يقول " علاء أبو بكر": "غريب جدًا كاتب هذا السفر! ألم يعلم أن تنصيب القضاة (الأنبياء) حق من حقوق الله وليس للنبي أو الشعب دور فيه؟ والأغرب من ذلك أن يسوء الأمر في عيني النبي صموئيل! فهل كان يريد استمرار إبنيه في الحكم والقضاء على الرغم من فسادهما؟ أم هو التشويه المتعمد للأنبياء وقدوة الناس الذين يتبعهم بني إسرائيل في كتابهم؟ والأغرب من ذلك هو تعاطف الرب معهم ودفاعه عنهم وتوعده بني إسرائيل نتيجة رفضهم هؤلاء الظالمين المرتشين! هل أدركتم ما معنى ذلك؟ أن معناه أن بني إسرائيل أعدل من الرب وأنبيائه وأحكم منهم؟ هل يليق هذا بجلال الله وقدسيته"(1).
ويقول الأستاذ " محمد قاسم محمد": "إذا كان الرب يختار القضاة الذين يمثلون حكمه، فكيف أختار قضاة فاسقين (إبنا عالي وإبنا صموئيل) بل أن الرب قد قطع ذراع بيت عالي وأبيه من الكهانة بسبب ذلك. وإذا كان الرب لا يختار القضاة، فإن القضاة الفاسقين - في هذه الحالة - لا يمثلون حكم الرب، وبالتالي فإن رفض بني إسرائيل لا يمثل رفضًا لحكم الرب. إذا كان الرب يعتبر طلبهم ملكًا كسائر الشعوب يعتبر رفضًا لمملكة الله، فبماذا تفسر ما جاء في (تث 17: 14 - 20) {فإن قلت أجعل عليَّ ملكًا كجميع الأمم الذين حولي، فأنك تجعل عليك ملكًا الذي يختاره الرب إلهك} ثم يحدد مواصفات هذا الملك، ومادام الرب هو الذي يختار الملك، فكيف يكون طلب الملك رفضًا لحكم الرب..؟ الرب هو الذي يحدد الملك والكاهن يمسحه مثلما حدث مع شاول وداود، وليس للشعب دور في اختيار الملك"(2).
ج: 1- عندما كان يخطئ الشعب ويضل، كانت نعمة الله تتخلى عنه، فيسقط تحت عبودية شعوب الأرض، فيصرخ لله فيرسل له قاضيًا، أي منقذًا ينقذ هذا الشعب، ولم يكن كل القضاة من سبط بعينه، وكان عمل القاضي الأساسي عمل عسكري، وأحيانًا يقضي بين الناس، ويعيش وسطهم، وتخلو حياته من مظاهر المُلك، فمتى إنتهت الحرب يعود كل إنسان إلى بيته وكذلك القاضي يعود إلى بيته وعمله، فهو ليس له حاشية ولا مشيرين ولا قصر ملكي وحرس خاص به، ولا يُورّث وظيفته لأحد أولاده... إلخ بينما وظيفة الملك أوسع وأشمل إذ يقوم بالعمل السياسي والمدني والعسكري، يحيط به مشيريه، وله الجيش النظامي والحرس الخاص به، ويعيش في قصر، ويُورّث ابنه الحكم.
2- لماذا طلب الشعب ملكًا عليهم؟
أ - لأن صموئيل قد شاخ ولم يسلك إبناه في طريقه، بل عوَّجا القضاء وقبلا الرشوة، فلم يكونا أهلًا لقيادة الشعب (1صم 8: 51).
ب- كانت الأسباط تعيش في جزر منفصلة فحلم الشعب بملك يُوحّد الأسباط جميعًا في مملكة واحدة وجيش واحد.
جـ- أراد الشعب ملكًا يحميهم من التهديدات الخارجية مثل تهديدات بني عمون والفلسطينيين وغيرهما (1صم 11: 1، 13: 5) كقول صموئيل النبي لهم: "ولما رأيتم ناحاش ملك بني عمون أتيا عليكم قلتم لي لا بل يملك علينا ملك والرب إلهكم ملككم" (1صم 12: 12).
د - أراد الشعب التشبه بالأمم الذين يتفاخرون بملوكهم.
3- عندما سمع صموئيل النبي أن إبنيه عوَّجا القضاء، وكان هو في الرامة Rama، وهما في بئر سبع بعيدين عنه، لا بُد أنه غضب من تصرفهما هذا، ولم يلم الشعب الذي رفض الحكم الفاسد، ولا بُد أنه أتخذ موقفًا حاسمًا تجاه أولاده، وعزلهم عن القضاء، ولم يعتبر صموئيل النبي أن رفض الشعب لحكم إبنيه الفاسد أنه رفض لحكم الله... فما الذي ساء في عيني صموئيل؟
الذي ساء في عيني صموئيل:
أ - الله في ظل حكم القضاة هو القاضي غير المنظور والملك غير المرئي، وهذا ما عبَّر عنه جدعون القاضي، فعندما طالبه الشعب بأن يملك عليهم هو وأولاده وأحفاده " فقال لهم جدعون لا أتسلط أنا عليكم ولا يتسلط ابني عليكم. الربُّ يتسلط عليكم" (قض 8: 23).. فعندما طلب الشعب ملكًا تشبهًا بالأمم كان هذا بمثابة خيانة وإنكار لعمل الله معهم الذي أخرجهم من أرض مصر بيد قوية وذراع رفيعة، حتى أن موسى في القديم رنَّم قائلًا: "الرب يملك إلى الدهر والأبد" (خر 15: 18) وقد أعطاهم أرض الميعاد، وأوفى بعهوده، وتعهدهم برعايته، وأرسل لهم أنبياء وأقام لهم قضاة.
