سبق أن رأينا أن التقليد الكنسي في جوهره هو مجرى الحياة الدائمة في المسيح يسوع، بفعل الروح القدس. هذه الحياة لا تقف عند حدود "إيماننا" بل تحتضن منهج الكنيسة الروحي السلوكي ونظامها التعبدي. هكذا يمثل التقليد الحياة "الواحدة" للكنيسة والتي لا تنفصل إلى أجزاء: إيمان وتعاليم روحية وعبادة.
التقليد والتعاليم السلوكية
التقليد والعبادة الكنسية
التقليد والليتورجيا
التقليد والطقس
سلمنا الرسول بولس التقليد الحاوي للمنهج الروحي السلوكي، لإذ يقول:
"فكما قبلتم المسيح يسوع الرب اسلكوا فيه، متأصلين ومبنيين فيه وموطدين في الإيمان كما علمتم" (كو 2: 7،6).
"كما تسلمتم منا كيف يجب أن تسلكوا وترضوا الله" (1تس 1:4).
"كما نوصيكم... أن تتجنبوا كل أخ يسلك بلا ترتيب وليس حسب التقليد الذي أخذه منا" (2تس 6:2).
" وما تعلمتموه وتسلمتموه وسمعتموه ورأيتموه في فهذا افعلوا" (في 9:4).
في التقليد المسيحي يتلازم الإيمان مع الحياة الروحية والسلوكية. فالقديسة مريم كمثال للكنيسة. "كانت تحفظ كلمة الله" في قلبها، لا كذاكرة سلبية، بل كلمة الله الحية العاملة في حياتها. وعندما سأل الوثني أوتلكس تيؤفيلس الإنطاكي -في القرن الثاني- "أرني إلهك" أجابه ثيؤفيلس بحكمة "أرني إنسانك وأنا أريك إلهي"، أي أرني صدق إنسانك الداخلى أو قلبك عندئذ تستطيع أن ترى الله وأنا أظهره لك. هكذا يرتبط الإيمان بالحياة العملية.
ما قلناه عن المنهج السلوكي، نكرره أيضًا بخصوص نظام الكنيسة التعبدي. فإننا بالتقليد تقبلنا "الحياة الكنسية في يسوع المسيح" ليس فقط خلال العقائد المسيحية والتعاليم والكتب المقدسة والمنهج السلوكي، ولكن أيضًا خلال الليتوريجيات الكنسية والطقوس والقوانين وكل ما يخص العبادة. فإننا قد تسلمنا حياة تعبد حقيقية بروح رسولي آبائي تسند إيماننا الحقيقي.
التقليد هو مصدر ليتويجياتنا الكنسية من عماد وأفخارستيا وزواج إلخ... وفي نفس الوقت هذه الليتروجيات هي بعينها التقليد في أعلى درجات قوته وقدسيته[66] لأن الليتروجيات -في كليتها- هي تقديس سر المسيحية في كماله. إنها لا تعلمنا السر بل تدخل بنا إلى لقاء حقيقي معه.
يمثل الطقس عنصرًا أساسيًا في العبادة الليتورجية والعائلية والخاصة، إذ تعنى شركة الجسد مع الروح في التعبد الله.
الطقوس التي تسلمناها بالتقليد ليست بالعمل العارض في حياة الكنيسة، لأنها في رمزيتها هي أكثر من أن تكون مجرد تعبير يحمل الحواس والفكر نحو حقائق الإيمان... إنها دخول حقيقي في سر العبادة وإعلان "الحق الحي" الحاضر في الكنيسة.
ففي التسابيح الكنسية كمثال نمارس التسبحة السماوية الجديدة في المسيح يسوع...بهذه التسابيح لا نتذوق الفن الموسيقى فحسب بل نختبر الحياة السماوية.
خلال المبنى الكنسي وكل محتوياته لا نتعرف على الفن المعماري أو الأثريات الثمينة، بل نتقبل تقاليد حية، فالمنى هو أيقونة حية للكنيسة السماوية تعبر عن إيمان الكنيسة تعبيرًا صادقًا.
وهكذا في كل ألوان الفن المسيحي نلتقي بروح التقليد. فالأيقنة مثلًا تقدم لنا بالروح القدس حياة الكنيسة، توضح لنا حياة الإيمان في التعليم الأرثوذكسي، فلا نرى فيها مجرد منظورات تعيننا في العبادة أو ديكورات دينية للهيكل، بل نتذوق خلالها إيماننا الحي بالسمويات وحبنا للقديسين واتحادنا معهم في المسيح يسوع.
_____
[66] for more details, see our book: Christ in the Eucharist 1973, p188 –191.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/tradition/church.html
تقصير الرابط:
tak.la/sgfa7kj