«هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ.» (يو1: 29) يقترب من مذبح المحرقة، ليُقَدم ذاته بإرادته. ففيه تكتمل ذبائح وتقدمات العهد القديم، [فكل ذبيحة كانت ترمز للمسيح من وجهة محددة.
فذبيحة المحرقة: التي تُقدَّم دون ارتكاب خطية محددة، إرضاءً لله، وتُحرَق بكاملِها، إشارةً للسيد المسيح الذي قدَّم ذاته، بإرادته، دون أن يرتكب خطية، إرضاءً للعدل الإلهي في طاعةٍ كاملة.
وذبيحتا الخطية والإثم: تُذبحان من أجل خطية الإنسان، وتشيران للسيد المسيح الذي حمل خطايانا وذُبح عوضًا عنا.
وذبيحة السلامة: التي كانوا يشتركون معًا في تناولها في وليمة مفرحة، وترمز للإفْخارِسْتِيَا، المسيح الخبز النازل من السماء.
وتقدُمة الدقيق: وتُعمل من الدقيق الأبيض النقي، وتشير لحياة السيد المسيح الطاهرة النقية][314]
أعلن الرب: «هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إلَى أُورُشَلِيمَ، وَسَيَتِمُّ كُلُّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ بِالأَنْبِيَاءِ عَنِ ابْنِ الإنْسَانِ.» (لوقا18: 31). «وَحِينَ تَمَّتِ الأَيَّامُ لارْتِفَاعِهِ ثَبَّتَ وَجْهَهُ لِيَنْطَلِقَ إلَى أُورُشَلِيمَ.» (لوقا9: 51)؛ ليتألَّم ويُصلَب. وإذ أراد مار بُطْرُس أن يمنعه قَالَ له: «اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ! أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي، لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا للهِ لكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ.» (متى16: 23). ولم يكُنِ الرب يقصِد أن يصِفَ مار بطرس بأنه شيطان، فالرب أكثر رِقَّةٍ من توبيخٍ كهذا، لكن الرب وَجَّهَ أمْرَه للشيطان، الذي تكلم على لسان مار بطرس فأوْعز له بهذه الفِكرة. رغم إعلان رب المجد عن آلامه لتلاميذه: «وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ يَفْهَمُوا مِنْ ذلِكَ شَيْئًا، وَكَانَ هذَا الأَمْرُ مُخْفىً عَنْهُمْ، وَلَمْ يَعْلَمُوا مَا قِيلَ.» (لوقا18: 34). وهكذا رَأينا آلام الرب، واستمَعنا إلى كلماته على الصليب كأنها دقَّاتُ أجراسٍ تُعلن نهاية مملكة إبليس وبداية مملكة المسيح الجديدة.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
كان الموت على الصليب هو حُكْم الإعدام الذي حكمت به البشرية القاسية والظالمة على ربنا يسوع المسيح له المجد، الذي هو وحده بلا خطية. وجاز الرب سِتَّ محاكماتٍ، واعترف الحُكام في الإمبراطورية الرومانية ببراءته وأنه لا يستحق الموت. ومع هذا فقد مات رب المجد على الصليب محكومًا عليه من شعبه، الذي صرخ: اصلِبه اصلِبه.
وتحيرت البشرية عندما أرادت أن تَضَع اسمَ الجريمة على لوحةٍ فوق الصليب كعادة الرومان. وفي حَيْرتهم كتبوا: «هذَا هُوَ مَلِكُ الْيَهُودِ.» (لوقا23: 38). أما الجاحدون فاختلفوا، وطلب بعضهم أن يضعوا على صليبه: «هذا قال عن نفسه أنه مَلِكُ الْيَهُودِ»، ولكن «مَا كَتَبْتُ قَدْ كَتَبْتُ». (يو22:19). ولم يَكُنِ المكتوبُ جريمةً تستحق الموت، بل كان شهادة نبوية رتَّبها ضابط الكون بِحِكمته؛ ليُعلِن أن مُلكَ المسيح سيبدأ فعلًا على خشبة الصليب. وجعل الوثنيين أنفسهم يُعلنون بدءَ المُلكِ الألفي بإرادتهم، دون أن يَدْرُوا.
وعلى الرغم من أن المُحاكمات أسْفَرت في نهايتها عن حُكْم البراءة، فقد كانت الثلاث مُحاكمات الأولى مُحاكماتٍ ابتدائية، أما الثلاثُ الأخيرة فكان الحُكْم النهائي فيها بالبراءة، على الرغم أنها كانت في أماكنَ مختلفة وأمام حُكام مُختلفين، إلا أن الرب في النهاية صُلب وسط أصوات تقول: «إنِّي لاَ أَجِدُ عِلَّةً فِي هذَا الإنْسَانِ.» (لو23: 4) وصرخات تقول «اصْلِبْهُ! اصْلِبْهُ!.» (لوقا23: 27) «دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلاَدِنَا.» (متى27: 25).
والعجيب أن الرب فيما كان يُقَدَّم كمُجرِمٍ أمام الوُلاة والملوك، صار سببًا في المصالحة والصداقة بين الحُكام المتخاصمين, «فَصَارَ بِيلاَطُسُ وَهِيرُودِسُ صَدِيقَيْنِ مَعَ بَعْضِهِمَا فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، لأَنَّهُمَا كَانَا مِنْ قَبْلُ فِي عَدَاوَةٍ بَيْنَهُمَا" (لوقا23: 12).
وكان صانع سلام يُقيم صُلحًا بين الآب والبشرية، فأثبت أنه صانع السلام رأسيًا (البشر مع الله)، وأُفُقيًا (البشر معًا)، فرَسَم صليبًا قبل أن يُصلَب.
والعجيب أيضًا أنه رَغم أن المحاكمات كانت تسير في اتجاه براءته كل مرة أكثر من سابقتها،إلا أنه في نفس الوقت كانت مُعاملة الجنود سائرة في اتجاه إعداده للصلْب ضِدًّا للأحكامالتي تُصدِرها المُحاكمات، رغم أن القضاة فيها ملوكٌ ووُلاة.
_____
[314]د. القس بيشوي حلمي إبراهيم، عقائدنا المسيحية الأرثوذكسية، طبعة أولى 2007م، ص278.
[315]الخولاجي المقدس، القداس الغريغوري، طبعة القمص عطاالله أرسانيوس المحرقي، مكتبة المحبة، طبعة أولى 1959م، ص473.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-youhanna-fayez/trials-of-jesus/section-3-chapter-2.html
تقصير الرابط:
tak.la/5krbbmp