لقد شدد الله في العهد القديم على أن تكون الذبيحة بلا عيب، وأوضح ذلك قائلًا: «كُلُّ مَا كَانَ فِيهِ عَيْبٌ لا تُقَرِّبُوهُ لانَّهُ لا يَكُونُ لِلرِّضَا عَنْكُمْ. وَاذَا قَرَّبَ إنْسَانٌ ذَبِيحَةَ سَلامَةٍ لِلرَّبِّ وَفَاءً لِنَذْرٍ اوْ نَافِلَةً مِنَ الْبَقَرِ اوِ الاغْنَامِ تَكُونُ صَحِيحَةً لِلرِّضَا. كُلُّ عَيْبٍ لا يَكُونُ فِيهَا. الاعْمَى وَالْمَكْسُورُ وَالْمَجْرُوحُ وَالْبَثِيرُ وَالاجْرَبُ وَالاكْلَفُ هَذِهِ لا تُقَرِّبُوهَا لِلرَّبِّ وَلا تَجْعَلُوا مِنْهَا وَقُودا عَلَى الْمَذْبَحِ لِلرَّبِّ. وَامَّا الثَّوْرُ اوِ الشَّاةُ الزَّوَائِدِيُّ اوِ الْقُزُمُ فَنَافِلَةً تَعْمَلُهُ وَلَكِنْ لِنَذْرٍ لا يُرْضَى بِهِ. وَمَرْضُوضَ الْخِصْيَةِ وَمَسْحُوقَهَا وَمَقْطُوعَهَا لا تُقَرِّبُوا لِلرَّبِّ. وَفِي ارْضِكُمْ لا تَعْمَلُوهَا. وَمِنْ يَدِ ابْنِ الْغَرِيبِ لا تُقَرِّبُوا خُبْزَ الَهِكُمْ مِنْ جَمِيعِ هَذِهِ لانَّ فِيهَا فَسَادَهَا. فِيهَا عَيْبٌ لا يُرْضَى بِهَا عَنْكُمْ» (لا 22: 20. 25).
وكرر ذلك مرة ثانية في سفر التثنية قائلًا:
«كُلُّ بِكْرٍ ذَكَرٍ يُولدُ مِنْ بَقَرِكَ وَمِنْ غَنَمِكَ تُقَدِّسُهُ لِلرَّبِّ إِلهِكَ. لا تَشْتَغِل عَلى بِكْرِ بَقَرِكَ وَلا تَجُزَّ بِكْرَ غَنَمِكَ... وَلكِنْ إِذَا كَانَ فِيهِ عَيْبٌ، عَرَجٌ أَوْ عَمىً عَيْبٌ مَا رَدِيءٌ فَلا تَذْبَحْهُ لِلرَّبِّ إِلهِكَ. فِي أَبْوَابِكَ تَأْكُلُهُ» (تث 15: 19- 22).
وأكد هذا الأمر مرة ثالثة قائلًا:
«لا تَذْبَحْ لِلرَّبِّ إِلهِكَ ثَوْرًا أَوْ شَاةً فِيهِ عَيْبٌ، شَيْءٌ مَا رَدِيءٌ، لأَنَّ ذَلِكَ رِجْسٌ لدَى الرَّبِّ إِلهِكَ» (تث 17: 1).
وعاتبهم بشدة عندما استهانوا بهذا الأمر وقال لهم: «وَإِنْ قَرَّبْتُمُ الأَعْمَى ذَبِيحَةً أَفَلَيْسَ ذَلِكَ شَرًّا؟ وَإِنْ قَرَّبْتُمُ الأَعْرَجَ وَالسَّقِيمَ أَفَلَيْسَ ذَلِكَ شَرًّا؟ قَرِّبْهُ لِوَالِيكَ أَفَيَرْضَى عَلَيْكَ أَوْ يَرْفَعُ وَجْهَكَ؟ قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ ... وَقُلْتُمْ: مَا هَذِهِ الْمَشَقَّةُ؟ وَتَأَفَّفْتُمْ عَلَيْهِ قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ وَجِئْتُمْ بِالْمُغْتَصَبِ وَالأَعْرَجِ وَالسَّقِيمِ فَأَتَيْتُمْ بِالتَّقْدِمَةِ. فَهَلْ أَقْبَلُهَا مِنْ يَدِكُمْ؟ قَالَ الرَّبُّ. وَمَلْعُونٌ الْمَاكِرُ الَّذِي يُوجَدُ فِي قَطِيعِهِ ذَكَرٌ وَيَنْذُرُ وَيَذْبَحُ لِلسَّيِّدِ عَائِبًا. لأَنِّي أَنَا مَلِكٌ عَظِيمٌ قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ وَاسْمِي مَهِيبٌ بَيْنَ الأُمَمِ» (ملا 1: 8، 13، 14).
