في مجمع الناصرة - بعد شفاء المفلوج - في الهيكل في عِيد الْمَظَالِّ - سؤال رؤساء اليهود لاصطياد السيد المسيح - الأحداث الأخيرة التي مهدت للصليب
«جَاءَ- يَسُوعُ- إلَى النَّاصِرَةِ... وَدَخَلَ الْمَجْمَعَ وامْتَلأَ غَضَبًا جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْمَجْمَعِ... فَقَامُوا وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ، وَجَاءُوا بِهِ إلَى حَافَّةِ الْجَبَلِ الَّذِي كَانَتْ مَدِينَتُهُمْ مَبْنِيَّةً عَلَيْهِ حَتَّى يَطْرَحُوهُ إلَى أَسْفَلٍ. أَمَّا هُوَ فَجَازَ فِي وَسْطِهِمْ وَمَضَى.» (لو16:4-30).
وقال العلامة أوريجينوس: [رتبت العناية الإلهية أن الرب يسوع فتح السفر وقرأ من سفر إشعيا النبي: «رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ...» وبقراءته هذه الآيات أعلن أنه الإله المتأنس والمُخَلِّص][27]. ويكمل القديس كيرلس الإسكندري: [أن أهل الناصرة أخرجوا الرب يسوع خارج مدينتهم... فأبعدوا أنفسهم عن أورشليم السماوية. ولئلا يدينهم على إثمهم بالكلام فقط، ترك ازدراءهم يصل إلى محاولة قتلهم إياه. لكنه برهبته جَازَ فِي وَسْطِهِمْ وَمَضَى، لم يرفض الآلام، لكنه سيتألم في الوقت الذي يحدده هو.][28].
«وَلِهذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْرُدُونَ يَسُوعَ، وَيَطْلُبُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، لأَنَّهُ عَمِلَ هذَا فِي سَبْتٍ. فَأَجَابَهُمْ يَسُوعُ: "أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ". فَمِنْ أَجْلِ هذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، لأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ السَّبْتَ فَقَطْ، بَلْ قَالَ.. إنَّ اللهَ أَبُوهُ، مُعَادِلًا نَفْسَهُ بِاللهِ.» (يو5: 16-18). وتعليقًا على هذا يقول القديس إمبروسيوس: [إن يسوع عندما دعا اللهَ أَباهُ، مُعَادِلًا نَفْسَهُ بِاللهِ، اغتاظ اليهود وَطْلُبُوا أَنْ يَقْتُلُوهُ][29].
وقال الرب: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ. فَرَفَعُوا حِجَارَة لِيَرْجُمُوهُ» (يو8: 58 و59). وفي هذا يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: [إن لفظة «قَبْلَ» تشير إلى الماضي، وعبارة «أَنَا كَائِنٌ» تشير إلى الحاضر، فليس للألوهة ماضٍ أو حاضر أو مستقبل، بل هو قائمٌ دائمًا. ولفظة «كَائِنٌ» تعني الكينونة الدائمة في كل زمان؛ ولذلك بدَا كلامه تجديفًا.][30].
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
يقول القديس يوحنا الحبيب: «وَكَانَ يَسُوعُ يَتَرَدَّدُ بَعْدَ هذَا فِي الْجَلِيلِ، لأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَتَرَدَّدَ فِي الْيَهُودِيَّةِ؛ لأَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ. وَكَانَ... عِيدُ الْمَظَالِّ، قَرِيبًا. فَقَالَ لَهُ إخْوَتُهُ: "انْتَقِلْ مِنْ هُنَا وَاذْهَبْ إلَى الْيَهُودِيَّةِ،..." فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: "إنَّ وَقْتِي لَمْ يَحْضُرْ بَعْدُ، وَأَمَّا وَقْتُكُمْ فَفِي كُلِّ حِينٍ حَاضِرٌ... اِصْعَدُوا أَنْتُمْ إلَى هذَا الْعِيدِ. أَنَا لَسْتُ أَصْعَدُ بَعْدُ إلَى هذَا الْعِيدِ، لأَنَّ وَقْتِي لَمْ يُكْمَلْ بَعْدُ".» (يو7: 1-8).
ويقول القديس أوغسطينوس: [نصحوا الرب ألا يبقى مُحتجِبًا بل يطلب مجدًا، لكنه كان يسلك طريق الاتضاع، فيقول «إنَّ وَقْتِي لَمْ يَحْضُرْ بَعْدُ»، أي وقت تمجيدي الذي فيه يَملِك على خشبة، لَمْ يَحْضُرْ بَعْدُ، «وَأَمَّا وَقْتُكُمْ فَفِي كُلِّ حِينٍ حَاضِرٌ» إذن فلْنَقُل نحن أعضاء جسد المسيح عندما يضطهدنا أبناء العالم «إنَّ وَقْتَكُمْ حَاضِرٌ الآن، وَأَمَّا وَقْتِنا لَمْ يَحْضُرْ بَعْدُ»][31]. [فلم يتم وقته بعد، في هذا الفِصْح، بل في الفِصْح التالي] كما يقول ذهبي الفم[32]
أَيَجُوزُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ؟(مت17:22، لو22:20).
