ج: 1- سبق الإجابة على سؤال مشابه لهذا هو: كيف يحزن الله ويتأسف ويندم؟(1)
2- خلق الله الإنسان على صورته في حرية الإرادة والتصرف ودائمًا وأبدًا يحترم الله حرية الإنسان الشخصية، ولم يحدث قط أن الله انتزع هذه العطية العظيمة من الإنسان حتى لو كانت أعماله موجهة ضد الله، وعندما يسلك الإنسان في الشر يتضايق الله كأب حنون يحب أولاده ويسعى نحو خلاصهم. وعندما تزايدت شرور بني إسرائيل، وتكالب الأعداء عليهم " فتضايق إسرائيل جدًا. فصرخ بنو إسرائيل إلى الرب قائلين أخطأنا إليك لأننا تركنا إلهنا وعبدنا البعليم. فقال الرب لبني إسرائيل أليس من المصريين والأموريين وبني عمون والفلسطينيين خلصتكم. والصيدونيون والعمالقة والعمونيون قد ضايقوكم فصرختم إليَّ فخلصتكم من أيديهم. وأنتم قد تركتموني وعبدتم آلهة أخرى. لذلك لا أعود أخلصكم. امضوا واصرخوا إلى الآلهة التي اخترتموها لتخلصكم في زمان ضيقتكم" (قض 10: 9 - 14) ولكن عندما قدموا توبة قوية، وربما لأول مرة في سفر القضاة يزيلون الآلهة الغريبة " فضاقت نفسه بسبب مشقة إسرائيل " وأشفق الله عليهم وبدأ في افتقادهم، وهذا ما عبَّر عنه المرنم قائلًا " نظر إلى ضيقهم إذ سمع صراخهم. وذكر لهم عهده وندم حسب كثرة رحمته" (مز 106: 44، 45).. " فصار لهم مخلصًا. في كل ضيقهم تضايق وملاك حضرته خلصهم. بمحبته ورأفته هو فكهم ورفعهم وحملهم كل الأيام القديمة" (أش 63: 8، 9)..
تُرى هل يفرح الله بضيقتهم وهلاكهم..؟! كلاَّ بل أنه كأب يؤدب ابنه وفي نفس الوقت يتألم لهذا، وهذا ما عبر عنه قداسة البابا شنودة الثالث عندما قال:
يا قويًا ممسكًا بالسوطِ في كفه والحب يدمي مدمعك
3- يقول " القمص تادرس يعقوب": "ضاقت نفسه بسبب مشقة إسرائيل (ع 16) وكأنه لم يحتمل مشقتهم ولا آلامهم. أنه أب مملوء حبًا، لا يستطيع أن يرى دموع أبنائه... فإنه إذ يؤدب بحزم يعود بحبه ليقول {قد انقلب عليَّ قلبي. اضطرمت مراحمي جميعًا. لا أُجري حمو غضبي لا أعود أُخرِب أفرايم لأني الله لا إنسان القدوس في وسطك فلا آتي بسخطٍ} (هو 11: 8، 9). عجيب هو الرب في محبته. فهو لا يحتمل توبة إنسان، ولعل أعظم مثل لذلك ما فعله مع آخاب الملك الشرير الذي قتل وورث (1 مل 21: 19).. لكنه إذ سمع كلام الرب ضده على لسان إيليا النبي وشق ثيابه وجعل مسحًا على جسده، لم يحتمل الرب هذا المنظر... (1 مل 21: 19)"(2).
4- يقول " القمص مكسيموس وصفي": "إنها أحشاء الله التي تئن على الخطاة، وضيقه من أجلهم حين صرخوا تائبين، وهذه الصرخة التي حرَّكت أحشاء الله لخلاصهم لها سمات خاصة هي:
صرخة الشعور بالإثم: صرخ الشعب معترفين بخطاياهم قائلين " أخطأنا إليك لأننا تركنا إلهنا وعبدنا البعليم" (قض 10: 10).
وصرخة تسليم الحياة لله: لقد اختبر الشعب أن السعي وراء العالم وشهواته قد جرَّهم إلى مرارة وضيق وأن الحياة مع الله تنعم بالسلام والنعمة لذلك أسلموا حياتهم بين يدي إلههم قائلين " فأفعل بنا ما يحسن في عينيك" (قض 10: 15).
الجهاد في التوبة: إن التوبة... هي تحطيم لكل حصون الشر وسلطانه وتعهد بعدم العودة إليه لذلك كان من أهم مظاهر البدء في توبتهم أن حطموا أوثانهم " وأزالوا الآلهة الغريبة من وسطهم وعبدوا الرب" (قض 10: 16).
وحدة القلب: لقد اجتمع شيوخ جلعاد أي رؤساء الشعب وهم يطلبون المخلص الذي ينقذهم، هؤلاء الذين كانوا قبلًا يحيون حسب أهوائهم، هم الآن يطلبون المخلص يفتاح الجلعادي الذي كانوا قد رفضوه قبلًا"(3).
5- يقول " الأرشيدياكون نجيب جرجس": "ضاقت نفسه بسبب مشقة إسرائيل: وتُرجمت أيضًا فرقَّ قلبه بسبب مشقة إسرائيل، وإن الرب لا يقع تحت الانفعالات البشرية ولكنه يعبر بلغتنا البشرية بهذا الأسلوب لكي يبين أن الرب قد تألم جدًا من أجل مشقة شعبه، عندما كانوا مذلين من أعدائهم... إن هذه التعبيرات الإلهيَّة ترسم أمام المؤمنين صورة عظيمة واضحة لمحبة الله الفائقة ومراحمه الواسعة، وتذكّرهم أن الله يبالي بأولاده في جميع ظروفهم ويحب أن يراهم سعداء ولا يسر بمشقتهم أو ضيقهم أو هلاكهم"(4).
_____
(1) فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد جـ 5 س 411.
(2) تفسير سفر القضاة ص 101، 102.
(3) دراسة في سفر القضاة ص 93، 94.
(4) تفسير الكتاب المقدَّس - سفر القضاة ص 160.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1016.html
تقصير الرابط:
tak.la/x6gadtr