وفي العهد الجديد ندقق جيدًا في اختيار الحمل من حيث استدارته، وعدم تشققه، وسلامة الإسباديقون، ووضوح الختم والجراحات، ودرجة نضجه، واكتمال اختماره.
كذلك الخمر أيضًا أن لا يكون قد تم تخليله أو زادت نسبة تخميره. أي أصبح مسكرًا. وكل هذا ليوضح جمال وبهاء ومجد السيد المسيح الذي هو بلا عيب، وأبرع جمالًا من بنى البشر.
عندما يختار الكاهن الحمل يضع يديه متقاطعتين على هيئة صليب، وفي نفس الوقت على هيئة حرف x اليوناني، فهو بداية اسم المسيح[50] الذي منه كل بركة، فالسيد المسيح هو الذي يبارك من خلال اسمه أو شخصه، أو علامته أي الصليب (مت 24: 30)، وهذا ما توضحه إبصالية يوم الجمعة حينما نصلى ونقول: هذا هو اسم الخلاص الذي لربنا يسوع المسيح وصليبه المحيى الذي صلب عليه، ولهذا السبب عندما بارك يعقوب ابني يوسف وضع يديه بهذا الشكل.
من المعروف أن ذبائح العهد القديم الخمسة[51] أنما هي رمز لذبيحة الصليب، وتقديمها بطقوس محددة لكي توضح ما ترمز له. وفي العهد الجديد نأخذ هذه الطقوس ونؤديها أثناء ممارسة سر الإفخارستيا إنما في معناها الواضح والمحدد، فمثلًا:
ذبيحة المحرقة كانت تغسل أحشائها مع أكارعها قبل أن توضع على المذبح لتحرق، هو بنفسه طقس تعميد الحمل الذي يتم في بداية القداس وقبل أن يوضع على المذبح، حيث يأخذ الكاهن قليل من الماء على أطراف أصابعه ويمسح وجه القربانة وظهرها وهو يردد: أعط يا رب أن تكون مقبولة أمامك ذبيحتنا عن خطاياي وجهالات شعبك ولأنها طاهرة كموهبة روحك القدوس بالمسيح يسوع ربنا هذا الذي أنت مبارك معه مع الروح القدس المحيي المساوي لك الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين».
فالمضمون الروحي للمعمودية هو أنها غسل. ولا ننسى أن القديس بولس الرسول يطلق على المعمودية لفظ غسل في أماكن متفرقة فيقول: «لاَ بِأَعْمَالٍ فِي بِرٍّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ - خَلَّصَنَا بِغُسْلِ الْمِيلاَدِ الثَّانِي وَتَجْدِيدِ الرُّوحِ الْقُدُسِ» (تى 3: 5)، «وَهَكَذَا كَانَ أُنَاسٌ مِنْكُمْ. لَكِنِ اغْتَسَلْتُمْ بَلْ تَقَدَّسْتُمْ بَلْ تَبَرَّرْتُمْ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ وَبِرُوحِ إِلَهِنَا» (1كو 6: 11).
والقديس حنانيا يُقر ذلك أيضا فيقول للقديس بولس الرسول: «وَالآنَ لِمَاذَا تَتَوَانَى؟ قُمْ وَاعْتَمِدْ وَاغْسِلْ خَطَايَاكَ دَاعِيًا بِاسْمِ الرَّبِّ» (أع 22: 16).
