لقد رأينا أن التقليد الكنسي هو حياة أعضاء كنيسة المسيح جميعهم-كهنة وعلمانيين- بفعل الروح القدس. والآن نتساءل: ما هي مسئولية رجال الكهنوت والعلمانيين في حفظ التقليد المقدس واستمراره؟
التقليد والمجامع
التقليد وكتابات الآباء
التقليد والعلمانيون
في القرن الأول، أجتمع الرسل معًا في أورشليم "أعمال15" ليتدارسوا مشكلة قبول الأمم في الإيمان الجديد، ويتخذوا قررًا كنسيًا يتماشى مع فكر المسيح. فمن واجب آباء الكنيسة أن يجتمعوا معًا في مجامع محلية أو مسكونية ليدرسوا احتياجات الكنيسة الحاضرة ويحفظوا حياتهم التقليدية خلال الظروف الجديدة. وهم في هذا لا يعطون أراء فردية بل جماعية، يجتمعون تحت قيادة الروح القدس بفكر واحد لكي يشبعوا احتياجات شعبهم. على سبيل المثال يلزمهم أن يدرسوا كيف تشرح تعاليم الكنيسة ومعتقداتها وتقدم للرجل المعاصر، وكيف يسندون شعبهم ضد كل هرطقة وفلسفة مادية، كما يناقشون احتياجات الشعب الرعوية والعمل الكرازي ودور الكنيسة المسكوني الخ.
بمعنى آخر، إنها مسئولية الآباء أن يحفظوا حياة الكنيسة التقليدية كحياة فعالة، لها عملها الروحي على المستويين: المحلى والمسكوني.
بجانب المجامع الكنسية، تعتبر كتابات آباء الكنيسة أحد المصادر الرئيسية لحفظ التقليد الكنسي. ولقد أعطى [67]J.Kelly بعض الأمثلة لالتجاء الكنيسة الأولى إلى كتابات الآباء لتأكيد المعتقدات والتعاليم التقليدية:
1- إذ كتب القديس كيرلس الإسكندري إلى الرهبان المصريين مدافعًا عن تلقيب العذراء الطوباوية "والدة الإله"، أشار إليهم[68] أن يقتفوا آثار الآباء القديسين، ماداموا هم الذين حفظوا الإيمان الذي تسلموه من الرسل وعلموا به المسيحيين لتكون معتقداتهم صادقة.
مرة أخرى كان القديس كيرلس الإسكندري مستعدًا أن يؤكد[69] أن التعليم الحقيقي للثالوث القدوس قد شرح خلال "حكمة الآباء القديسين".
وفي نضاله ضد نسطور التجأ[70] القديس كيرلس إلى "الكنيسة المنتشرة في العالم والآباء المكرمين أنفسهم"، معلنًا أن الروح القدس قد تكلم فيهم.
ولكي يؤكد وضعه في الإيمان الخاص بالسيد المسيح، أعد مقتطفات قيمة آبائية، استخدمها في كتاباته الدفاعية[71]، وقدمها لمجمع أفسس[72].
لقد قرر القديس كيرلس: إنني محب للتعليم الصحيح، مقتفيًا آثار خطوات آبائي الروحية[73].
2- يتحدث ثيؤدورت الأنطاكي[74] عن الإيمان الأرثوذكسي أنه أنتقل إلينا، ليس فقط بواسطة الرسل والأنبياء، بل وأيضًا بواسطة أولئك الذين قاموا بتفسير كتابتهم: أغناطيوس ويوستاثيوس وباسيليوس وغريغوريوس ويوحنا وغيرهم من الذين أناروا العالم، وأيضًا بواسطة الآباء القديسين الذين اجتمعوا قبلًا في نيقية. وأضاف ثيؤدورت بأن الذي ينحرف عن تعاليمهم يحسب عدوًا للحق. وفي موضع آخر[75] أوضح أن الروح القدس قد أوحى للآباء أن يوضحوا الجوانب الغامضة في الكتاب المقدس.
