وأورد " جيمس فريزر " كثير من القصص الإغريقية الأسطورية التي تحكي عن أشخاص كانوا يمتلكون في رأسهم شعرة لونها ذهبي أو أرجواني وعندما تُنتزع هذه الشعرة يفقدون قوتهم، بل وأحيانًا يفقدون حياتهم، كما يقول " أن العبرانيين كانوا يعتقدون أن قوة شمشون المهولة كانت تكمن في شعره... وهذا الاعتقاد... ينتشر في جهات كثيرة من أنحاء العالم، فقد كان أهالي جزيرة " أمبونيا " وهي جزيرة تقع في جزر الهند الشرقية، يعتقدون أن قوتهم تكمن في شعورهم... وبالمثل كان المتهم أمام المحكمة الهولندية في هذه الجزيرة يصر على عدم الاعتراف بجريمته ولو تعرَّض للعذاب، حتى تُقص خصلة من شعره، وعند ذلك يعترف بجريمته في الحال... ومازال سكان " سيرام " وهي جزيرة أخرى في جزر الهند الشرقية، يعتقدون أنه إذا حلق شبابهم شعورهم فإن الضعف والوهن ينتابهم إثر ذلك... وقد ألَف الأوربيون أن يعتقدوا أن القوة الشريرة عند السحرة والعرافين تسكن في شعورهم... فقد جرت العادة في فرنسا أن يُحلَق كل جزء من أجسام الذين يتهمون بالشعوذة، وذلك قبل تسليمهم إلى من يقوم بتعذيبهم... وقد كان المحقّق المرموق " سيرنجر " يكتفي بحلق رأس المتهم بممارسة السحر والشعوذة... وقد كان يحدث ما يشبه هذا في مقاطعة "باستار" في الهند، فعندما كانت تثبُت التهمة ضد رجل في هذه المقاطعة بأنه يمارس السحر... كان يُحلَق شعره، حيث أن قوة الشر تكمن في شعره... وعندما كانت المرأة تُتهم بممارسة السحر عند " البهليين".. تُقص خصلة شعر من رأسها وتُدفن في الأرض... وقد كان " الأرتيكيون " في المكسيك يعاقبون السحرة والمشعوذين على هذا النحو... تُحلق خصلة من الشعر من قمة رؤوسهم، فتسلب منهم مقدرتهم على التنجيم والشعوذة"(1).
ويقول " ليوتاكسل": "كيف استطاع شمشون أن يدير أحجار الرحى الثقيلة في السجن بعد أن فارقته قوته..؟ وكلما تابعت القصة تكشف لك مزيدًا من الحماقات التي لا مبرر لها، فقد عرف الفلسطينيون مصدر قوة شمشون مثلًا، وفي هذه الحال، فإن أبسط حدود الحذر والحيطة كانت تتطلب منهم قص ضفائره من وقت لأخ... بيد أن شيئًا من هذا لم يحدث، بل أعطوه فرصة أخرى دون أن ينتابهم أي قلق"(2).
ج: 1- ما بال " جيمس فريرز " يورد حكايات وأساطير تارة من الهند وأخرى من المكسيك ويربطها بشَعر شمشون، والحقيقة أن شمشون ولا صموئيل النبي الذي كتب سفر القضاة ذهب إلى الهند أو المكسيك. وهل معنى وجود تشابه في نقطة أو بعض النقاط بين أي قصة حقيقية وأسطورة يعني أن القصة استمدت أحداثها من الأسطورة..؟! ولو أورد "فريزر" أسطورة مشابهة لقصة شمشون في معظم مفرداتها ربما كان له الحق في دراسة الموضوع والربط بينهما، لكن لمجرد وجود نقطة تلاقي أو أكثر قليلًا بين الأسطورة والقصة الحقيقية تجعلنا نقول أن هذه أُخذت من تلك، أليس هذا ضد العقل الصحيح والمنطق السليم؟!
2- لم تنبع قوة شمشون من شعره، إنما كانت هذه القوة هي هبة إلهيَّة لذاك النذير بالذات، فكل نذير لم يكن يحلق رأسه وكان شعره يطول، ولم يكن لأي منهم قوة شمشون الخارقة. إذًا شعر شمشون الذي لم يعلوه موسى كان علامة على قيام النذر، ولذلك قال الملاك لأم شمشون قبل أن تحبل به " فها أنكِ تحبلين وتلدين ابنًا ولا يعلُو موسى رأسه لأن الصبي يكون نذيرًا لله من البطن وهو يخلص إسرائيل من يد الفلسطينيين" (قض 13: 5) وعندما تهاون شمشون في رسالته، وألقى بنفسه وبإرادته على ركبتي دليلة، وقصَّت شعره، فارقته قوة الله وهو " لا يعلم أن الرب قد فارقه" (قض 16: 20).
ويقول " الأرشدياكون نجيب جرجس": "وبمرور الوقت ابتدأ شعره (ينبت) وينمو شيئًا فشيئًا. ويجب أن نذكر أن قوته لم تكن كامنة في شعره الطويل، ولكنها في عمل روح الرب فيه. كما أن رجوع قوته لم يكن لمجرد نمو شعره من جديد، ولكن كان في رجوعه إلى صوابه وتوبته، ولعل شعره الذي ابتدأ ينمو ساعده على تذكر مركزه كنذير وجعله يرجع إلى الله تائبًا"(3).
3- لم يظن الفلسطينيون أن قوة شمشون ستعاوده، بعد أن كسر نذره وحُلق له شعره، ونكث العهد مع ربه، وحتى لو عاودته قوته فماذا سيفعل وقد فقد بصره ورُبط بسلاسل قوية، لذلك أوقن الفلسطينيون أن شمشون لا بُد أنه استسلم لهذه النهاية المأسوية التي وصل إليها كإنسان أعمى ذليل يدير الطاحونة في بيت السجن، وبعد أن كان مجرد اسمه يدخل الرعب في قلوب أبطال الفلسطينيين صار مُسخة بالنسبة لهم، ولذلك عندما اجتمعوا ليحتفلوا بإلههم " داجون " الذي منحهم النصرة على شمشون كما ظنوا هم قائلين " قد دفع إلهنا ليدنا شمشون عدونا... ولما رآه الشعب مجَّدوا إلههم لأنهم قالوا قد دفع إلهنا ليدنا عدونا الذي خرَّب أرضنا وكثَّر قتلانا" (قض 16: 23، 24) وكان داجون تمثال له رأس إنسان وبدن (جسم) سمكة، وربما كان مُستوحى من عروس البحر، فاجتمع الشعب ولعل دليلة كانت بينهم تفتخر بما صنعت، وأتوا بشمشون ليلعب أمامهم، وإذ قدم شمشون توبة قوية صلى لإلهه يلتمس القوة، فهدم المعبد على من فيه.
_____
(1) الفولكلور في العهد القديم جـ 2 ص 279 - 282.
(2) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 241، 242.
(3) تفسير الكتاب المقدَّس - سفر القضاة ص 214.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1037.html
تقصير الرابط:
tak.la/6g4vfs7