فعندما اجتاز بني إسرائيل البحر الأحمر ونهر الأردن رمز به إلى المعمودية «وَجَمِيعَهُمُ اعْتَمَدُوا لِمُوسَى فِي السَّحَابَةِ وَفِي الْبَحْرِ» (1كو 10: 2)، فهل يا ترى غسل أحشاء وأكارع ذبيحة المحرقة كان يرمز للمعمودية أيضًا حيث إنها للرضا وللمسرة (لا 1: 3، 9)؟
وكما كانت ذبيحة المحرقة أنها رائحة سرور للرب (لا 1: 17)، كذلك نجد في عماد السيد المسيح أن الله يعلن عن مسرته بذلك «أَنْتَ ابْنِي الْحَبِيبُ بِكَ سُرِرْتُ» (لو 3: 22).
إن ذبيحة السلامة عندما تقدم من أجل الشكر لها طقوسها الخاصة ومن طقسها أن يقدم معها خبز مختمر، «انْ قَرَّبَهَا لأجْلِ الشُّكْرِ يُقَرِّبُ عَلَى ذَبِيحَةِ الشُّكْرِ اقْرَاصَ فَطِيرٍ مَلْتُوتَةً بِزَيْتٍ وَرِقَاقَ فَطِيرٍ مَدْهُونَةً بِزَيْتٍ وَدَقِيقا مَرْبُوكا اقْرَاصًا مَلْتُوتَةً بِزَيْتٍ مَعَ اقْرَاصِ خُبْزٍ خَمِيرٍ يُقَرِّبُ قُرْبَانَهُ عَلَى ذَبِيحَةِ شُكْرِ سَلامَتِهِ.» (لا 7 : 12- 13).
وفي عيد الخماسين أي عيد الحصاد كانوا يقدمون رغيفين مختمرين مع ذبيحة السلامة لأنها في الأساس هي ذبيحة شكر «مِنْ مَسَاكِنِكُمْ تَأتُونَ بِخُبْزِ تَرْدِيدٍ. رَغِيفَيْنِ عُشْرَيْنِ يَكُونَانِ مِنْ دَقِيقٍ وَيُخْبَزَانِ خَمِيرا بَاكُورَةً لِلرَّبِّ» (لا 23: 17).
ولا يوقد من خبز الخمير على المذبح إنما يردد ترديدًا فقط «كُلُّ التَّقْدِمَاتِ الَّتِي تُقَرِّبُونَهَا لِلرَّبِّ لا تُصْطَنَعُ خَمِيرا لانَّ كُلَّ خَمِيرٍ وَكُلَّ عَسَلٍ لا تُوقِدُوا مِنْهُمَا وَقُودا لِلرَّبِّ» (لا 2: 11).
والحياة التي بالخميرة سرعان ما تتكاثر بسرعة مما يفسد العجين إذ لم يتدخل الإنسان في الوقت المناسب لكي يوقف نشاط ونمو الخميرة بالنار، فهي حياة ضارة وفاسدة. وكأنها تذكرنا كيف «إِنَّ الْمُعَاشَرَاتِ الرَّدِيَّةَ تُفْسِدُ الأَخْلاَقَ الْجَيِّدَةَ» (1 كو 15: 33).
ولأن ذبيحة الإفخارستيا هي في المقام الأول ذبيحة شكر فقد وضعت كنيستنا تلك الطقوس أمام أعينها عند ممارسة هذا السر. حيث تكون تقدمتها من الخبز المختمر.
والخمير لا يشير هنا إلى الشر أو الخطية أو الحياة الضارة والفاسدة وحسب، حيث
أن
السيد المسيح
حمل خطايانا في جسده،
إنما يشير بالأكثر إلى الحياة النابعة من
السيد المسيح
نفسه، والبركة، والثمر
المتكاثر والمتزايد، والنمو في الفضيلة والنعمة.
والسيد
المسيح له المجد
عندما شبه ملكوت السموات شبهه
«بالخَمِيرَةً التي أَخَذَتْهَا امْرَأَةٌ وَخَبَّأَتْهَا فِي ثَلاَثَةِ
أَكْيَالِ دَقِيقٍ حَتَّى اخْتَمَرَ الْجَمِيعُ»
(مت 13: 33، لو 13: 21).
لقد كانت كُلَّ ذَبِيحَةٍ تُمَلَّحُ بِمِلْحٍ (مر 9: 49) لكي لا تفسد، والملح يعمل عكس الخميرة فالخميرة تفسد العجين سريعًا بينما الملح يحفظ الذبيحة.
