ويتساءل " ليوتاكسل " كيف أن ثلثمائة رجل يحيطون بمعسكر المديانيين المتسع الأرجاء؟! فيقول " فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف استطاع " الوالغون " الثلاث مائة أن يروا بعضهم من تلك المسافة، أو أن يكرر كل منهم حركات المارشال جدعون وهو يكسر الجرة؟ وفي نهاية الأمر، أي انطباع يمكن أن يولده تكسير ثلاث مئة جرة على خط امتداده بين 15 - 20 كم..؟! ولكن ربما أحدث يهوه بالثلاث مائة بوق ضجيجًا يعادل ضجيج ثلاثة مائة ألف منها، ثم زاد صخب تكسير الجرار الثلاث مائة بنسبة ألف مرة، وردد زعيق الوالغين الثلاثة مئة عبر صدى إلهي خارق!..!! من الواضح أن حكاية " الحمامة " الإلهية (يقصد الروح القدس الذي أوحى للكاتب) في صيغتها هذه أليست سوى هراء مستحيل ممسوخ"(1).
ويقول " دكتور محمد بيومي": "ومن الغريب أن تفاجئنا التوراة أن جدعون قتل من أعدائه بهذه المئات الثلاثة مئة وعشرون ألفًا من مخترطي السيف في الكَرَة الأولى، ثم خمسة عشر ألفًا كل الباقين مع جميع جيش بني المشرق في الكَرَة الثانية (قض 8: 10) وليس لدينا من تفسير مقبول لكل ذلك سوى أنه التناقض والمبالغة المنقطعة النظير التي تعودناها في التوراة وإلاَّ فخبرني بربك: كيف يستطيع جدعون بجنوده الثلاثمائة -مهما كانت شجاعتهم- أن يقتل من جيش المديانيين مائة وعشرون ألفًا في الجولة الأولى. ثم خبرني بربك: كيف استطاع بهم أنفسهم أن يقتل خمسة عشر ألفًا في الجولة الثانية. أنا شخصيًا لا أستطيع أن أتصوَّر ذلك حتى في أضغاث الأحلام، ولك أنت -يا قارئي العزيز- أن تتصوَّر ما تريد وأن تصدق ما تشاء ثم لك بعد ذلك أن تؤمن أو لا تؤمن -كيفما تشاء- بأن حدثًا كهذا يكون وحيًّا من الله في كتاب من عند الله. يطالبون المؤمنون به أن نؤمن به كواحد من الكتب المقدَّسة"(2).
ج: 1- يتهم " ليوتاكسل " الكتاب المقدَّس بالمبالغة، ساخرًا من الوحي الإلهي، ويغض النظر عن مبالغته هو، فيقول أن جنود مديان عسكروا على خط امتد من 15 إلى 20 كم، دون أن يوضح هل سيصطفون طابورًا واحدًا، أم أنهم سيعسكرون في مساحة مربعة طول ضلعها 15 - 20 كم..؟! والحقيقة أنه ليس منطقيًا أن يعسكروا طابورًا واحدًا، وهكذا ينامون، لأن هذا لم يحدث قط، إنما هؤلاء الجنود كانوا يعسكرون في خيام كما هو واضح من الحلم الذي سمعه جدعون من أحد رجال مديان، وبعملية حسابية بسيطة لو أن الخيمة الواحدة التي تبلغ مساحتها 5 × 5 م عسكر فيها 14 جندي، وأن بين كل خيمة وأخرى نحو 2 م من كل جانب. إذًا الخيمة الواحدة بمنطقة الفراغ التي تخصها تبلغ مساحتها 6 × 6 = 36 م2. فالجنود الـ135000 يحتاجون لمساحة 13500 × 36 = 347143 م2 أي نحو 350 ألف متر مربع أن مساحة مستطيلة يبلغ 14عرضها 5ر. كم (500م) وطولها 7ر. كم (700 م) وهذا يفضح مبالغات ليوتاكسل وقصده الغير حسن.
2- وضع الله لجدعون خطة الهجوم في جناح الليل، فقسم جدعون الرجال إلى ثلاث فرق، كل فرقة مائة رجل، وكل رجل يحمل معه بوقًا وجرة يخفي داخلها مشعل، وفي لحظة الصفر ضرب جدعون ومن معه بالبوق، فضربت جميع الأبواق الثلثمائة، وارتفع الصوت في هدوء الليل مجلجلًا، وحطموا الجرار فظهر صوت التحطيم كصوت جيوش كاسرة، وفجأة ظهرت المشاعل، وصرخ الرجال صرختهم المدوّية التي جلجلت في المكان " للرب وجدعون " وهبَّ المديانيون من نومهم مزعورين، وأوقع الله الرعب في قلوبهم، حتى تصوَّر كل منهم أن جنود الأرض قد اجتمعوا وقاموا عليهم، بل وظنوا أن جنود الحراسة هم جنود العدو الذي اخترق صفوفهم، ولم يعرف أحد من معه ومن عليه، وثارت الجمال وهاجت، فكانت يد كل واحد على الآخر " فركض كل الجيش وصرخوا وهربوا... وجعل الرب سيف كل واحد بصاحبه وبكل الجيش. فهرب الجيش" (قض 7: 21، 22) ولا عجب لأن " الشرير يُطرَد بشره" (أم 14: 32) و" الشرير يهرب ولا طارد" (أم 28: 1).
وهبَّ رجال إسرائيل من عدة أسباط وسارعوا يطاردون فلول الجيش الهارب، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. " فاجتمع رجال إسرائيل من نفتالي ومن أشير ومن كل منسى وتبعوا المديانيين" (قض 7: 23) ولم يرد جدعون أن ينفرد بالنصر فأرسل إلى " جبل أفرايم قائلًا انزلوا للقاء المديانيين... فاجتمع كل رجال أفرايم وأخذوا المياه إلى بيت بارةً والأردن. وأمسكوا أميري المديانيين غرابًا وذئبًا وقتلوا غرابًا على صخرة غراب وأما ذئب فقتلوه في معصرة ذئب" (قض 7: 24، 25) أي أن الصخرة التي قتلوا عليها غراب دُعيت صخرة غراب، وهكذا المعصرة التي قُتل فيها ذئب دُعيت معصرة ذئب.
فلماذا يصوّر " الدكتور محمد بيومي " المعركة وكأنها قد اقتصرت على جيش مديان الجرار في مواجهة ثلثمائة رجل فقط؟! ولماذا تجاهل عشرات الآلاف من إسرائيل الذين كانوا قد اجتمعوا من قبل للقتال وهم شغوفون بمعرفة نتائج الحرب، ولا بُد أنهم ابتهجوا جدًا بالنصرة التي حققها جدعون، وأسرعوا للمشاركة في الحرب. لقد أثارت فلول الجيش المدياني الهارب الحمية والشجاعة في قلوب رجال إسرائيل، فسارعوا للمشاركة في المطاردة وتحقيق النصر النهائي.
_____
(1) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 230.
(2) تاريخ الشرق الأدنى القديم - تاريخ اليهود ص 283.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1009.html
تقصير الرابط:
tak.la/p748hz3