St-Takla.org  >   books  >   fr-tadros-malaty  >   satan
 
St-Takla.org  >   books  >   fr-tadros-malaty  >   satan

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب هل للشيطان سلطان عليك؟ للقديس يوحنا ذهبي الفم - إعداد: القمص تادرس يعقوب ملطي

9- أحوالنا تشهد بعناية الله

 

اعتراض
موقف الله من الأشرار
موقف الله من المستقيمين
يؤدبك لأنه يحبك!
ما أبعد أحكامه عن الفحص!

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

اعتراض

 قد يقول قائل: وما فائدتنا إن كان هذا كله من سماء وشمس وقمر ونجوم... الكل يحتفظ بنظامٍ حسنٍ، لكن أمورنا نحن مملوءة تشوشًا وارتباكًا؟

أي ارتباك أيها الإنسان؟ وأي تشويش؟ يقول بأن إنسانًا ما غنيًا لديه فوق ما يحتمل، هذا يكون جشعًا وطماعًا، ويسلب ما للفقير يومًا فيومًا، ومع هذا لا يعاني من أحزان مرعبة. وآخر يعيش في حرمان وهو ضابط لنفسه ومستقيم ومزين بكل بقية الصفات الحسنة، ومع هذا نجده مؤدبًا بالفقر والمرض وغير ذلك من الأحزان الكثيرة المرعبة.

هل هذه الأمور تضايقك؟ تجيب نعم.

إن كنت ترى أن الطماع يؤدب كثيرًا، والسالك في حياة الفضيلة يتمتع بأمور صالحة كثيرة، فلماذا لا تتخلى عن فكرتك وتكون مقتنعًا بالقدير؟

فإنني أنا أيضًا ما يضايقني بالأكثر هو أنه لماذا يوجد شريران أحدهما يعاقب والآخر يهرب من التأديب، ويوجد صالحان أحدهما يكرم والآخر يبقى تحت التأديب؟ فان هذا أيضًا من الأعمال العظيمة التي لعناية الله.

لو عاقب كل الأشرار هنا، وكرم كل الصالحين هنا، فما الحاجة إلى يوم الدينونة؟!

وأيضًا لو أنه لم يؤدب أي شرير، ولم يكرم أي إنسان صالح، فإن الشرير يزداد في شره... والذين يُجَدِّفون على الله يسبّونه أكثر ويقولون بأن أعمالهم منعزلة عن عنايته.

كذلك إن كان بعض الأشرار يتعذبون وبعض الصالحين يُعاقَبون، فإنهم يقولون بأن شئون البشرية لا تخضع للعناية.

بل وحتى إذا لم يحدث شيء من هذا، فأي (شر) لا ينطقون به؟! وأي كلمات لا تخرج من أفواههم؟!

لهذا فان بعض الأشرار يتعذبون، وبعضهم لا يتعذب. وبعض الصالحين يكرمون، والبعض لا يعطيهم كرامة.

فهو لا يؤدب الكل لكي يحثك بأنه يوجد يوم للقيامة. لكنه يؤدب البعض لكي يحول بعض المهملين جدًا إلى غيورين بسبب الخوف النابع عن العقوبات التي تحل بهم.

St-Takla.org Image: But thy providence, O Father, governeth it: for thou hast made a way even in the sea, and a most sure path among the waves, shewing that thou art able to save out of all things (Wisdom of Solomon 14:3) - Designed by Michael Ghaly for St-Takla.org صورة في موقع الأنبا تكلا: آية: لكن عنايتك أيها الآب هي التي تدبره؛ لأنك أنت الذي فتحت في البحر طريقًا، وفي الأمواج مسلكًا آمنًا، وبيَّنت أنك قادر أن تُخَلِّص من كل خطر (سفر الحكمة 14: 3) - تصميم مايكل غالي لـ: موقع الأنبا تكلا هيمانوت

St-Takla.org Image: But thy providence, O Father, governeth it: for thou hast made a way even in the sea, and a most sure path among the waves, shewing that thou art able to save out of all things (Wisdom of Solomon 14:3) - Designed by Michael Ghaly for St-Takla.org

صورة في موقع الأنبا تكلا: آية: لكن عنايتك أيها الآب هي التي تدبره؛ لأنك أنت الذي فتحت في البحر طريقًا، وفي الأمواج مسلكًا آمنًا، وبيَّنت أنك قادر أن تُخَلِّص من كل خطر (سفر الحكمة 14: 3) - تصميم مايكل غالي لـ: موقع الأنبا تكلا هيمانوت

كذلك يكرم بعض الصالحين لكي يحث الآخرين على مضاعفة الفضائل، لكنه لا يكرم الكل حتى نتعلم أنه يوجد وقت آخر يستردون فيه كل جزائهم. لأنه لو نال الكل استحقاقهم هنا، لما كانوا يؤمنون بيوم القيامة. وإن لم ينل أحد قط شيء من جزائه هنا، فستهمل الغالبية إهمالًا أعظم مما هم عليه.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

موقف الله من الأشرار

لهذا فان الله يؤدب البعض، ولا يؤدب الآخرين، وذلك لأجل نفع كلٍ من المؤدبين والذين لم يخضعوا للتأديب. فيجعل الآخرين ينزعون شرهم بضبطهم لنفوسهم عندما يرون الأولين (تحت التأديب)، وهذا واضح من قوله "أولئك الثمانية عشر الذين سقط عليهم البرج في سلوام وقتلهم، أتظنون أن هؤلاء كانوا مذنبين أكثر من جميع الناس الساكنين في أورشليم كلا. أقول لكم: بل إن لم تتوبوا، فجميعكم تهلكون"[7] (لو13: 2-5).