وإنني اقتطف هنا بعض أقوال الآباء فيما يخص علاقة التقليد الكنسي بالآباء:
لما كانت تعاليم الكنيسة الباقية إلى اليوم والمستلمة بالتتابع منذ الرسل لا تزال محفوظة، لهذا فهي وحدها التي نقبلها بكونها الحق الذي لا يغاير التقليد الرسولي الكنسي في كل شيء.
العلامة أوريجين
إن كانت المشكلة تفوق عقلنا، فإنه يليق بنا أن نحفظ التقليد الذي تسلمناه بالتتابع من الآباء ثابتًا بغير توقف.
وإننا أيضًا نذكر وصية القديس أثناسيوس الرسولي[77] أن نحفظ "تقليد الكنيسة الجامعة الأصيل، وتعاليمها وإيمانها الذي تسلمته من الرب وأعلنه الرسل وحفظه الآباء".
يليق بنا أن نعرف أنه بحسب كنيستنا الأرثوذكسية لا يستطيع واحد من الآباء بمفرده أن يتعرف على الحق بكماله كما تتعرف عليه الكنيسة كلها، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. بل أن بعضهم سقط في خطأ ما وفي بعض الأحيان كان يتعارض أحدهما مع الآخر. لهذا فإن كنيستنا لم تقنن اللاهوت الآبائي في كل كلمة ولا أعدت قوائم إلزامية بالآباء وكتابتهم.
ولكي نتعرف على التقليد الكنسي، الحق، يلزمنا لا أن نتعرف على الآباء ونقتطف منهم بل بالحري أن ندخل إلى روحهم ويصير لنا "الفكر الآبائي".
ما هو دور العلمانيين في الحفاظ على الحياة الكنسية التقليدية؟
إن قرارات المجامع الكنسية وكتابات آباء الكنيسة غير قادرة وحدها على حفظ التقليد الكنسي، فإن العلمانيين لهم دورهم الأساسي في حفظ التقليد حيًا وذلك بممارسته في حياتهم اليومية وعبادتهم. لأن الحياة الكنسية التقليدية لا يمكن حفظها بقوانين أو خلال كتب وإنما بالممارسة والحياة.
كل مؤمن حقيقي يمثل حجرًا في هيكل الله الروحي. أنه يوضع على حجارة حية سابقة له، أي يتقبل الحياة الكنسية التقليدية من الأجيال السابقة، وفي نفس الوقت يحمل هو حجارة حية أي يودع هذه الحياة، وبهذا يصير عضوًا حيًا في كنيسة المسيح، ينقل حياتها بممارستها يوميًا.
بهذا يمكننا أن نعرف "المؤمنين التقليديين" بأنهم ليس أولئك الذين يدرسون قوانين الكنيسة بدقة ويتعرفون على تفاصيل الطقوس أو يرددون التسابيح الكنسية فحسب، بل بالحري هم أولئك الذين يكتشفون وحدتهم مع الله في المسيح يسوع بواسطة الروح القدس خلال حفظهم وممارستهم للقوانين الكنسية وطقوسها وألحانها الخ...
_____
[67] Dom Guerager: Institution Iiturgiques. Yve Conger: Tradition & the Life of the Church, p 125.
[68] Y. Kelly p 48,49.
[69] Ad Monach. PG 77:12,13.
[70] In Joh. Ev. 4:11 PG 74:216.
[71] Adv. Nect. 4.2.
[72] De recta Fide ad rign; apol c. Orient PG 76: 1212f, 316f.
[73] E. Schwartz: Acta Conciliorum oecumenicorum 1:1, 7, 89 f.
[74] Quasten: Patrology, Vol 3, p136.
[75] Epistle 89.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/tradition/clergy.html
تقصير الرابط:
tak.la/rdgt86w