ب- تصوَّر صموئيل هذا الطلب رفض لشخصه رغم أمانته وإخلاصه وبذله وخدمته لهم، وشفاعته من أجلهم " فقال الرب لصموئيل أسمع لصوت الشعب في كل ما يقولون لك. لأنهم لم يرفضوك أنت بل إياي رفضوا حتى لا أملك عليهم" (1 صم 8: 7) وفي الحقيقة أن الشعب لم يكن لديه إعتراض على صموئيل بل على أولاده.
جـ- رغب الشعب أن يكون له ملك مثل ملوك الأمم، ليتفاخروا بمظاهر العظمة الملوكية... لقد تشبهوا بأبائهم عندما غاب موسى عنهم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فقالوا لهرون " قم أصنع لنا آلهة تسير أمامنا" (خر 32: 1) وأيضًا طلبهم ملكًا يرجع لإهتزاز ثقتهم في حماية الله ورعايته لهم، ولذلك قالوا لصموئيل النبي: "فالآن أجعل لنا ملكًا يقضي لنا كسائر الشعوب" (1صم 8: 5).
4- الذين يقولون أن الرب قد أعطى شريعة المُلك (تث 17: 14 - 20) منذ أيام موسى، فلماذا غضب عندما طلب الشعب ملكًا (1صم 8: 7)..؟ إن الله أعطاهم شريعة المُلك، وكان يرتب لهم ملكًا بحسب قلبه، في الوقت المناسب، فكان يُجهّز لهم داود، أما هم فقد أستعجلوا الأمور، فأختار لهم شاول لأن مظهره سيحوز رضى وإعجاب الشعب، وأيضًا هو من سبط بنيامين الذي يتوسط سبطي أفرايم ويهوذا، وبهذا يرضي سكان الشمال وسكان الجنوب. أختار لهم شاول رغم أنه لم يكن هو الملك المناسب لهم، فالخطأ لم يكن في طلب ملك، بل في تعجل الأحداث، وفي إساءة فهم النظام الملكي(3).
5- من محبة الله لشعبه وتقديسه للحرية الشخصية أستجاب لطلبة الشعب، وأخبر صموئيل بأنه سيأتي له في الغد شاول فيمسحه ملكًا، وقال " لأني نظرت إلى شعبي لأن صراخهم قد جاء إليَّ" (1صم 9: 16).. استجاب لهم الرب رغم عدم رضائه عن طلبهم هذا، ولذلك:
1- أوضح أن رفض الشعب لخادم الله هو في الحقيقة رفض له شخصيًا " قال الرب لصموئيل أسمع لصوت الشعب في كل ما يقولون لك. لأنهم لم يرفضوك أنت بل إياي رفضوا حتى لا أملك عليهم" (1صم 8: 7).
2- شبه الرب هذا الطلب بانحرافات الشعب السابقة عندما كانوا يعبدون آلهة وثنية غريبة فقال لصموئيل: "حسب كل أعمالهم التي عملوا من يوم أصعدتهم من مصر إلى هذا اليوم وتركوني وعبدوا آلهة أخرى هكذا هم عاملون بك أيضًا" (1صم 8: 8).
3- طلب الرب من صموئيل أن يُبصّر هذا الشعب بقضاء الملك فأنه:
أ - يُسخّر بنيهم في الخدمة العسكرية، بل يستغل هذا لمصالحه الشخصية فيجعل لنفسه مراكب وفرسان، ويركض الشبان أمام مراكبه.
ب - يُسخّر بناتهم لكيما يعملوا في القصر كخبَّزات وطبخات وعطارات لخدمة الملك.
جـ- يضع الملك يده على أجود الحقول، فيعطي كبار رجال القصر من حقول وكروم وزيتون ومن عشور الشعب.
د - يُسخّر العبيد والجواري لزراعة تلك الحقول لصالح أتباعه، بل الشعب يصير له بمثابة عبيد يستغلهم في زراعة أرضه الخاصة والعمل لحسابه.
هـ- عندما سيشعر الشعب بالظلم الصارخ ويصرخ للرب فلن يستجيب لهم.
6- في النهاية قدم صموئيل للشعب حديثًا وداعيًا صريحًا وقال للشعب: "قد سمعت لصوتكم في كل ما قلتم لي وملَّكت عليكم ملكًا. والآن هوذا الملك يمشي أمامكم. وأما أنا فقد شخت... هأنذا فاشهدوا عليَّ قدام الرب وقدام مسيحه. ثور مَن أخذت وحمار مَن أخذت ومَن ظلمت ومَن سحقت ولا أخذت من يد أحد شيئًا.." (1صم 12: 1 - 5) فشهدوا على براءته ثم أكد لهم على خطيتهم عندما رفضوا مُلك الله عليهم وطلبوا ملكًا، ودلل على صحة قوله هذا أنه طلب من الله أن يُنزل مطرًا في وقت الصيف وحصاد الحنطة فأعطى الرب رعودًا ومطرًا، فقال الشعب لصموئيل": صلِ عن عبيدك إلى الرب إلهك حتى لا نموت لأننا قد أضفنا إلى جميع خطايانا شرًّا بطلبنا لأنفسنا ملكًا" (1صم 12: 19) وفيما بعد قال يشوع بن سيراخ عن صموئيل النبي: "وقبل رقاده عن الدهر شهد أمام الرب ومسيحه إني لم آخذ من أحد من البشر مالًا بل ولا حذاءً ولم يَشكُه إنسان" (سي 46: 22).
_____
(1) البهريز في الكلام اللي يغيظ س384 ص 268، 269.
(2) التناقض في تواريخ وأحداث التوراة ص 340، 341.
(3) راجع مدارس النقد جـ 7 س 869.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1095.html
تقصير الرابط:
tak.la/457pngd