يقول " ليوتاكسل": "أما النُقَّاد... لا يعترفون بقدرة مثل هذا " الملك " على استنفار جيش قوامه 330000 مقاتل خلال خمسة أيام، خاصة وأن ذلك وقع في زمن يعترف المؤلف نفسه، بأن الإسرائيليين كانوا فيه عبيدًا عند الفلسطينيين، بزمن لم يكن فيه لدى اليهود - كما تقول التوراة - سيف أو رمح، أو أي سلاح معدني"(1).
ج: 1- استعرض ناحاش ملك بني عمون قوته وأراد الانتقام من بني إسرائيل فهاجم أهل يابيش جلعاد فطلبوا منه أن يقطع لهم عهدًا وهم سيكونون له عبيدًا ويدفعون له الجزية، وبلغ الغرور والإفتراء بهذا الرجل إلى أنه طلب منهم طلبًا لم يطلبه ملك من شعب من قبل " فقال لهم ناحاش العمُّوني بهذا أقطع لكم. بتقوير كل عين يمنى لكم وجعل ذلك عارًا على جميع إسرائيل" (1صم 11: 2) فأنه يريد أن يذل كل شعب إسرائيل في شخص الجلعاديين بأن يجعلهم كلهم عور، وطلب شيوخ يابيش مهلة سبعة أيام، ومن كثرة غروره تركهم، فهو يعرف أنه لا يوجد من يجرؤ أن يخلصهم من قبضته، وعندما رفع بنو إسرائيل صوتهم بالبكاء في عودة شاول من الحقل " فحل روح الله على شاول عندما سمع هذا الكلام وحمى غضبه جدًا. فأخذ فدان بقر وقطَّعه وأرسل إلى كل تخوم إسرائيل بيد الرسل قائلًا من لا يخرج وراء شاول ووراء صموئيل فهكذا يُفعل ببقره. فوقع رعب الرب على الشعب فخرجوا كرجل واحد" (1صم 11: 6، 7) فأجتمع إليه 330 ألفًا.
2- يجب أن نلاحظ الآتي:
أ - عمل روح الله من أجل هذا الشعب المستكين إذ حلَّ على شاول فوهبه شجاعة وإقدام وغيرة وقوة، كما حدث مع جدعون من قبل.
ب- وقع رعب الرب على الشعب أي صارت فيهم مخافة الله، والذي تسكنه مخافة الله لا يخشى من أحد قط، فخرجوا كرجل واحد وتجمع كل هذا العدد، وهذا أمر لم يتوقعه لا الشعب الذي كان يبكي منذ قليل ولا ناحاش الذي أمهل أهل يابيش سبعة أيام.
جـ- كان الشعب أمام محنة عظيمة ووجدوا الحل والخلاص من هذا العار وهذه الورطة، في نداء شاول، فأسرع الشعب وراءه.
د - ألحَّ بنو إسرائيل على صموئيل لكيما يقيم لهم ملكًا يحارب حروبهم ويدافع عنهم، فكثيرًا ما أذلتهم الشعوب في عصر القضاة، ولذلك كانوا يشتاقون لرد اعتبارهم، وكانت هذه هي التجربة الأولى التي تواجه الشعب وقد صار لهم ملك، لذلك لم يجد الشعب مناص من الاستجابة لنداء شاول.
هـ- استخدم شاول اسم صموئيل، ليُذكّر الشعب أنه الملك المختار من الله والذي مسحه صموئيل النبي، لكيما يكون حافز لتحريك الشعب قائلًا: "من لا يخرج وراء شاول ووراء صموئيل".
و - كان لتهديد شاول الأثر القوي والدافع في تجمع كل هذا العدد، فالذي لم يخرج برغبته خرج خوفًا على مواشيه.
ز - لعل شاول استلهم فكرة تقطيع البقرتين من اللاوي الذي اعتدى أهل جبعة على آمته حتى فقدت الحياة فقطَّعها 12 قطعة وأرسلها إلى جميع تخوم إسرائيل، فكان هذا مثار الدهشة، فاجتمع من الأسباط 400 ألف وحاربوا سبط بنيامين فأفنوا السبط باستثناء 600 رجل تزوج منهم 400 من فتيات يابيش جلعاد (قض 19 - 21) ويجب ملاحظة أن هناك قرابة خاصة بين أهل يابيش سبط بنيامين.
ز - لم يكن لبني إسرائيل جيش نظامي بعد، ولكنهم إعتادوا في وقت الخطر أن يخرج كل واحد بسيفه على نفقته الخاصة إلى ساحة الحرب، وإلاَّ حُسب ذلك عارًا عليه وعلى أسرته وعشيرته، وبعد أن حقَّق شاول النصر على ناحاش وجيشه اختار لنفسه ثلاث آلاف من المقاتلين من بني إسرائيل كنواة للجيش النظامي، احتفظ بألفين وجعل الألف الثالثة تحت إمرة يوناثان ابنه في جبعة بنيامين (1صم 13: 2)، وجعل شاول معسكره في قرية "مخماس" التي تبعد نحو تسعة أميال من أورشليم.
3- عدد الثلثمائة وثلاثين ألفًا عدد غير مُبالغ فيه، فقد سبق وتجمع من بني إسرائيل أربعمائة ألف للتصدي لسبط بنيامين عقب أحداث جبعة بنيامين (قض 20: 2) كما أن الذين خرجوا مع شاول لم يكن جيشًا نظاميًا مرتبط بسن معين، بل خرج معه من هم دون العشرين ومن هم الذي تعدوا الستين من عمرهم.
4- هذه الحرب حدثت بعد تنصيب شاول ملكًا، وقبل تنصيبه كانت الأمور تميل لصالح بني إسرائيل حيث تشفَّع عنهم صموئيل النبي وأصعد حملًا رضيعًا مُحرقة للرب، بينما كان الفلسطينيون يتقدمون لمحاربتهم " فأرعد الرب بصوت عظيم في ذلك اليوم على الفلسطينيين وأزعجهم فأنكسروا أمام إسرائيل... فذلَّ الفلسطينيون... والمدن التي أخذها الفلسطينيون من إسرائيل رجعت إلى إسرائيل من عفرون إلى جت" (1صم 7: 10 - 14) فمن قال أن بني إسرائيل في حربهم مع ناحاش لم يكن معهم سيف أو رمح أو أي سلاح معدني..؟! لقد خلط الناقد بين وضع بني إسرائيل في أيام ناحاش ووضعهم فيما بعد (1صم 13: 22).
_____
(1) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 282.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1107.html
تقصير الرابط:
tak.la/25za5n7