St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1021- هل نفَّذ يفتاح نذره وقدم ابنته ذبيحة (قض 11: 39) أم أنها عاشت متبتلة بلا زواج تخدم الآلهة وحُرمت من النسل؟ وهل ذهبت الصبية إلى الجبال لتقديم عبادة جنسية فاضحة؟

 

فقد رأى " جوناثان كيرتش " أن يفتاح لم يذبح ابنته إنما جعلها تتبتل وتخدم الآلهة فقال " مثل "إيفيجيتيا" وهي عذراء اُنتخبت لكي يُضحى بها من أجل ديانا، إلاَّ أنها بقيت وكان بإمكانها أن تقضي حياتها في خدمة الآلهة"(1)(2).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: 1- هناك رأيان في ابنة يفتاح، الرأي الأول يرى أن الصبية قد تبتلت وحُرمت من النسل، وتكرَّست لخدمة الله، والرأي الثاني يرى أن يفتاح قدم ابنته ذبيحة بشرية، ونعرض للرأيين بشيء من الاختصار:

 

الرأي الأول: افتداء ابنة يفتاح

لم يورد السفر اسم الفتاة ولا عمرها، إنما ذكر شيئًا مؤثرًا وهو أنها كانت الابنة الوحيدة ليفتاح، ليس لها أخ ولا أخت " لم يكن ابن ولا ابنة غيرها" (قض 11: 34) وبعد أن كان يفتاح عائدًا منتصرًا من الحرب فرحًا متهللًا، وخرجت الجموع بالدفوف والمزمار والرقص، وإذ ابنته تسبقهم جميعًا لترتمي في أحضانه، فإذ حاله يتبدل ويصرخ صرخة مرة في داخله " آه يا ابنتي قد أحزنتيني حزنًا وصرتِ بين مكدريَّ لأنه قد فتحتُ فمي إلى الرب ولا يمكنني الرجوع" (قض 11: 35) وأدركت الابنة الذكية الموقف على الفور، لأن مثل هذه العادة متفشية في الشعوب الغريبة، وفي شجاعة وطاعة قالت " يا أبي هل فتحت فاك إلى الرب فافعل بي كما خرج من فيك بما أن الرب قد انتقم لك من أعدائك... أتركني شهرين فأذهب وأنزل على الجبال وأبكي عذراويتي" (قض 11: 36، 37).

St-Takla.org Image: Jephthah, the judge - from The Nuremberg Chronicle, book by Hartmann Schedel, 1493. صورة في موقع الأنبا تكلا: يفتاح القاضي - من كتاب تاريخ نورنبيرج، بقلم هارتمان شيدل، 1493 م.

St-Takla.org Image: Jephthah, the judge - from The Nuremberg Chronicle, book by Hartmann Schedel, 1493.

صورة في موقع الأنبا تكلا: يفتاح القاضي - من كتاب تاريخ نورنبيرج، بقلم هارتمان شيدل، 1493 م.

وتساءل البعض: هل بدَّل يفتاح نذره لابنته إذ تبتلت وحُرمت من الزواج..؟ وقالوا: نعم، هذا ما حدث، معتمدين على ما يأتي:

أ - كانت هناك خدمة للنساء في خيمة الاجتماع، فجاء في سفر الخروج أن موسى النبي " صنع المرحضة من نحاس وقاعدتها من نحاس من مرائي المتجندات اللواتي تجندن عند باب خيمة الاجتماع" (خر 38: 8) ومعنى المتجندات أي الخادمات اللواتي يؤدين خدمات معينة مرتبطة بخيمة الاجتماع.

ب - لم يقصد يفتاح أن يقدم ذبيحة بشرية، إنما قصد أن أول من يلاقيه يكرّسه لخدمة الرب، فلم يكن من طبيعة يفتاح التسرع، وهذا واضح من مفاوضاته مع بني عمون، وأيضًا قدم يفتاح نذره بعد أن حلَّ عليه روح الرب " فكان روح الرب على يفتاح... ونذر يفتاح نذرًا للرب قائلًا" (قض 11: 29، 30).

