ج: وُلِد " جوزيف فيساري نوفتش دجوغا شفيلي" (ستالين) في أسرة متواضعة فوالده كان يعمل إسكافي، وكان سكيرًا، وكان يعامل ابنه " جوزيف " بقسوة ويضربه ضربًا عنيفًا، وأمه " إيكاترينا " كانت تعمل في البيوت لتعول الأسرة، وأحيانًا كانت تسرف في حب ابنها " جوزيف " ولاسيما بسبب معاملة والده القاسية له، وأحيانًا كانت تضربه ضربًا مبرحًا، وعندما سألها فيما بعد: لماذا كانت تضربه كثيرًا؟ أجابته بأن الضرب لم يسبب له أي أذى، ولكنه في الحقيقة قد تأذى نفسيًا حتى أنه كره والدته، وخلال نحو 30 عامًا فيما بعد وعندما صار رئيسًا لم يلتقي بها سوى ثلاث مرات، ورفض دعوتها إلى الكرملين. بل أنه غيَّر اسمه من " جوزيف " إلى " ستالين " أي " الرجل الفولازي". كما قيل أن " لينين " هو الذي دعاه بهذا الاسم، لأنه كان ضمن مجموعة ثورية تحاول اغتيال أحد الرجال الموالين للقيصر الروسي، وكان " جوزيف " متنكرًا في ذي عامل، وكان يعمل مع بقية العمال في حديقة القصر، وعندما أبصر هذا الشخص، ألقى عليه قنبلة يدوية، وراح يكمل عمله وكأن شيئًا لم يحدث.
وفي سن الحادية عشرة أرسلته أمه إلى المدرسة الملحقة بدير أرثوذكسي في " تبيليس"، وتعلم القراءة من خلال الكتاب المقدَّس كما أعلن خرشتوف فيما بعد، وكم حزنت أمه لأنه لم يلتحق بالرهبنة، حتى بعد أن صار رئيسًا لروسيا، ولم تكن تدري كم من الجرائم سيرتكبها هذا الابن الجاحد، وكم سيناصب الكنيسة الأرثوذكسية الروسية العداء، فيحرق الأيقونات، ويهدم الكنائس... ويفعل كل ما يحلو له.
وقد عُرف ستالين بذكائه الحاد وذاكرته الخارقة، فكان متفوقًا في دراسته، كما أنه تميَّز عن أترابه بنهمه الشديد للإطلاع، وعندما كان في الخامسة عشرة من عمره اتصل بالحركات الماركسية السرية وفي الواحدة والعشرين ألقى خطابًا حماسيًا على مئات العمال في اجتماع سري، مما نتج عنه إنفجار موجة من الإضرابات العمالية، وفي سنة 1901م قام ستالين بتوزيع صحيفة " إيسكرا " أي الشرارة، والتي كان يصدرها " لينين" وهو في الخارج، ونظم مظاهرة ضمت أكثر من ألف عامل، وفي السنة التالية 1902م تظاهر ستة آلاف عامل في مدينة " باتوم " الصناعية، بفضل الحلقات السرية التي كان ينظمها ستالين، وقتل البوليس في هذه المظاهرة خمسة عشر شخصًا وأعتقل خمسمائة عامل، ثم أُعتقل " ستالين " وحُكم عليه بثلاث سنين في سيبيريا، ولكنه استطاع الهرب والعودة إلى تبليس في شهر فبراير 1904م، وأخذ يجاهد للقضاء على القيصرية في روسيا، ثم تعرَّض بعد هذا للإعتقال عدة مرات، والنفي، ولكنه استطاع العودة إلى بطرسبرج سنة 1912م وأصدر جريدته " البرافدا"، ولكن " لينين " وهو في النفي استدعاه وأرسله إلى فيينا ليتفرغ لكتابه مؤلفه " الماركسية والمسألة القومية " وقد أشاد لينين بهذا المؤَلَّف، وعندما اندلعت ثورة أكتوبر الاشتراكية سنة 1917م كان " ستالين " أحد أعضاء المركز العسكري الثوري، وطوال فترة الحرب الأهلية كان " ستالين " يقود النضال المسلح، فكان في نظر " لينين " أنه صاحب المهمات الصعبة، وعندما أُصيب " لينين " بالشلل في يده ورجله اليمنتين وحُظر عليه أي إزعاج أو نشاط سياسي، كان ستالين هناك يسهر على راحته وصحته (راجع مقال د. إبراهيم زعير (صوت الشعب) من شبكة الإنترنت).