وليس فقط الملح للحفظ إنما العهد القديم كان كائنًا بعهد من الملح. «وَكُلُّ قُرْبَانٍ مِنْ تَقَادِمِكَ بِالْمِلْحِ تُمَلِّحُهُ وَلا تُخْلِ تَقْدِمَتَكَ مِنْ مِلْحِ عَهْدِ إلَهِكَ. عَلَى جَمِيعِ قَرَابِينِكَ تُقَرِّبُ مِلْحا» (لا 2: 13).
«جَمِيعُ رَفَائِعِ الأَقْدَاسِ التِي يَرْفَعُهَا بَنُو إِسْرَائِيل لِلرَّبِّ أَعْطَيْتُهَا لكَ وَلِبَنِيكَ وَبَنَاتِكَ مَعَكَ حَقًّا دَهْرِيًّا. مِيثَاقَ مِلحٍ دَهْرِيًّا أَمَامَ الرَّبِّ لكَ وَلِزَرْعِكَ مَعَكَ» (عد 18: 19). «أَمَا لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا أَنَّ الرَّبَّ إِلَهَ إِسْرَائِيلَ أَعْطَى الْمُلْكَ عَلَى إِسْرَائِيلَ لِدَاوُدَ إِلَى الأَبَدِ وَلِبَنِيهِ بِعَهْدِ مِلْحٍ؟» (2 أي 13: 5).
وفي ذبيحة الإفخارستيا لا نضع الملح في التقدمة حيث إنها لا تحتاج لشيء خارجي ليحفظها أو يعطيها حياة، فالسيد المسيح هو الحياة في ذاته فهو مصدر الحياة وأعلن ذلك عن نفسه قائلا: «أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ» (يو 11: 25)، «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ» (يو 14: 6)، «كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ الْحَيُّ وَأَنَا حَيٌّ بِالآبِ فَمَنْ يَأْكُلْنِي فَهُوَ يَحْيَا بِي» (يو 6: 57). وهو الوحيد الذي يقدر أن يتصرف في حياته «لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضًا» (يو 10: 18).
وإنما بالأكثر هو بسبب تغير العهد حيث أنه لا يقوم على الملح وَلَيْسَ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُولٍ، وإنما أصبح قائمًا على دم السيد المسيح الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ لِلَّهِ بِلاَ عَيْبٍ... وَلأَجْلِ هَذَا هُوَ وَسِيطُ عَهْدٍ جَدِيدٍ (عب 9: 12- 15)، وقد أعلن عن ذلك قائلا: «هَذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي الَّذِي يُسْفَكُ عَنْكُمْ» (لو 22: 20). وأوضح القديس بولس الرسول ذلك قائلا: لأَنَّنِي تَسَلَّمْتُ مِنَ الرَّبِّ مَا سَلَّمْتُكُمْ أَيْضًا: إِنَّ الرَّبَّ يَسُوعَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي أُسْلِمَ فِيهَا أَخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ فَكَسَّرَ وَقَالَ: «خُذُوا كُلُوا هَذَا هُوَ جَسَدِي الْمَكْسُورُ لأَجْلِكُمُ. اصْنَعُوا هَذَا لِذِكْرِي». كَذَلِكَ الْكَأْسَ أَيْضًا بَعْدَمَا تَعَشَّوْا قَائِلًا: «هَذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي. اصْنَعُوا هَذَا كُلَّمَا شَرِبْتُمْ لِذِكْرِي» (1 كو 11: 23- 25).
والقديس بولس الرسول يؤكد أنه عهد أبدى قائم على الدم قائلا: ... «إِلَهُ السَّلاَمِ الَّذِي أَقَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ رَاعِيَ الْخِرَافِ الْعَظِيمَ، رَبَّنَا يَسُوعَ، بِدَمِ الْعَهْدِ الأَبَدِيِّ لِيُكَمِّلْكُمْ فِي كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ لِتَصْنَعُوا مَشِيئَتَهُ، عَامِلًا فِيكُمْ مَا يُرْضِي أَمَامَهُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي لَهُ الْمَجْدُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ» (عب 13: 20، 21).
وأيضًا إذا قدمت ذبيحة السلامة كذبيحة شكر لا يبقى منها أي شيء للصباح بل تؤكل كلها في يوم تقديمها «وَلَحْمُ ذَبِيحَةِ شُكْرِ سَلامَتِهِ يُؤْكَلُ يَوْمَ قُرْبَانِهِ. لا يُبْقِي مِنْهُ شَيْئا إلَى الصَّبَاحِ» (لا 7: 15).