سألوا الرب عن دفع الجزية؛ ليصنعوا عداوة بينه وبين الحاكم الروماني، وفي مكرٍ لم يسأله الْفَرِّيسِيُّونَبل دفعوا غيرهم ليسألوه، ولعبوا مسرحية الخلاف القائم بينهما كضِدَّين، الفريسيين رجال الدين المدققين، مع الْهِيرُودِسِيِّينَ رجال السياسة؛ رجال قيصر. ليَفْصِل بينهما.
وعجيبٌ أن الذين يُضمرون قتل المسيح، لا يسألون عن الحلال والحرام، بل عن الجائز وغير الجائز. ويقدموا سؤالا خبيثًا ماكرًا!
اجتمع الضِّدَّان لتكون إجابة المسيح له المجد في الحالتَيْنِ ضده؛ فإذا أجاب: "تُعطى الجِزْيَة لقيصر"، كان هذا أمام الفريسيين دليلًا على خيانته لأُمَّته اليهودية فيتهمونه بعدم الوطنية؛ وتشجيع الحُكم الروماني، فيفقد ثقة جماهير الشعب اليهودي. وإذا أجاب: "لا تُعطَى، كان هذا أمام الْهِيرُودِسِيِّينَ دليلًا على إثارته للشعب ضد قيصر، مُحرضًا على التمرد على السلطة الرومانية، دافعًا إلى ثورة سياسية. أما الفريسيين الجبناء فظلوا خلف الستار. وأضاف مار لوقا: «فَرَاقَبُوهُ وَأَرْسَلُوا جَوَاسِيسَ يَتَرَاءَوْنَ أَنَّهُمْ أَبْرَارٌ لِكَيْ يُمْسِكُوهُ بِكَلِمَةٍ.» (لو20: 20)
وفي أدبٍ كاذب ومَلِقٍ قالوا: «يَا مُعَلِّمُ نَعْلَمُ أَنَّكَ بِالاسْتِقَامَةِ تَتَكَلَّمُ وَتُعَلِّمُ، وَلاَ تَقْبَلُ الْوُجُوهَ بَلْ بِالْحَقِّ تُعَلِّمُ طَرِيقَ اللهِ.» (لوقا20: 21). معترفين باستقامة تعليم المسيح وصِدقه. كما بنزاهته وعدم محاباته. وأخيرًا اعترفوا أنه يُعَلِّمُ طَرِيقَ اللهِ بِالْحَقِّ.
أما إجابة الرب فستمتد في تأثيرها خارج نطاق زمان هذا الحديث ومكانه. وسيبقى تعليمًا دائمًا عبر الأجيال، يُقدِّم رأي المسيحية في الجزية، ويرد على التساؤل هل للمسيحية اتجاهات سياسية؟ فترضى عن الاستعمار، أو تُقِيم الثورات ضده ؟! والمسيحية بطبيعتها دينٌ روحاني، موضُوعُه الحياة الأبدية تنأى بنفسها عن السياسة الدنيوية الزائلة، وتترك أتباعها ليعيشوا بالأمانة لأوطانهم كأفرادٍ وطنيين. ولذلك قال الرب: «لِمَاذَا تُجَرِّبُونَنِي يَا مُرَاؤُونَ؟ أَرُونِي مُعَامَلَةَ الْجِزْيَةِ». فَقَدَّمُوا لَهُ دِينَارًا. فَقَالَ لَهُمْ: «لِمَنْ هَذِهِ الصُّورَةُ وَالْكِتَابَةُ؟» قَالُوا لَهُ: «لِقَيْصَرَ». والمقصود طيباريوس قيصر.
فَقَالَ لَهُمْ: «أَعْطُوا إذَنْ مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ». فعلي الدينار رُسمت صورته، فليأخذ إذن ديناره؛ وما دُمتم تحملون العُملة الرومانية وتعترفون بسُلطان قيصر «أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ».
ويمكن فهم هذه العبارة: أَعْطُوه خاضعين، ما دمتم تتعاملون بعملته: «لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة لأنه ليس سلطان إلا من الله». (رومية13: 10).
أو أَعْطُوه ثائرين ضد الاستعمار الروماني، طارحين دنانيره عنكم. وفَهْمٌ ثالث: «أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ»: أي سَلُوا رجال السياسة في السياسة، أما أنا فاسألوني فيما لله. «وَلَمْ يَجْسُرْ أَحَدٌ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَسْأَلَهُ!» (مر12: 34).
