كلام الله، ولو كان رجل مناورات سياسية لترك الشعب وملكهم يسقطون في الأخطاء، دون أن ينذرهم وينصحهم ويصلي من أجلهم، وما كان يتعاون مع شاول فيما هو صالح وجيد.
5- صموئيل النبي العظيم هو مثال للخادم الروحي المستنير، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فمحور اهتماماته إرضاء الله، هو الخادم الأمين لسيده ولم يكن يومًا خادمًا لذاته، ولم يهتم قط أن تكون له الصدارة والرئاسة، إنما كان جل اهتمامه تمجيد اسم الله، ومن أجل هذا كان يساند الملك في تصرفاته الصحيحة فقط، بينما كان يقف له بالمرصاد في كل تصرف خاطئ، وعندما مسح داود عوضًا عن شاول، وعانى داود الكثير والكثير على يد شاول الذي سعى لاقتناص نفسه، كان صموئيل خير معين لداود، وظل صموئيل أمينًا في خدمته للنفس الأخير يُعلّم شعبه ويرشده، ولم يستقل من العمل الذي ألقي على كاهله.
6- لم يكن صموئيل النبي إنسانًا متكبرًا يشعر أنه أسمى من بقية الشعب، وإلاَّ لحسبت له هذه خطية، وعاقبه الله عليها، وهل الكتاب المقدَّس الذي ذكر خطايا الأنبياء سيجد حرجًا في ذكر خطية كبرياء صموئيل لو كانت هذه حقيقة؟! والحقيقة أن صموئيل النبي لم يكن إنسانًا متكبرًا إنما هذا اتهام باطل يفتقر للدليل، وأيضًا لم يقصد صموئيل النبي بنزول المطر إظهار قوته الخارقة، لأن المطر لم ينزل بقوة صموئيل، ولا يستطيع إنسان مهما كانت إمكاناته جبارة أن يسقط الأمطار في وقت جفاف أو غير جفاف. كل ما فعله صموئيل أنه صلى واستجابت له السماء، وشهد بهذا المرنم عندما قال: "موسى وهرون بين كهنة وصموئيل بين الذين يدعون باسمه. دعوا الرب وهو استجاب لهم" (مز 99: 6) ولم يكن صموئيل هو الحالة الفريدة في التاريخ ففيما بعد سيظهر إيليا النبي الذي يغلق ويفتح أبواب السماء، ويقول عنه الكتاب: "طلبة البار تقتدر كثيرًا في فعلها. كان إيليا إنسانًا تحت الآلام مثلنا وصلى صلاة أن لا تمطر فلم تمطر على الأرض ثلاث سنين وستة أشهر. ثم صلى أيضًا فأعطت السماء مطرًا وأخرجت الأرض ثمرها" (يع 5: 16 - 18).
_____
(1) ترجمة د. محمد مخلوف - الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 129.
(2) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 282، 283.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1110.html
تقصير الرابط:
tak.la/2pbg9as