ويعلق " عاطف عبد الغني " على اختطاف فتيات شيلو فيقول: "وعكف حكماء وشيوخ الأسباط يفكرون في إيجاد مخرج من هذه الورطة... وهنا تفتق الذهن اليهودي عن فعلة لا تقل بشاعة عن فعلة الرجال البطالين من سبط بنيامين. فقد أبادوا مدينة كاملة برجالها وأطفالها ونسائها ليفوزوا ببناتها العذارى لرجال بنيامين... وجدوا عجزًا يساوي مائتي فتاة لا بُد أن يوفرهم حكماء إسرائيل حتى يزوجوا كل من بقى حيًا من سبط بنيامين، فتفتق ذهنهم عن حيلة أخرى حيث أوصوا رجال بنيامين الباقين باختطاف فتيات شيلوه يوم احتفالهن بعيد الرب، ومن يفعل يتخذها امرأة لنفسه فإذا ذهب آباؤهن للشكوى يطلب منهم شيوخ إسرائيل أن يتراءفوا على رجال بنيامين!!"(2).
ويقول " أدمون جاكوب " أن " نشيد كبريت يُلمّح إلى الزواج بالخطف أثناء حملة حربية، وهي طريقة أقرَّها العهد القديم فيما يخص خطف بنات شيلو من قبل البنيامينيين"(3).
ويقول " جوناثان كيرتش": "وهنا كان الاختطاف والاغتصاب الوسيلتان لإكثار عدد قبيلة بنيامين المخرَّبة... العدد الحقيقي هو أن عشرة آلاف رجل وامرأة وطفل ذبحوا (أهل يابيش، جلعاد) واستعبدت جنسيًا مئات من الفتيات"(4).
ويقول " ليوتاكسل": "وحينئذ تذكَّر شيوخ اليهود العيد العظيم الذي يُقام في مدينة شيلو على شرف يهوه، فأصدروا القرار الحكيم التالي: يُسمح لرجال بني بنيامين الذين لم يحصلوا على زوجات أن يختطفوا زوجات لهم من بنات إسرائيل أثناء إقامة المراسم الاحتفالية الدينية، وهذا ما وقع، ولم تكن أمهات الفتيات وآباؤهن راضيين بيد أنهم حُرموا حق الاحتجاج وعاد بنو بنيامين إلى مدنهم وقراهم المهدمة فعمروها من جديد.0 أثناء الاحتفال بعيد الرب كان "تابوت العهد" موجودًا في شيلوه أي أن يهوه نفسه كان هناك، وبما أنه لم يقذف النار واللهب اللذين يستخدمهما عادة لإبادة المجرمين، فليس ثمة دليل أكثر قوة على أنه كان راضيًا الرضى كله عن خاطفي الفتيات"(5).
ويقول " زينون كوسيدوفسكي": "وفي حادثة أبناء بنيامين الفظيعة، نجد شبهًا كبيرًا لها مع الأسطورة الرومانية عن اختطاف السابينيات"(6).
ج: 1- بالرغم من إدانتنا لحادثة الاختطاف هذه، والتي أُختطف فيها مائتيّ فتاة، لكن يجب وضع الأمور في نصابها، فهؤلاء الفتيات لم يُختطفن بقصد الاغتصاب والاستعباد الجنسي كقول بعض النُقَّاد، إنما تم الاختطاف بهدف زواج رجال بنيامين بهنَّ حتى يستمر السبط ولا يفنى، فالهدف كان الحفاظ على السبط من الانقراض، ولكن الوسيلة كانت خاطئة، ونحن نؤمن أن الهدف لا يبرر الوسيلة.
