ويقول " علاء أبو بكر": "ولم تحلق هي له، بل دعت رجلًا وحلقت سبع خُصل رأسه! ولم يشعر شمشون بدخول الرجل إلى مخدعهم! ولم يسمع صوت المقص! والأغرب من ذلك أن زعماء الفلسطينيين كانوا في الغرفة في انتظار القضاء على قوته! ولا أدري أتحدث كل هذه التجارب بين دليلة وشمشون في وجود أعدائه في نفس الغرفة التي هما بها..؟ فهل يترك الرب عبيده يقضون على قوته؟ ألا يشعر هذا الرب بالخجل وسط عبيده وملائكته؟"(1)
ويقول " ليوتاكسل": "وكأن داعر لا رجاء برجوعه عن غيه، وقع حبيب يهوه بغرام فلسطينية أخرى من وادي سوريق تُدعى دليلة، ولما عرف أعداؤه بغرامه بتلك الحسناء الفاتنة، جاءوا إليها وعرضوا عليها مبلغًا كبيرًا من المال لقاء تسليمها شمشون إليهم... ومضت على غايتها بوضوح لا يُخفى على أبله فقد سألت عشيقها مرارًا وتكرارًا أن يكشف لها سر قوته، فوقع اليهودي في الفخ كأخر أحمق تستطيع أن تتخيل وجوده... (ثم قص ليوتاكسل قصة سقوط شمشون وعقَّب قائلًا): بالطبع أنه من الصعب جدًا تأليف هراء أكثر غباء وسخفًا من هذا اللغو، فكل كلمة من كلمات هذه القصة ينضح بالغباء، وليس فيها ما يسلي حتى الأطفال... فمن الواضح أن شمشون لم يكن يثق بدليلة وقد كذب عليها مرات ثلاث بصدد المصدر الحقيقي لقوته. وقد اتضح له في كل مرة أن ثقته بدليلة يمكن أن تقوده إلى صدام حقيقي مع أعدائه، ومع ذلك أباح لها بحقيقة سر قوته، وهو أثمن ما يملك، وهنا بالذات يكمن الهراء واللغو، هذا إذا لم يكن هذا القاضي اليهودي آخر الحمقى"(2).
ج: 1- لقد تمهَّل الله على شمشون مرة ومرتين وهو لم ينتبه، وبدأ شمشون يكشف السر لدليلة شيئًا فشيئًا، حتى اقتربت في المرة الثالثة من سر قوته " فقال لها إذا ضَفرتِ سبع خُصَل رأسي مع السدى فمكنتيها بالوتد" (قض 16: 13، 14) أما دليلة فأخذت تضايقه بكلامها وتلح عليه حتى ضاقت نفسه إلى الموت " فكشف لها كلَّ قلبه وقال لها لم يعلُ موسى رأسي لأني نذير الله من بطن أمي. فإن حلقتُ تفارقني قوتي وأضعف وأصير كأحد الناس" (قض 16: 17) فأنامته على ركبتيها وربما أعطته شرابًا ساعده على النوم فاستسلم لها وللنوم وهو لا يتصوَّر مدى قسوة نتائج مخالفة الوصية. فهذا ما تفعله الخطية في الإنسان المسكين الذي يستسلم لها استسلام شمشون لدليلة، إذ تغيّبه عن الواقع، وتجعل أبسط البديهيات بعيدة عن ذهنه، كما أنها تلقي به في ثبات عميق ثبات شمشون على ركبتي دليلة، حتى أنه لم يشعر بالرجل الذي دخل مرتعبًا للمكان على أطراف أصابعه، ودليلة تمسك الخصلة تلو الأخرى والرجل يقص، وشمشون في أحلامه يحلم بأن زوجته تداعبه، فقد أحبها وأخلص لها واطمأن قلبه إليها، وفي المرات الثلاث السابقة لم يكتشف خيانتها، ولم يعرف بالمختبئين في عقر داره وإلاَّ لفتك بهم وترك دليلة كما ترك زوجته الأولى عندما اكتشف إفشاءها لسره. أما دليلة فقد خانته طمعًا في المال، فقد وعدها أقطاب الفلسطينيين الخمسة أن يعطيها كل منهم 1100 شاقل فضة أي نحو 35ر13 كجم فتصل حصيلتها في هذه الصفقة إلى نحو 67 كجم فضة، وهو مبلغ ضخم جدًا.