هل ترون كيف هلك أولئك بسبب خطاياهم، والبقية لم تهرب من الهلاك بسبب بِرّهم، إنما لكي يصيروا إلى حال أفضل بنظرهم عقاب الآخرين؟!

قد يقول قائل: ألم يعاقب هؤلاء ظلمًا؟ لأن هؤلاء كان يمكنهم أن يصلحوا دون أن يعاقبوا بنظرهم عقاب الآخرين.

لكن لو أن الله يعلم أن هؤلاء سيصيرون إلى حال أفضل بالتوبة، ما كان عقابهم (هكذا). لكنه سبق فرأى أن كثيرين لا ينتفعون شيئًا من طول أناته، ومع هذا يحتملهم بطول أناة عظيمة، منفذًا ما هو من جانبه، ومعطيًا إياهم فرصة لعلهم يرجعون عن بلادتهم إلى إحساس سليم يومًا ما. فكيف يقدر أن ينزع هؤلاء الذين كانوا يصيرون إلى حال أفضل بنظرهم عقاب الآخرين بالتوبة... (لو لم يعلم أنهم لن يتوبوا)؟!

فمن جهة معاملتهم بالظلم، فإن شرهم انتهى بعقابهم (بالموت لم يعودوا بعد يخطئون أكثر)، ويصير عقابهم هناك أخف.

أما أن أولئك الذين لم يتأدبوا بتأديبات لم يعاملوا بعدل، فإنهم يستطيعون -إن أرادوا- أن يستفيدوا من طول أناة الله، وأن يتمموا تغيرًا فاضلًا جدًا، فيتعجبون من طول أناته ويخجلون من تسامحه الزائد، فيعودون يومًا إلى الفضيلة، ويكسبون خلاصهم بنظرهم عقاب الآخرين.

لكن إن بقوا في شرهم، فإن الله لا يُعاب عليه من أجل طول أناته عليهم لكي يشفيهم، إنما هم لا يستحقون العفو إذ لم يستفيدوا من طول أناته.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

موقف الله من المستقيمين

هذا يمكن أن نستخدمه كبرهانٍ عن سبب عدم تأديب كل الأشرار، كذلك يمكننا استخدامه بالنسبة للآخرين (المستقيمين) أيضًا... فلو أن الله أوقع على الجميع العقوبات التي يستحقونها عن خطاياهم، لماتت كل البشرية.

ولكي تتعلم هذه الحقيقة اسمع ما يقوله النبي: "إن كنت تراقب الآثام يا رب يا سيد، فمن يقف" (مز130: 3)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. لتقدم لك تلك الخطايا التي يسقط فيها الكل، ومنها يظهر لنا أنه لو سقطت علينا تأديبات عن كل خطايانا، لكنا قد هلكنا منذ زمن بعيد. فالرب يقول بأن من يقول لأخيه يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم (مت5: 22)، فهل يوجد منا إنسان لم يخطئ قط بهذه الخطية؟!

أيضًا يقول بأن الذي يقسم حتى وإن أوفى بالقسم، إنما يرتكب أمرًا يخص الإنسان الشرير (مت 5: 37)، فمن إذًا لم يسقط قط؟! نعم، بالحري من الذي لم يقسم باطلًا قط؟!

St-Takla.org Image: Elijah fed by ravens - from "Mother Stories from the Old Testament" book صورة في موقع الأنبا تكلا: الغربان تطعم إيليا النبي - من صور كتاب قصص تحكيها الأم من العهد القديم

St-Takla.org Image: Elijah fed by ravens - from "Mother Stories from the Old Testament" book

صورة في موقع الأنبا تكلا: الغربان تطعم إيليا النبي - من صور كتاب قصص تحكيها الأم من العهد القديم

يقول من ينظر إلى امرأة بشهوة يكون كله زانيًا... ومن هذه الخطية يستطيع الإنسان أن يجد في نفسه خطايا كثيرة.

إن كان هذا بالنسبة للخطايا التي نعرفها وهي لا تُحتمَل، كل منها تجلب علينا تأديبًا لا مفر منه، فماذا لو أننا أحصينا الخطايا السرية التي نرتكبها؟! عندئذ ندرك أن عناية الله تسمح ألا ننال تأديبًا عن كل خطية.