ج: بعد موت " لينين " سنة 1924م تألفت الحكومة من الثلاثي ستالين، وكامينيف، وزينوفيف، ولكن ستالين تغلَّب على كامينيف وزينوفيف، وعمل على إبادة كل المعارضين له بالداخل، وحتى رفيق دربه " تروتسكي " الذي كان منفيًا في المكسيك أرسل " ستالين " من يغتاله سنة 1940م. لقد نجح " ستالين " في أن يخلّف لينين، وأحكم قبضته الحديدية على روسيا، وقام بتأميم كل ممتلكات الطبقة المتوسطة، وكان المندبون من الجيش الأحمر يصادرون الأملاك بالكامل، ويتركون تلك الأسر لتعاني الموت جوعًا، وكانت هذه أول مجاعة مُتعَمدة في العالم مات فيها ملايين البشر.
واستخدم " ستالين " أقسى أساليب العنف ضد الهيئات الدينية والمؤمنين، والمثقفين، والفنانين، والمعارضين فرجال الكهنوت حُرموا من البطاقات التموينية، ومُنعوا من الأعمال، وحُرم أبناؤهم من الالتحاق بالمدارس أو أُخذوا بعيدًا عنهم إلى الملاجئ، وأُلغيت كافة الاحتفالات الدينية، وخلال الفترة من سنة 1929م وحتى نشوب الحرب العالمية الثانية أُعدم آلاف القسس، وأُرسل الآلاف إلى معسكر السخرة، وتحوَّلت الكنائس إلى مخازن أو مدارس أو مسارح، وفي سبتمبر 1932م نشرت جريدة "الحارس" الروسية أنه بناء على خطة السنوات الإلحادية فسوف تنتهي الكنائس في مدة خمس سنوات، ويُمحق الدين من الوجود، ويخرس للأبد صوت الله، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. وفي سنة 1937م فقط تم إغلاق 1100 كنيسة أرثوذكسية، و240 كنيسة كاثوليكية، و61 كنيسة بروتستانتية، و110 مسجد، وأُعتبر المسلمون أيضًا عديمي الولاء للدولة، وصارت الشيوعية دينًا، وهو الدين الماركسي اللينيني، وترك الشيوعيون القليل من الكنائس كنوافذ للمراقبة وكان معظم رعاة هذه الكنائس من عملاء البوليس السري يتعاونون مع الشيطان ضد أبنائهم، حتى أن أحد الأساقفة الأرثوذكس علَّق على جبته " المطرقة والمنجل " رمز الشيوعية، وطلب من الكهنة أن يخاطبوه بـ"الأسقف الرفيق" بدلًا من "صاحب الغبطة" وبعض الأساقفة أخذوا يشيعون أن الشيوعية والمسيحية هما واحد في الأساس (راجع ريتشار وورمبلاند - جواب المسيحية على الإلحاد الشيوعي ص19، والعذاب الأحمر ص 14، 15). أما الرعاة الأمناء فكانوا مختفين عن الأعين.
كما استخدم " ستالين " العنف ضد الفلاحين المعارضين للمزارع الجماعية التي توسع في إنشائها حتى وصلت إلى نسبة 60% من مساحة الأرض، وقام بتصدير القمح واللبن والجبن في حين مات أكثر من مليون طفل من الجوع ويقول "رتشارد كتشام": "وقد أعترف ستالين فيما بعد بأن تطبيق نظام المزارع الجماعية، كلف الإتحاد السوفيتي من الأرواح أكثر مما كلفته الحرب العالمية الثانية" (1).
كما استخدم " ستالين " العنف أيضًا مع العمال وأجبرهم على العمل في المصانع الكبرى، وأُعتبر العامل الذي يترك العمل من نفسه " هاربًا " ويعاقب بالعمل لمدة عشر سنوات في معسكر السخرة، وما أدراك ما معسكر السخرة، فالإنسان لا يجد كفايته من الخبز، فمن تتراوح نسبة إنتاجه من 75 - 80% من المعدل المطلوب يحصل على 200 جم من الخبز، ومن يحقق نسبة 81 - 99% يحصل على 400 جم، ومن يحصل على 100% يحصل على 600 جم من الخبز يوميًا، وبينما كان نصيب الإنسان من اللحم في اليوم 22 جرام، فإن نصيب الكلب كان 250 جم، وهذه الظروف الصعبة في معسكرات السخرة رفعت نسبة الوفيات من 20 - 50%، وكان يُودع في هذه المعسكرات العمال غير المرغوب فيهم، وكان العامل يُحاسب على أي ضرر يلحق بالآلة، وفي عهد " ستالين " تمت تربية الأطفال منذ الثالثة من عمرهم على المبادئ الشيوعية، وأن الدولة هي كل شيء والفرد لا شيء.