جـ- لو أراد يفتاح أن يقدم ابنته ذبيحة بشرية، فبلا شك أنه كان سيجد معارضة شديدة من الشعب الذي تاب عن خطاياه ونزع الآلهة الغريبة وعبد الرب من كل قلبه والرب أعطاه النصرة، كما أن هناك موقف حدث بعد ذلك هو مشابه لهذا الموقف، فعندما أراد شاول أن يقتل ابنه يوناثان لأنه كسر العهد الذي قطعه أبوه بأن أحدًا لا يذق طعامًا إلاَّ بعد النصرة على الفلسطينيين، ويوناثان الذي لم يعرف بهذا كسر العهد وأكل من العسل فانفتحت عيناه، فأراد شاول أن يقتله ولكن الشعب تصدى له " فقال الشعب لشاول أيموت يوناثان الذي صنع هذا الخلاص العظيم في إسرائيل. حاشا حي هو الرب لا تسقط شعرة من رأسه إلى الأرض لأنه مع الله عمل هذا اليوم. فافتدى الشعب يوناثان ولم يمت" (1 صم 14: 45) وقد قضى يفتاح لإسرائيل بعد هذا ست سنوات، فلو ارتكب هذه الجريمة فما كان الشعب يقبل قضائه، ولاسيما أن الشريعة قد أدانت مثل هذا التصرف بشدة كما رأينا في إجابة السؤال السابق، ولم يجرؤ أحد من بني إسرائيل أن يقترف هذه الجريمة، حتى عصر أحاز ومنسى الملكين الشريرين (2 مل 16: 3، 21: 6).

د - كانت الشريعة تعطي للإنسان الحق في فك نذر الأنفس البشرية مقابل مبلغ من المال، فإذا نذر إنسان ابنه أو ابنته لله، وأراد أن يفك هذا النذر، فإنه يقدم مبلغًا من المال يتغير بحسب سن النذير، وبحسب إذا ما كان ذكرًا أو أنثى، وبحسب إذا ما كان فقيرًا أو غنيًا (راجع لا 27: 1 - 8) فإن كانت الشريعة تعطي الحق في فك نذر الإنسان لله، فبلا شك لن يخالف الشريعة من يفدي نفسًا من الذبح.

هـ- معنى حكم يفتاح على ابنته أنها تظل عذراء، أي حرمانها من الزواج والنسل، وحيث أنها الابنة الوحيدة له، فمعنى هذا انقطاع الأمل في أن يكون ليفتاح نفسه نسل، وهذا حكم قاسي قَبِلَ به يفتاح من أجل تتميم نذره، ولم يذكر السفر أية تفصيلات عن تقديم هذه الابنة ذبيحة.

و - قالت الصبية لأبيها " اتركني شهرين فأذهب وأنزل على الجبال وأبكي عذراويتي... وبكت عذراويتها على الجبل" (قض 11: 37، 38) فهي بكت عذراويتها، ولم تبكي حياتها، ففي هذا إشارة لتبتلها وليس إشارة لتقديمها ذبيحة.

 

الرأي الثاني: قدم يفتاح ابنته ذبيحة بشرية بدليل:

أ - إن يفتاح عاش وسط أناس لا يعرفون الله وعاش رئيسًا لعصابة شرق نهر الأردن، ولذلك فتقديم ذبيحة بشرية أمر متوقع من يفتاح، الذي طالما عاشر الأمم، وأيضًا تعرض لسخرية أخوته وطردهم له.

ب - جاء نذر يفتاح واضحًا إذ قال " إن دفعت بني عمون ليدي. فالخارج الذي يخرج من أبواب بيتي للقائي... يكون للرب وأصعده محرقة" (قض 11: 30، 31).

جـ- حالما التقى يفتاح بابنته خارجة من أبواب بيته مزَّق ثيابه وحزن وتكدر (قض 11: 35) فلو كان الأمر مقتصرًا على تبتلها وخدمتها في خيمة الاجتماع، وهذا شرف لها وله، فما كان الأمر يستدعي كل هذا الحزن والكدر.

د - أوضح يفتاح أنه لا يقدر أن يحنث بالقسم " لأني قد فتحت فمي إلى الرب ولا يمكنني الرجوع" (قض 11: 35).

هـ- وافقت ابنة يفتاح أبيها قائلة "يا أبي هل فتحت فاك إلى الرب فافعل بي ما خرج من فيك" (قض 11: 36) وبالرغم من أن يفتاح لم يخبر ابنته عن نذره، لكنها أدركت الموقف عندما رأت حزن أبيها المفرط، فهي تعرف عادات الشعوب المحيطة.

و - لو كان يفتاح يقصد أن ينذر أول من يلاقيه لخدمة الرب، فمن أين عرف أن الذي سيلاقيه شاب أو فتاة فيمنعه من الزواج ويكرّسه لخدمة الرب، فربما لاقاه رجل متزوج أو سيدة متزوجة فكيف كان سيفي بنذره؟!