وقع حدثان كبيران دفعا للقبض على الرب وصلْبِه. هذان هما:
إقامة لعازر: [يعتقد بعض الباحثين أن هذه المعجزة تمت يوم الجمعة أو قبل ذلك بقليل، أما الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فقد رتبت احتفالها بهذه المعجزة يوم السبت السابق على أسبوع الآلام؛ فقط لأن رؤساء الكهنة قد قرروا قتْل المسيح بعد هذه المعجزة مباشرة.][33]
[الربُّ أقام لعازر يوم الجمعة، وذهب إلى بيت عنيا (بيت العناء) بيت لعازر ومريم ومرثا. وفي يوم السبت مساءًا أعد سمعان الأبرص وليمة للمسيح حضرها لعازر وأختاه.][34]
وقد [كانت معجزة إقامة لعازر بعد ثلاثة أيام من موته ودفنه (يو1:11-45) ضربة قاضية ضد رؤساء الكهنة وتعاليمهم ووضْعِهم أمام الشعب؛ فهُم من الصدوقيين الذين لا يؤمنون بالقيامة، ولذا نجِدُهم بعد هذه المعجزة مباشرة، يدعون لاجتماعٍ عاجل، أفتى فيه قَيَافَا رئيس كهنة اليهود في تلك السنة: «خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ، وَلاَ تَهْلِكَ الأُمَّةُ كُلُّهَا» (يو11: 50). ومن ذلك اليوم «أَصْدَرُوا أَمْرًا أَنَّهُ إنْ عَرَفَ أَحَدٌ أَيْنَ هُوَ فَلْيَدُلَّ عَلَيْهِ، لِكَيْ يُمْسِكُوهُ.» (يوحنا57:11)][35].
دخول السيد المسيح أورشليم واستقباله كمَلِكٍ: [بحسب الإنجيليين متى ومرقس ولوقا كان دخول السيد المسيح إلى أورشليم كملك يوم أحد الشعانين وتطهيره للهيكل من باعة الحمام والصيارفة والذين يبيعون ويشترون فيه، الأمر الذي اعتبرته القيادات الدينية وقتئذ تعديًا صارخًا على واجباتهم وتحديًا قويًا لسلطانهم. فطلبوا أن يهلكوه (مر18:11، لو47:19)][36]. وهذا سبب الشعور أن الرب بات خطرًا على وجودهم وسلطانهم، فأسرعوا في أخْذ القرار، ومَضوا في إجراءات القبض عليه، ومُحاكمته.
فحاول رؤساء الكهنة أن: يستَعْدُوا عليه الشعب كناقضٍ للناموس،
ويستَعْدُوا عليه الحُكام كمقاومٍ لقيصر،
ويُحاكموه على هذا الأساس.
_____
[27]J. P. Migne, Patrologiae cursus completus: Series Latina, Paris 1857-1886, vol.94: p.132.
[28]القديس كِيرِلُّس الإسكندري،Commentary on the Gospel of St. Luke, Translated By R. Payne Smith, Long Island, N.Y.: Studion Publishers Inc., 1983, p. 96; J.P. Migne, Patrologiae cursus completus: Series Graeca, Paris: Migne 1857–1886, vol.72: p.543–546.
[29]القديس إمبروسيوس، P. Schaff et al, eds. A Select Library of the Nicene and Post-Nicene Fathers of the Christian Church. 2 series. Buffalo, N.Y.: Christian Literature, 1887–1894. Series 2: vol.10: p.232
[30]القديس يوحنا ذهبي الفم، شرح إنجيل يوحنا NPNF, series 1: vol.14: p.199.
[31]القديس أوغسطينوس، عظات على إنجيل يوحنا NPNF, series 1: vol.7: p.180.
[32]القديس يوحنا ذهبي الفم، عظات على إنجيل يوحنا NPNF, series 1: vol.14: p.174.
[33]ألبير جمال ميخائيل، التمام في طقس أسبوع الآلام، مكتبة مار جرجس شيكولاني، طبعة أولى 2015م، ص5.
[34][يعتقد كثير من الباحثين أن سمعان الأبرص هو والد لعازر ومريم ومرثا، والدليل على هذا أن وليمة سمعان الأبرص كانت في بيت عنيا حيث كان لعازر (يو12: 1) وكانت مرثا تخدم (يو2:12) ومريم دهنت قدمي يسوع بالطيب (يو12: 3)، وهذه أمور طبيعية عندما تكون الوليمة في بيتهم. ونلاحظ أن لعازر ومريم ومرثا كانوا يعيشون في بيت واحد، لأنهم لم يتزوجوا، وهذا يزيد من احتمال أن سمعان الأبرص هو والدهم ولذلك كانوا يعيشون معه. وكَوْن أن السيد المسيح أقام لعازر، فكان فرح لأهله؛ ولذلك من الطبيعي أن تكون الوليمة في بيت أهل لعازر، ولذلك فمن المرجح جدًا أن هذا البيت هو بيت أسرة واحدة، سمعان الأبرص هو الأب، وأبناؤه لعازر ومريم ومرثا، والاحتفال احتفال شكر للسيد المسيح بعدما أقام لعازر.] ألبير جمال ميخائيل، التمام في طقس أسبوع الآلام، مكتبة مار جرجس شيكولاني، طبعة أولى 2015م، ص6.
[35]الأب متى المسكين، تفسير إنجيل يوحنا: ج2، دير القديس أنبا مقار، طبعة أولى 1990م، ص698.
[36]الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف السابق، شرح الإنجيل للقديس متى، بنى سويف 1985م، ص227.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-youhanna-fayez/trials-of-jesus/grew.html
تقصير الرابط:
tak.la/s53az82