وهو ما تتممه كنيستنا مع الإفخارستيا، حيث لا تبقى منه أي شيء للغد.
ذبيحة السلامة هي الذبيحة الوحيدة المسموح أن يأكل منها عامة الشعب، أَيُّ من كان، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى: مقدم الذبيحة، وأقاربه، وجيرانه، مع الكهنة واللاويين. «وَاللَّحْمُ يَأكُلُ كُلُّ طَاهِرٍ مِنْهُ» (لا 7: 19).
وهكذا الإفخارستيا الكل يشترك فيها. ولكن لابد لكي يسمح لي بالأكل منها أن أكون طاهرًا «وَاللَّحْمُ يَأكُلُ كُلُّ طَاهِرٍ مِنْهُ. وَأمَّا النَّفْسُ الَّتِي تَأكُلُ لَحْما مِنْ ذَبِيحَةِ السَّلامَةِ الَّتِي لِلرَّبِّ وَنَجَاسَتُهَا عَلَيْهَا فَتُقْطَعُ تِلْكَ النَّفْسُ مِنْ شَعْبِهَا. وَالنَّفْسُ الَّتِي تَمَسُّ شَيْئا مَا نَجِسا نَجَاسَةَ إنْسَانٍ أوْ بَهِيمَةً نَجِسَةً أوْ مَكْرُوها مَا نَجِسا ثُمَّ تَأكُلُ مِنْ لَحْمِ ذَبِيحَةِ السَّلامَةِ الَّتِي لِلرَّبِّ تُقْطَعُ تِلْكَ النَّفْسُ مِنْ شَعْبِهَا» (لا 7: 19- 21).
أليس هذا ما نبهنا إليه القديس بولس الرسول عندما قال:
«إِذًا أَيُّ مَنْ أَكَلَ هَذَا الْخُبْزَ أَوْ شَرِبَ كَأْسَ الرَّبِّ بِدُونِ
اسْتِحْقَاقٍ يَكُونُ مُجْرِمًا فِي جَسَدِ الرَّبِّ وَدَمِهِ. وَلَكِنْ
لِيَمْتَحِنِ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ وَهَكَذَا يَأْكُلُ مِنَ الْخُبْزِ
وَيَشْرَبُ مِنَ الْكَأْسِ. لأَنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ بِدُونِ
اسْتِحْقَاقٍ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ دَيْنُونَةً لِنَفْسِهِ غَيْرَ مُمَيِّزٍ
جَسَدَ الرَّبِّ. مِنْ أَجْلِ هَذَا فِيكُمْ كَثِيرُونَ ضُعَفَاءُ وَمَرْضَى
وَكَثِيرُونَ يَرْقُدُونَ. لأَنَّنَا لَوْ كُنَّا حَكَمْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا
لَمَا حُكِمَ عَلَيْنَا وَلَكِنْ إِذْ قَدْ حُكِمَ عَلَيْنَا نُؤَدَّبُ مِنَ
الرَّبِّ لِكَيْ لاَ نُدَانَ مَعَ الْعَالَمِ»
(1 كو 11: 27. 32).
في العهد القديم، في جميع الذبائح الحيوانية كان مقدم الذبيحة يضع يده فوق رأس الذبيحة، ويضغط عليها بقوة وكأنه يتحد بها. «وَيَضَعُ يَدَہُ عَلَى رأس الْمُحْرَقَةِ فَيُرْضَى عَلَيْهِ لِلتَّكْفِيرِ عَنْهُ». (لا 1: 4). وفي ذبيحة السلامة «يَضَعُ يَدَہُ عَلَى رأس قُرْبَانِهِ» (لا 3: 2). وهكذا أيضًا في ذبيحة الخطية «يَضَعُ يَدَهُ عَلَى رأس ذَبِيحَةِ الْخَطِيَّةِ» (لا 4: 29). وكذلك «ذَبِيحَةُ الاثْمِ كَذَبِيحَةِ الْخَطِيَّةِ لَهُمَا شَرِيعَةٌ وَاحِدَةٌ». (لا 7: 7).