ج: عندما زاد تبرُّم الشعب وضعت الدولة دستور 1936م الذي حمل باقة رائعة من حقوق الشعب مثل حق التعليم، وحق العمل، والمساواة بين الجنسين، وحرية الصحافة والاجتماعات، وحصانة الأشخاص ومنازلهم، ولكن كل هذا وُضع من أجل تحسين صورة الشيوعية، وكانت كل هذه الحقوق هي مجرد حبر على ورق، وخلال الفترة من 1935-1939م قادت حكومة ستالين حملات التطهير البشعة، حتى وصل عدد المعتقلين بالملايين، أُعدم منهم الآلاف، وقبيل غزو هتلر لروسيا، وقد رصدت المخابرات الروسية تبرُّم قادة الجيش من الشيوعية، كانت هناك حملة تطهير شرسة في الجيش، أُعدم خلالها خمسة مارشال، وإحدى عشر نائبًا لوزير الدفاع، ومن مجلس الدفاع الأول الذي كان يضم ثمانين شخصية، أُعدم منهم 75 جنرالًا وأميرالًا، وأُعدم 90% من كل الجنرالات، و80% من كل الكولونيلات، بالإضافة إلى ثلاثين ألف ضابط آخر، ومن أجل كل هذه المذابح التي صنعها " ستالين"، فإنه عندما هاجمت القوات الألمانية الإتحاد السوفيتي، نظر الروس للألمان على أنهم محرريهم، فخرجت مظاهرات روسية ضخمة تشجع الألمان (راجع رتشارد كتشام - هذه هي الشيوعية).
وفي سنة 1939م أتفق "ستالين" مع "هتلر" على غزو "بولندا" وتقسيمها بينهم، وكان هذا من أسباب اندلاع الحرب العالمية الثانية، وفي سنة 1941م أنقلب " هتلر " على " ستالين " وهاجم الإتحاد السوفيتي، وعندما اجتاحت القوات الألمانية الأراضي السوفيتية لم تجد مقاومة تُذكر بسبب ما قام به " ستالين " من إعدامات لجنرالات الجيش، فدخلت القوات الألمانية القرى وحرقتها عن بكرة أبيها (ولم تعتد بمعاهدة " عدم الاعتداء " التي عقدها هتلر مع ستالين في 23 أغسطس 1939م) واضطر " ستالين " إلى بذل قصارى جهده للتصدي للقوات الألمانية إلى أن أنتصر عليها في موقعة ستالنجراد في 9 مايو 1945م، فارتفعت أسهم " ستالين " إلى السماء، وأُعتبر هو المؤسس الحقيقي للإتحاد السوفيتي، وصانع النصر على دول المحور (ألمانيا وإيطاليا واليابان) وذلك بالرغم من أن الإتحاد السوفيتي قد تحمل خسائر بشرية أكثر من أي بلد أخرى، وفي سنة 1947م فاز في دائرته الانتخابية بنسبة 131% بحجة أن المواطنين جاءوا من الدوائر الأخرى ومنحوه أصواتهم، وصار " ستالين " موضع تكريم القيادات السوفيتية، وطالما تغنت له وسائل الإعلام، وانتشرت كتبه في أرجاء البلاد، فلم تخلو منها مكتبة.