2- لقد التقى شمشون بأسدين أحدهما في كروم تمنة، وإذ كان طاهرًا نقيًا قويًا حلَّ عليه روح الرب فشقه كجدي الماعز، أما الأسد الثاني فقد جاء مختفيًا في شكل دليلة فخر صريعًا أمامه " لأن إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسًا من يبتلعه هو" (1بط 5: 8).. أخلاب وأنياب الأسد الأول لم تقوى على شمشون أما أخلاب وأنياب إبليس المختفي في دليلة فقد قويت على افتراسه، ويقول " القس إلياس مقار": "وكم من الناس بدأوا أسودًا يشقون التجارب والإغراءات والصعاب كشق جدي!! لكنهم على ركبتي امرأة أو أمام مال، أو جاه، أو وظيفة تأتي موسى الحلاقة على عهد النذير، وتقطع علاقته العظيمة بالله، فيسقط سقوط العملاق الجبار، ويكون سقوطه، كما قال السيد المسيح، عظيمًا!!"(3).
لقد فقد شمشون في البداية بصيرته بإرادته، وفي النهاية فقد بصره رغمًا عنه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وعندما سمح في البداية بأن يُلف حوله الحبال الطرية تارة والأوتار القوية تارة بإرادته، قُيد بسلاسل النحاس رغم إرادته " ويل للجاذبين الإثم بحبال البُطل والخطية كأنه بربُط العَجَلَة" (أش 5: 18) وبعد أن كان شمشون فخر الأمة، صار بالخطية كثور يطحن في بيت السجن.
3- يقول " الأرشيدياكون نجيب جرجس": "أنامته على ركبتيها: ربما وهو متنبه من باب التدليل والمحبة التي تظاهرت بها، وربما سقته مشروبًا به مادة منومة، فلما نعس وغاب عن وعيه استدعت رجلًا فحلق له خُصَل شعره السبع، ولا بُد أن كمين الفلسطينيين كانوا مختبئين عندها... (فارقته قوته) لأنه نكث عهد الله ونقض شركته معه فلم يعد أهلًا لأن يعمل روح الله فيه. ويرجح أن دليلة لاحظت عليه هذا وشاهدت علامات الإعياء بادية عليه ولهذا (ابتدأت بإذلاله) وهذا يعني أنها شرعت تخضعه وتستهزئ به. وأنها أتاحت الفرصة للفلسطينيين ليذلوه الإذلال التام وفعلًا سلمته لهم"(4).
4- جاء في " كتاب التفسير الحديث": "مضت دليلة في مهمتها بكفاءة وبأعصاب باردة وبلا قلب... مما يجعل القارئ يندهش ويتساءل: لماذا لم يكن شمشون يشك فيها؟ أغلب الظن أن عاطفته نحوها قد أعمته، وحاول إرضاءها لدرجة أن فكرة عدم الأمان لم تخطر على باله... ولم يرق قلب دليلة لشمشون، ورغم بحثه المستمر عن حبها فلم يجعلها ذلك تلين له... ربما كان حلم الثراء العريض هو الحافز لها على الاستمرار، وربما كان هناك عامل الكبرياء المجروحة إذ تحققت أنها لم تستطيع أن تستخرج سر شمشون... ولم يكن الشَعر نفسه هو منبع قوة شمشون الفريدة بل ارتباطه بالرب الذي كان يرمز إليه الشَعر غير المقصوص... والكلمات غير كافية لتصف قساوة قلب المرأة التي هدهدت حبيبها لينام على حجرها عالمة بالمصير الذي تنوي أن تدفعه إليه... وكما في المرات السابقة أعطت إشارة التحذير فانتفض شمشون من نومه عازمًا أن يعمل كسابق عهده غير عالم بما قد حدث... وقد لا تكون هناك عبارة أدنى للأسى في العهد القديم كله أكثر مما جاء في الجملة الختامية للعدد (20) (ولم يعلم أن الرب قد فارقه)"(5).
_____
(1) البهريز جـ 1 س243.
(2) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 238 - 241.
(3) رجال الكتاب المقدَّس جـ 1 ص 214.
(4) تفسير الكتاب المقدَّس - سفر القضاة ص 213.
(5) التفسير الحديث للكتاب المقدَّس - القضاة وراعوث ص 175 - 177.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1036.html
تقصير الرابط:
tak.la/mbm74q8