فوضع يد مقدم الذبيحة على ذبيحته تهيئ له أن يشترك في صفاتها، وما لم يكن ممكنًا أن يعمله يناله من خلال تقديمه للذبيحة عوضًا عنه، وبوضع يده على ذبيحته يؤمن بفاعلية الدم المسفوك والمُهْرَق لأجله. فوضع اليد يرمز إلى التوحد الكلى مع الذبيحة كبديل عنه، فهو ربط نفسه بها، فالذبيحة ذبيحته وتقدم باسمه وثمارها تعود عليه.
ومن خلال ذبيحة المحرقة يشترك مقدمها مع المسيح في طاعته لله الآب، وينال بها مع المسيح رضى وسرور الآب عنه بسبب بر المسيح الموهوب لنا.
وفي ذبيحة الخطية يشترك مقدمها في الموت واللعنة التي سببتهما الخطية. بوضع يده يعلن عن نفسه بأنّه مستحقّ الموتِ، وهي حلت محله لتتحمل القصاص عِوَضًا عنه، وبهذه الطريقة ينقل خطاياه إلى الذبيحة، وهكذا ترفع عنه خطاياه.
وفي ذبيحة الإثم يعلن عن أنه أثم في حق أقداس الله، وخان بيته، وأهان اسمه العظيم (لا 5: 1- 6 و15- 19)، وأفسد ونجس وكسر نذره (عد 6: 12)، وهكذا ينقل آثامه للذبيحة بوضع يده عليها فترفع عنه آثامه.
وفي ذبيحة السلامة يشترك في الألفة، والفرح، و الشركة، والصلح، والسلام مع أخيه الإنسان، ومع الله الذي يدعوه ليأكل معه وأمامه في هذه الذبيحة، والوليمة[52]. ويقدم الشكر لله مصدر جميع الخيرات التي تسلمها منه، والتي ينتظر أن يتسلمها أيضًا.
والكاهن في أثناء القداس يضع يده على الحمل:
في بداية رشومات القداس.
ومرة ثانية عندما يقول: «ووضع لنا هذا السر العظيم الذي للتقوى»
ومرة ثلاثة مع كل رشم من رشومات التقديس[53].
والمرة الرابعة عندما يصلى ويقول: «الجسد المقدس» في مقدمة القسمة.
وكأن الكاهن عندما يضع يده على الذبيحة في هذه المرات الأربعة يعلن بالأصالة عن نفسه، وبالإنابة عن الشعب، أنه يتحد بالذبيحة في كل صورها، ومراحلها، ومفاعيلُها.
«ثُمَّ أخَذَ -أي موسى النبي- الشَّحْمَ: الالْيَةَ وَكُلَّ الشَّحْمِ الَّذِي عَلَى الاحْشَاءِ وَزِيَادَةَ الْكَبِدِ وَالْكُلْيَتَيْنِ وَشَحْمَهُمَا وَالسَّاقَ الْيُمْنَى. وَمِنْ سَلِّ الْفَطِيرِ الَّذِي أمَامَ الرَّبِّ اخَذَ قُرْصا وَاحِدا فَطِيرا وَقُرْصا وَاحِدا مِنَ الْخُبْزِ بِزَيْتٍ وَرُقَاقَةً وَاحِدَةً وَوَضَعَهَا عَلَى الشَّحْمِ وَعَلَى السَّاقِ الْيُمْنَى وَجَعَلَ الْجَمِيعَ عَلَى كَفَّيْ هَارُونَ وَكُفُوفِ بَنِيهِ وَرَدَّدَهَا تَرْدِيدا أمَامَ الرَّبِّ. ثُمَّ أخَذَهَا مُوسَى عَنْ كُفُوفِهِمْ وَأوْقَدَهَا عَلَى الْمَذْبَحِ فَوْقَ الْمُحْرَقَةِ. انَّهَا قُرْبَانُ مَلْءٍ لِرَائِحَةِ سُرُورٍ. وَقُودٌ هِيَ لِلرَّبِّ» (لا 8: 25- 28).
والترديد هنا هو أن يحرك الكاهن يده بكل هذا إلى فوق وأسفل، أو في الاتجاهات الأربعة على مثال الصليب.
