ويقول " زينون كوسيدوفسكي": "القصة الرائعة في راعوث المخلصة التي تحكي عن حقبة القضاة والتي أُدخلت إلى النص التوراتي بعد فترة زمنية بعيدة جدًا عن حقبة القضاة، صورة مسالمة مفعمة بالهدوء المنعش، حصادون يحصدون معًا ويأكلون معًا، فلاحون طيبون، نساء وديعات محبات. كم هو كبير وصارخ هذا التباين مع الخلفية العامة للفوضى والفظاعة والبربرية إلى سادت سفر القضاة"(1). كما يقول أيضًا " تعتبر الأسطورة الممتعة في راعوث المخلصة مثالًا ممتازًا لطريقة دمج مواضيع قديمة بأخرى حديثة في قصة واحدة، فالتراكيب الأرامية الكثيرة في النص تؤكد أنه رأى النور في وقت لاحق لأحداثه، ويُفترض أن ذلك حصل بعد الأسر البابلي"(2).
ج: زمن أحداث السفر: جرت أحداث سفر راعوث في فترة حكم القضاة، فجاء في مقدمة السفر " حدث في أيام حكم القضاة أنه صار جوع في الأرض" (را 1: 1) وقد تكون في زمن المجاعة التي تعرض لها بنو إسرائيل أيام جدعون (قض 6: 1 - 6) بسبب غزوات المديانيين المتكررة فكانوا ينهبون المحاصيل ويسلبون كل شيء، حتى اضطر جدعون أن يخبط الحنطة في المعصرة عوضًا عن أن يدرسها في البيدر، بينما رأى البعض أن أحداث السفر دارت مع بدايات حكم القضاة، فراحاب التي عاصرت يشوع ربما عاصرت بداية فترة القضاة، بعد أن تزوجت بسلمون وولدت بوعز الذي تزوج براعوث " وسلمون ولد بوعز من راحاب" (مت 1: 5) فبوعز يمثل الجيل الثاني ليشوع بن نون، وجرت الأحداث ما بين بيت لحم وأرض موآب شرقي نهر الأردن والتي تبعد عن بيت لحم بنحو 50 ميلًا شرقًا، يفصل بينهما نهر الأردن، والجزء الشرقي من أرض موآب الذي كان مقابلًا لأريحا دُعي عربات موآب أي سهول موآب.
زمن كتابة السفر: وإن كان يصعب تحديد زمن كتابة السفر بالتحديد، لكننا نستطيع أن نقول أنه كتب بعد انتهاء فترة القضاة (1375-1050 ق. م.) أي أن أحداث السفر حدثت خلال فترة القضاء، وتم تسجيل هذه الأحداث بعد انتهاء فترة القضاة. وقال "يوسيفوس" المؤرخ اليهودي أن السفر كُتب في أيام عالي الكاهن وصموئيل النبي، ولذلك ينتهي السفر بسلسلة الأنساب التي تنتهي بداود النبي، وكُتب السفر باللغة العبرية، ولا صحة لقول كوسيدوفسكي بأن السفر كُتب بعد العودة من السبي، لأنه لا توجد أية إشارات إلى عصر الملوك، وانقسام المملكة، وسبي مملكة إسرائيل ثم سبي مملكة يهوذا.
ويقول " القمص تادرس يعقوب": "يرى بعض الدارسين أن سفر راعوث قد سُجّل في أيام الملوك المتأخرين، وربما بعد السبي، غير أن لغته تكشف عن أنه سُجّل قبل السبي"(3).
ويقول " القس صموئيل يوسف": "من زمن قديم جدًا تضمنت اللغة العبرية كلمات أرامية كما عُثر على ذلك في رسائل شمرا... وأكثر من ذلك يشير العلماء إلى ما جاء عن بعض قادة أورشليم، الذين كانوا على دراية وفهم واسع باللغة الآرامية (2 مل 18: 26) كما يرى علماء اللغة الآرامية أن هذه المصطلحات هي مصطلحات سامية عبرية تمثل جزءًا من أساس هاتين اللغتين. بالإضافة إلى العلاقة القديمة التي كانت بين آرام (سوريا) وإسرائيل، والتي انطبع تأثيرها على اللغة بين البلدين. فليس في اللغة وأسلوب الكتابة ما يبرهن على أن كتابة سفر راعوث في وقت ما بعد السبي"(4).
وقد دُعي السفر باسم " راعوث " وهو السفر الوحيد الذي يحمل اسم امرأة موآبية غريبة عن شعب بني إسرائيل، ولكن ما المانع في هذا إن كانت راعوث قد آمنت بإله إسرائيل وتجملت بالفضائل التي افتقر إليها شعب الله، فراعوث هي الزهرة الجميلة التي نبتت وسط أشواك صحراء عصر القضاة، وهي النجمة الساطعة وسط ظلام فترة القضاة، فاستحقت أن يدعى السفر باسمها، وصارت راعوث رمزًا لكنيسة الأمم التي ستقترن بالعريس المسيح، ومن محبة شعب الله لهذا السفر كانوا يقرأونه في عيد الخماسين (عيد الحصاد) كل عام.
_____
(1) ترجمة د. محمد مخلوف - الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 197، 198.
(2) المرجع السابق ص 211.
(3) تفسير سفر راعوث ص 6.
(4) المدخل إلى العهد القديم ص 214.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1051.html
تقصير الرابط:
tak.la/dsfh459