ج: لم يعش " ستالين " سعيدًا في حياته، وكان قد تزوج مرتين، الأولى يهودية وتدعى " روزا " وقد ماتت بالسل سنة 1907م أي قبل قيام الثورة بعشر سنوات، وقيل أنه لم يكن يملك المال الكافي لعلاجها، بعد أن أنفق ماله على الحزب، وكان قد أنجب منها " ياكوف " الابن الأكبر الذي حاول الانتحار ذات مرة ونجا، ثم ألتحق بالجيش، وتعرض للأسر من القوات الألمانية، ورفض ستالين أن يميزه في تبادل الأسرى، وفي محاولته للهرب قُتل. أما زوجته الثانية (ناديا) فقد تزوجها سنة 1917م وكان عمرها 17 سنة، وكانت شيوعية متحمسة وابنة أحد زملائه المقربين، وكانت تدرس الهندسة، وأنجبت له طفلين، وأخيرًا انتحرت بالرصاص بسبب خلافاتها مع ستالين، ولاسيما بسبب تعدد علاقاته العاطفية وأُعلن أنها ماتت بسبب التهاب الصفاق.
وأيضًا كان " ستالين " يعاني من فقدان الثقة بالجميع، بعد أن قتل معظم رفاقه، وكان يتوقع الاغتيال، فخصص ثمان حجرات للنوم تُغلق جميعها بإحكام، ولا يعرف أحد في أي حجرة يبيت، ولم يكن يتذوق الطعام إلاَّ بعد أن يتذوقه الطاهي أولًا، وسمعه " خروششتوف " وهو يقول "لم تعد لي ثقة في إنسان ما" (2).
وفي أول مارس 1953م في مأدبة عشاء وبحضور وزير الداخلية السوفيتي " لافرينتي بيريا" و"خروششتوف " تدهورت حالة " ستالين " الصحية، ومات بعدها بأربعة أيام بجلطة في المخ، وحُنطت جثته، ووضعت بجوار جثة لينين، وفي الجلسة العشرين للحزب الشيوعي ندَّد خروششتوف بستالين، حتى وصفه بالسفاح الجماعي، والقاتل ليس لأعدائه فقط بل ولأصدقائه أيضًا، وبين ليلة وضحاها أنقلب المديح والتكرم لستالين إلى سب ولعنات، وشيئًا فشيئًا أصدر خروششتوف أوامره السرية بقتل كل كبار المسئولين الذي شايعوا ستالين، وأن يتم ذلك بطريقة لا تثير الشكوك لدى أحد، ويقول "بيتر أوهل " رئيس وكالة الأنباء التشيكية أن " ستالين من سنة 1924 بعد الانتصار في حرب التدخل بدأ سياسة إرهابية تخريبية لم يكن لها مبرر قط... ويعتقدون أن ستالين خان الشعب الروسي" (3).
وبعد موت ستالين في 5 مارس 1953م الذي جمع بين الإرادة الحديدية وقسوة العنف الذي لا يرحم، حكم بعده " لافرينتي بيريا " ثم " نيكيتا خروششتوف " ثم " جورجي ماللينكوف " وقد بدأت الشيوعية في تغيير ملابسها، وتحسين مظهرها، فبدأ الإتحاد السوفيتي يغير أسلوبه وليس سياسته، وبدأ يتحدث عن التعايش السلمي، وأبدى رغبته في مساعدة الدول النامية، وأجتذب إليه بعض دول الشرق الأوسط، وفتح باب البعثات العلمية إليه، ومن خلال هذه البعثات كان ينشر فكره في العالم كله، وبدأ السياسيون السوفيت ينفتحون على العالم ويزورون الدول الغربية، ويشجعون الغربيين على زيارة أراضيهم، مع تحاشى الحديث عن المذهب الشيوعي الذي فاحت رائحته، فلم يعد أحد من الشعوب يقبله، وما حققته الشيوعية من نجاحات بسبب انتصاراتها في الحرب العالمية الثانية بدأ يضمحل، ولم تعد الشعوب تقبل التواجد السوفيتي في أراضيها إلاَّ لهدف معين، وهو تحدي الولايات المتحدة وشركائها الغربيين، أما نيكيتا خروششتوف الذي أنتقد سياسة ستالين بشدة ووصفه بأنه مجرم حرب، فاستمر في نفس السياسة حيث المحاكمات السرية ورمي المعارضين بالرصاص وقمع الحريات.
_____
(1) ترجمة عزت فهيم - هذه هي الشيوعية ص 36
(2) رتشار وورمبلاند - ترجمة د. عزت زكي - جواب المسيحية على الإلحاد الشيوعي ص 140
(3) عبد الستار الطويلة - سقوط الحلم الشيوعي ص 226
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/atheism/stalin.html
تقصير الرابط:
tak.la/nm659zp