وهذا أيضًا ما يفعله الكاهن في بداية القداس عندما يشير إلى القرابين وإلى نفسه وإلى الشعب وكفيه نحو السماء وهو يردد: «أعط يا رب أن تكون مقبولة أمامك ذبيحتنا عن خطاياي وجهالات شعبك لأنها طاهرة كموهبة روحك القدوس بالمسيح يسوع ربنا هذا الذي أنت مبارك معه مع الروح القدس المحيى المساوي لك الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين».
وهذا ما يكرره مرة ثانية في وقت التقديس عندما يشير بيديه وكفيه نحو السماء إلى الجسد والدم وهو يقول[54]: «نقرب لك قرابينك، من الذي لك على كل حال، ومن أجل كل حال، وفي كل حال».
مع ملاحظة يوجد ترديد بطريقة أخرى وهي: نقل الجسد باليد اليمنى ووضعه على اليد اليسرى عندما يقول الكاهن «أخذ خبزا على يديه الطاهرتين اللتين بلا عيب ولا دنس....».
في العهد القديم، عندما يكون الشخص فقيرًا كانت ذبائحه من الطير عبارة عن زوج يمام، أو فرخي حمام. وعندما يقدمهما الكاهن فكان يحز رأسها ويشقها من بين جناحيها دون أن يفصلها.
«وَانْ كَانَ قُرْبَانُهُ لِلرَّبِّ مِنَ الطَّيْرِ مُحْرَقَةً يُقَرِّبُ قُرْبَانَهُ مِنَ الْيَمَامِ اوْ مِنْ افْرَاخِ الْحَمَامِ. يُقَدِّمُهُ الْكَاهِنُ الَى الْمَذْبَحِ وَيَحُزُّ رَأسَهُ وَيُوقِدُ عَلَى الْمَذْبَحِ وَيُعْصَرُ دَمُهُ عَلَى حَائِطِ الْمَذْبَحِ. وَيَنْزِعُ حَوْصَلَتَهُ بِفَرْثِهَا وَيَطْرَحُهَا الَى جَانِبِ الْمَذْبَحِ شَرْقا الَى مَكَانِ الرَّمَادِ. وَيَشُقُّهُ بَيْنَ جَنَاحَيْهِ. لا يَفْصِلُهُ. وَيُوقِدُهُ الْكَاهِنُ عَلَى الْمَذْبَحِ فَوْقَ الْحَطَبِ الَّذِي عَلَى النَّارِ. انَّهُ مُحْرَقَةٌ وَقُودُ رَائِحَةِ سُرُورٍ لِلرَّبّ» (لا1: 14- 17).
ولهذا نجد الكاهن عندما يصلى قائلًا: «وقسمهُ وأعطاه لتلاميذه القديسين ورسله الأطهار قائلًا خذوا كلوا منه كلكم لأن هذا هو جسدي الذي يقسم عنكم وعن كثيرين يعطى لمغفرة الخطايا هذا أصنعوه لذكرى» يحز مكان الرأس[55] ويشق الجسد طوليًا دون أن يفصله». ونجده بعدها مباشرةً يعلن عن العهد الجديد عندما يقول عن الكأس: «وذاق وأعطاها أيضًا لتلاميذه القديسين ورسله الأطهار قائلًا خذوا أشربوا منها كلكم لأن هذا هو دمى الذي للعهد الجديد الذي يسفك عنكم وعن كثيرين يعطى لمغفرة الخطايا هذا أصنعوه لذكرى». وكأن الكاهن والشعب يدخلان هنا في عهد مع الله من خلال السيد المسيح على غرار ما فعل أبونا إبراهيم في (تكوين 15: 9- 18).
رش دم الذبائح ونضحه على مذبح المحرقة و مذبح البخور و أمام الحجاب من أهم ما يقدم لدى الله. لأن «كُلُّ شَيْءٍ تَقْرِيبًا يَتَطَهَّرُ حَسَبَ النَّامُوسِ بِالدَّمِ، وَبِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ!» (عب 9: 22).