فعندما ترى إنسانًا جشعًا طماعًا ولم تقع عليه تأديبات، افضح ضميرك، ودقق في حياتك الخاصة، (فسترى) الخطايا التي ارتكبتها وتتعلم أن في حياتك أنت لم تُؤدب عن كل خطية من الخطايا.

تنطق الغالبية بكلمات طائشة، لأنهم لا يتطلعون إلى حال نفوسهم قبل أن يتطلعوا إلى أحوال الآخرين، لكننا نحن جميعًا نترك ما يخص نفوسنا لنفحص ما هو للآخرين.

لكن... إن رأيت إنسانًا بارًا يتأدب تذكر أيوب، فانه ليس من هو أبرّ منه، ولا من يقترب إليه (من جهة برِّه)، وإن تحمل آلام لا حصر لها، فلا يوجد من احتمل مثله!

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

يؤدبك لأنه يحبك!

إذ تضع هذا في ذهنك، كف عن اتهام السيد (الرب)، متعلمًا أن الله يسمح للإنسان باحتمال الشرور، ليس لتركه إياه، بل رغبة في تتويجه، لكي يصير إلى حالٍ أفضلٍ.

وإذا رأيت خاطئًا يُعاقب، تذكر المفلوج الذي أمضى ثمانية وثلاثين عامًا على سريره. لأن هذا الإنسان قد أُسْلِمَ للمرض بسبب الخطية، اسمع ما يقوله السيد المسيح: "ها أنت قد برئت، فلا تخطئ أيضًا لئلا يكون لك أشر" (يو 5: 14).

فعندما نسقط تحت التأديب، فإننا إما أننا نؤدب بسبب خطايانا أو نتقبلها كمجال لنوال الإكليل، وذلك باحتمالنا الشر ونحن نعيش في استقامة.

هكذا سواء كنا نعيش في برِّ أو خطية، فإن التأديب نافع لنا. تارة يزيدنا استقامة، وأخرى يجعلنا نضبط نفوسنا، وتخف عنا العقوبة المقبلة. إذ الشخص الذي يقبل التأديب هنا بشكر تخف عقوبته هناك. اسمع ما يقوله الرسول بولس، قائلًا: "من أجل هذا فيكم كثيرون ضعفاء ومرضى وكثيرون يرقدون، لأننا لو كنا حكمنا على نفوسنا، لما حُكِمَ علينا. ولكن إذ قد حُكِمَ علينا نؤدب من الرب، لكي لا نُدان مع العالم" (1 كو11: 30-32).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ما أبعد أحكامه عن الفحص!

فإذ نعرف كل هذه الأمور، لنتأمل في عناية الله ولنسد أفواه المعارضين. أما إذا صعبت هذه الأمور على إفهامنا، فلا نظن أن أمورها لا تدبرها العناية الإلهية. لكننا إذ ندرك عنايته الإلهية ولو جزئيًا في أمور تفوق إدراكنا، علينا أن نستسلم لحكمته غير المفحوصة.

إن كان ليس ممكنًا لإنسانٍ غير خبير أن يفهم فنًا بشريًا، فكم بالأكثر تكون الاستحالة بالنسبة للبشر أن يعرفوا كنه العناية الإلهية غير المحدودة. ما أبعد أحكامه عن الفحص، وطرقه عن الاستقصاء (رو 11: 33) ومع هذا يمكننا بعينات قليلة نفهم منها ما هو كل. فنشكره من أجل ما يصنع...

إننا نسأل المعارضين: هل يوجد إله؟ فإن أجابوا بالنفي، فلا حاجة لنا أن نجيبهم، لأنه من العبث أن نجيب مجانيين. هل يمكن لسفينة أن تسير بها البحارة والمسافرين من غير أن يوجهها القبطان؟! فكم بالأكثر بالنسبة للعالم المملوء بشرًا والمكون من عناصر مختلفة، كيف يستمر دون أن تحيطه عناية، تحكمه وتسند حركته!

وإن كان هناك إله، فهو بالحق عادل، وإن كان عادلًا، فهو يعطي كل حسب استحقاقه.

لكننا لا نرى هنا أن الكل يأخذ حسب استحقاقه. إذا لا بد أن يكون لنا رجاء في المكافأة التي تنتظرنا، لكي يظهر عدل الله. وهذا يقودنا للتفكير لا في العناية الإلهية فحسب، بل وفي القيامة أيضًا.

فلنُعَلِّم الآخرين، ونبذل كل جهدنا لسدْ أفواه المفترين ضد السيد الرب، ونمجده فينا. بهذا نقتني كثيرًا من عنايته، ونجلس في كنفه، فيصير لنا إمكانية الهروب من الشر الحقيقي، ونقتني الصلاح المزمع أن يكون بواسطة نعمة ربنا يسوع المسيح وحبه، الذي به ومعه يتمجد الآب مع الروح القدس الآن وكل أوان وإلى أبد الأبد. آمين.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

[7] لم يذكر القديس يوحنا الذهبي الفم النص كاملًا.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/satan/life.html

تقصير الرابط:
tak.la/5n8fpnq