ج: 1- ارتكب رؤساء سكوت خطئًا شنيعًا لأنهم لم يسعفوا جدعون ومن معه بالطعام، بالرغم من أنه القاضي والمخلص الذي أرسله الله من أجل خلاصهم من قبضة مديان، والجنود الذين معه خاطروا بحياتهم من أجل استعادة حرية الشعب. أما رؤساء سكوت فقد خانوا وطنهم، وأخفوا خوفهم من مديان بالسخرة من جدعون " فقال رؤساء سكوت هل أيدي ذبح وصلمناع بيدك الآن حتى نعطي جندك خبزًا" (قض 8: 6) وحذرهم جدعون وتوعدهم قائلًا " عندما يدفع الرب ذبح وصلمناع بيدي أدرس لحمكم مع أشواك البرية بالنوارج" (قض 8: 7) وسمعوا هذا التحذير والوعيد بأذانهم. ولاحظ قوة إيمان جدعون فلم يقل " إذا دفع الرب " بل قال " عندما يدفع الرب " ومع ذلك فإن أهل سكوت لم يراجعوا أنفسهم وأصروا على رأيهم، غير مبالين بهذا التحذير، ولم يكرموا جدعون من أجل إلهه، وأيضًا بعد أن تنامت إلى أسماعهم انتصارات جدعون وأنه عائد في طريقه إليهم ومعه ملكي مديان اللذان عيروه بهما، لم يسارعوا للاعتذار وتقديم أسفهم العميق، فلو فعلوا هكذا لنجوا من الموت، لأن جدعون طيب القلب، وقد تسامح مع أهل أفرايم، ولكن مشاعرهم قد تبلدت، ويقول " القمص تادرس يعقوب": "كان يليق بأهل سكوت أن يحاربوا مع جدعون للتحرر من عبودية المديانيين، فإذ لم يكن لديهم الإيمان الكافي لهذا العمل فلا أقل من تقديم الخبز له ولجنوده. هؤلاء كانوا أكثر سوءًا من رجال أفرايم لأنهم باردون في مشاعرهم، مُستسلمون للعبودية، ومثبطين لهمم العاملين، فكانوا أخطر من الأعداء أنفسهم. لم يتوقفوا عند عدم العطاء وإنما في سخرية حاولوا تثبيط هممهم بقول رؤسائهم له {هل أيدي ذبج وصلمناع بيدك الآن حتى نعطي جندك خبزًا؟!}"(1).
2- أوصت الشريعة بإطعام العدو " إن جاع عدوك فأطعمه خبزًا وإن عطش فاسقه ماء" (أم 25: 21) أما أهل سكوت فلم يطيعوا الوصية، وإن قال أحد أن هذه الوصية جاءت في وقت متأخر بعد عصر القضاة، أقول له ولكن روح هذه الوصية كان قائمًا في شريعة موسى بدليل قوله " إن صادفت ثور عدوك أو حماره شاردًا ترده إليه" (خر 23: 4). إذًا رؤساء سكوت حطموا الوصية الإلهيَّة.
3- كان يمكن لجدعون بعد عودته منتصرًا أن يحرق سكوت بكل ما فيها، وكل من فيها، ولكنه سأل وتقصى عن رؤساء سكوت الذين عيرونه، وأمسك غلامًا - ليس له توجهات معينة - وطلب منه أن يكتب له أسماء شيوخ سكوت ورؤساءها، فكتب له سبعة وسبعين اسمًا، فاستدعاهم جدعون، وواجههم بالتهمة " وقال هوذا ذبح وصلمناع اللذان عيرتموني بهما" (قض 8: 15) ولم ينكر هؤلاء الأشرار هذه التهمة، ولم يطلبوا الصفح والمغفرة، فنفذ فيهم جدعون وعيده، ويقول " الأرشيدياكون نجيب جرجس": "وقد يعترض البعض أن مثل هذه العقوبات تعتبر قاسية جدًا. ونجيب:
(1) يجب أن نذكر أن هؤلاء الرؤساء عاملوا جدعون ورجاله معاملة ليس بها أثر للرحمة مع أنهم حاربوا وجاهدوا في سبيل تحرير شعبهم.
(2) وفي معاملتهم القاسية كلموهم كلامًا ينطوي على الكفر بقدرة الله، والتهكم على جدعون.
(3) وفي حديثهم خطورة لأنه قد يُهبّط عزيمة الشعب، ويجعلهم ينصرفون عن جدعون.
(4) وبالتالي يسببون فتنة بين صفوف شعب الله ويعرضهم للانقسام فتضيع عليهم فرصة الانتصار الذي انتصروه ويمكن الأعداء من العودة ثانية إلى احتلال أراضيهم واستعبادهم أكثر من الأول...
(5) هذا ويجب أن نذكر أن جدعون مجرد إنسان قد يتعرض للخطأ مثل أي إنسان، والكتاب المقدَّس يذكر أعمال الناس كما وقعت حتى أخطاء رجال الله، وهذا مما يؤيد صحة الكتاب المقدَّس ونزاهته وسلامته من كل تحريف وأمانة الذين كتبوه ونسخوه"(2).
4- هذه العقوبات القاسية كانت سمة العصور المظلمة التي عاش فيها القضاة، فل، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. يمكن أن نحكم عليها بمبادئ اليوم وحقوق الإنسان، ويجب ملاحظة أن جدعون لم يحكم على أعدائه بمثل هذه العقوبة، إنما حكم فيها على أبناء شعبه لعظم جرمهم.
_____
(1) تفسير سفر القضاة ص 82.
(2) تفسير الكتاب المقدَّس - سفر القضاة ص 127.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1010.html
تقصير الرابط:
tak.la/47rksb2