ونجد أن هذا الطقس قد انتقل إلى الطقس في ذبيحة الإفخارستيا أيضًا فنلاحظ الكاهن عندما يقول: «اللذان لمسيحه الضابط الكل الرب إلهنا» في صلاة مقدمة القسمة، يأخذ الدم الكريم من الكأس بأصبع السبابة[56] بيده اليمنى، والجسد المقدس موضوع على يده اليسرى، ويرشمه بطريقه عجيبة لا تتكرر في أي طقس أخر. فينضح بالدم على الإسباديقون، ويحرك إصبعه وهو ملامس الجسد في اتجاه الكأس من فوق، ثم إلى أسفل الجسد في اتجاه الكاهن، ثم إلى فوق مرة أخرى إلى أن يصل إلى الإسباديقون، ثم يحركه عرضيًا بنفس الطريقة من الشمال إلى اليمين، ثم أسفل الجسد مرة ثانية من اليمين إلى الشمال، ثم يصعد إلى فوق مرة ثانية إلى أن يصل إلى الإسباديقون، وكأنه يربط الجسد بخيط قرمزي من الدم. وبهذه الطريقة يكون قد رشم الجسد رشمان، واحد من أعلى والأخر من أسفل.
وفي نفس الوقت قد تمم ممارسة الطقس في العهد القديم من نضح الدم، ورشه مستديرًا حول المذبح[57]، وصبه من أسفله.
«كَلِّمْ هَارُونَ وَبَنِيهِ قَائِلا: ... الْكَاهِنُ الَّذِي يَعْمَلُهَا لِلْخَطِيَّةِ يَأكُلُهَا. فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ تُؤْكَلُ فِي دَارِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ» (لا 6: 25، 26).
«ذَبِيحَةُ الاثْمِ كَذَبِيحَةِ الْخَطِيَّةِ لَهُمَا شَرِيعَةٌ وَاحِدَةٌ. الْكَاهِنُ الَّذِي يُكَفِّرُ بِهَا تَكُونُ لَه. الْكَاهِنُ الَّذِي يُقَرِّبُ مُحْرَقَةَ إنْسَانٍ فَجِلْدُ الْمُحْرَقَةِ الَّتِي يُقَرِّبُهَا يَكُونُ لَهُ وَكُلُّ تَقْدِمَةٍ خُبِزَتْ فِي التَّنُّورِ وَكُلُّ مَا عُمِلَ فِي طَاجِنٍ أوْ عَلَى صَاجٍ يَكُونُ لِلْكَاهِنِ الَّذِي يُقَرِّبُهُ» (لا 7: 7- 9).
«الَّذِي يُقَرِّبُ دَمَ ذَبِيحَةِ السَّلامَةِ وَالشَّحْمَ مِنْ بَنِي هَارُونَ تَكُونُ لَهُ السَّاقُ الْيُمْنَى نَصِيبا» (لا 7: 33).
من الواضح من هذه الآيات أن للكاهن مقدم الذبيحة له نصيب معين ومحدد منها. كذلك الكاهن مقدم الذبيحة في كنيستنا فله وحده الرأس والإسباديقون كنصيب معين ومخصص من الذبيحة.
_____
[50] مع الأخذ في الاعتبار أن اسم المسيح في القبطى اخذ عن اليونانى.
[51] وهم ذبيحة المحرقة وتقدمة الدقيق وذبيحة السلامة وذبيحة الخطية وذبيحة الإثم
[52] هذه الوليمة لها معنى مزدوج، لأنها تعنى أولًا: أن مقدم الذبيحة يدعو الله إلى مائدته، والله يتنازل ويقبل منه نصيبا وكأنه يأكل على مائدته. ثانيا: الله هو المُضيف ويدعو الكهنة وأصحاب الذبيحة وجيرانهم وأقاربهم وضيوفهم ليكونوا ضيوفا عنده. لأن الذبيحة عندما تقدم لله أصبحت في الأصل ملكا له وهو يتصرف فيها كما يشاء.
[53] في وقتنا الحالى يضع الكهنة أصبع السبابه في هذا الوقت.
[54] ففيما نحن أيضًا نصنع ذكر الآمه المقدسة.
[55] في وقتنا الحالي الكهنة يشقون الذبيحة قبل أن يذبحونها (يحز الرأس).
[56] في تقديم الحمل نجد أن الكاهن يرشم الحمل بالإبهام والرشم يكون كاملا وكل رشم يكون على حده. أما استعمال السبابه هنا لتسهيل النضح.
[57] راجع السيد المسيح كمذبح ص22.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-yoannes-st-paul/rite-eucharist-old-testament/sacrifice.html
تقصير الرابط:
tak.la/6w2k2sr