2- لا يمكن أن نحكم بمعايير ومقاييس اليوم على أحداث مضى عليها نحو ثلاثين قرنًا من الزمان، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وكم من أمور كانت تبدو مقبولة حينذاك مثل الغزوات وتوزيع الغنائم بينما هي بمقاييس اليوم تعتبر جرائم شنيعة لا يمكن تبريرها، وحسنًا ما جاء في ختام السفر ما تكرَّر من قبل عدة مرات (قض 17: 6، 18: 1، 19: 1) فقد جاء في ختام السفر " وفي تلك الأيام لم يكن ملك في إسرائيل. كل واحد عمل ما حسن في عينيه" (قض 21: 25) ليعبر أن مثل هذه التصرفات كان مرجعها أنه لم يكن هناك الملك أو القائد الذي يضبط الأمور ويضعها في نصابها الصحيح.
3- كان بنو إسرائيل يقدَّسون القسم، ولذلك لم يجرؤ أحد منهم على مخالفة القسم، وذلك بالرغم من أن القسم كان خاطئًا ولا يوافق الشريعة الإلهيَّة، لأنه إن كان أهل جبعة الذين أخطأوا فليس معنى هذا إبادة السبط كله والامتناع من مصاهرته، ولأن بني إسرائيل لم يجرؤا على نقض القسم، لذلك لجأوا لهذه الحيلة، حيلة الخطف بغرض الزواج، التي لم تتكرر ثانية قط في العهد القديم، ولذلك فمن الظلم البين أن يقول النُقَّاد أن العهد القديم قد أقرَّ الزواج بالخطف، وإلاَّ كنا نجد الأمر يتكرَّر دائمًا أو على الأقل بين الحين والحين، ولكن هذا لم يحدث ثانية قط.
4- هناك فرق بين المشيئة والإرادة الإلهيَّة وبين السماح الإلهي، فمشيئة وإرادة الله هي خيّرة دائمًا وأبدًا بالتمام والكمال، أما السماح الإلهي فإن الله قد يسمح بحدوث الشر في حدود معينة كما حدث في قصة أيوب ويوسف، وبالنسبة لأولاده الذين يحبونه فأنه يحوّل كل شر يصيبهم إلى خير، ويهبهم إكليل النصرة، وليس بالضرورة أن الله يعبر عن رفضه للشر، كما يتصوَّر بعض النُقَّاد، بأنه يقذف نارًا ولهبًا، لأنه أعطى الوصايا والشريعة وفي ضوءهما يتضح تمامًا الخير من الشر، كما أن تعبير " يقذف نارًا ولهبًا " تعبير لا يليق، لأنه يصوَّر الله مثل آلهة الأساطير القديمة التي تنفث دخانًا ونارًا، فهذا تعبير لا يليق على الإطلاق بعظمة الله وجلاله، وإن كانت النار تعبر عن مظهر من مظاهر الحضرة الإلهيَّة، مثلها مثل السحاب، كما نزل الرب على الجبل أمام أعين بني إسرائيل في أيام موسى النبي، ولكن يظل تعبير " يقذف نارًا ولهبًا " تعبيرًا لا يليق بالعظمة الإلهيَّة.
5- قد يكون هناك تشابه بين هذه القصة وبين ما جاءا في الأسطورة الرومانية عن اختطاف السابينيات، وليس معنى هذا أن سفر القضاة اقتبس هذه القصة من الأساطير، لأن تاريخ سفر القضاة الذي كُتب نحو القرن العاشر قبل الميلاد أقدم من الأساطير الرومانية بمئات السنين، كما أن كاتب سفر القضاة هو يهودي متمسك بمبادئه اللاهوتية وأفكاره وإيمانه بالإله الواحد، فحتى لو توفرت أمامه الأسطورة فمن المستبعد جدًا أن ينظر إليها.
_____
(1) البهريز جـ 1 س 253.
(2) أساطير التوراة ص 91.
(3) ترجمة جورج كوسي - رأس شمرا والعهد القديم ص 63.
(4) ترجمة نذير جزماتي - حكايا محرَّمة في التوراة ص 285.
(5) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 254.
(6) ترجمة د. محمد مخلوف - الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 197.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1050.html
تقصير الرابط:
tak.la/aya5cky