ز - صرَّح الكتاب بأن يفتاح فعل ما نوى " وكان عند نهاية الشهرين أنها رجعت إلى أبيها ففعل بها نذره الذي نذر" (قض 11: 39) فيفتاح الذي استل سيفه وذبح بني عمون، ولم يتورع عن ذبح اثنين وأربعين ألفًا من بني جلدته، تجرأ على ابنته وذبحها.

ويقول " ف. ف. بروس": "وقد استدل الناس أحيانًا من أعداد 38 - 40 على أن يفتاح خفف طريقة تنفيذ النذر في ابنته من تقديمها محرقة إلى الإبقاء عليها عذراء بلا زواج طول حياتها. لكن يصعب أن تجيز القصة هذا الاعتقاد، ذلك لأن أفضل مفهوم للعبارة الواضحة الموجزة (ففعل بها نذره الذي نذر) ينطوي على أنها قُدمت بالفعل ذبيحة. ومع أن تقديم الضحايا البشرية كان ممنوعًا منعًا باتًا عند الإسرائيليين، فإننا لا يجب أن نستغرب لتصرف رجل كيفتاح يجري في عروقه الدم الكنعاني، حين يتبع الطريقة الكنعانية في هذا الحادث"(3).

ح - نواح بنات إسرائيل على ابنة يفتاح من عام إلى آخر (قض 11: 40) يؤكد ذبحها، فلو كان الأمر مقتصرًا على تبتلها، فما الداعي أن تخرج بنات إسرائيل سنويًا ليبكين هذه الابنة لمدة أربعة أيام؟

ط - عندما قدم يفتاح ابنته ذبيحة، لم يقدمها على مذبح الرب، ولم يقدمها كهنة الرب، لأن الله يرفض هذه الجريمة البشعة، ويقدّس الحياة الإنسانية، فربما أصعد يفتاح ابنته ذبيحة على أحد الجبال، وقد جاءت الرواية في الكتاب بدون أية تفصيلات عن عملية التضحية، مما يلهب الإحساس بالمأساة الحقيقية، وطالما تغنى الشعراء بشخصية هذه الفتاة البطلة التي أطاعت حتى الموت، ودفعت عن رضى، وعن جهل أيضًا، قيمة النصرة على بني عمون.

ويقول "القديس أغسطينوس": "يشهد الكتاب بوضوح أن الله لا يحب الذبائح البشرية... فماذا نقول عن ذبيحة إسحق التي تشبه ذبيحة يفتاح؟ هناك اختلاف كبير بين سلوك يفتاح وسلوك إبراهيم. إبراهيم قدم ابنه طاعة لأمر الرب. أما يفتاح فما تلقى وصية خاصة، بل فعل ما تمنعه الشريعة... وافق الكتاب على طاعة إبراهيم في ذبيحته، ولكنه أورد ما فعله يفتاح، وما حكم عليه، فترك الحكم لعقلنا. ولكن مثل هذا النذر لا يرضي الله. هذا الأب الذي نقصته الفطنة نال عقابه: آه يا إبنتي! جلبتِ عليَّ الحزن الشديد وصرتِ مصدرًا لتعاستي"(4).

 

2- ليس صحيحًا ما ادعاه البعض مثل "جوناثان كيرتش" بأن الصبية ذهبت إلى الجبال مع صاحباتها لتقيم عبادة جنسية لفض بكارتها، لأن الذين ذهبوا مع هذه الصبية هن صاحباتها، ولم يذهب معها رجل واحد، ولم يشر الكتاب لا من قريب ولا من بعيد لفض بكارة الصبية سواء عن طريق رجل أو بطريقة أخرى، إنما كل ما ذكره أنهن خرجن على الجبال يبكين هذه الفتاة التي ستذبح نتيجة تهور أبيها، وأيضًا يذكر "كيرتش" روايتين متناقضتين فتارة يقول أن الفتاة لم تُذبح لكنها كرَّست بتوليتها لخدمة الإله، وتارة يقول أنها ذهبت إلى الجبال للاحتفال بفض بكارتها. وهكذا النُقَّاد كل هدفهم نقض كلمة الله برأي أو بآخر.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) وراجع أيضًا حكايا محرَّمة ص 247 - 249.

(2) حكايا محرَّمة في التوراة ص 248.

(3) مركز المطبوعات المسيحية - تفسير الكتاب المقدَّس جـ 2 ص 51، 52.

(4) الخوري بولس الفغالي - مسيرة الدخول سفر يشوع والقضاة ص 140، 141.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1021.html

تقصير الرابط:
tak.la/9skc6wq