* أخبريني يا أمي، ماذا رأى السمائيون فيكِ، حين تجسد ملك الملوك السماوي منكِ؟
تُرَى هل عادوا بذاكرتهم إلى أيام الخليقة التي امتدت إلى ست حقبات لا نعرف مقدارها.
كانوا في دهشةٍ، تُرَى لمن خلق الله كل هذا العالم الجميل؟
ليس من كائنٍ عاقلٍ في السماء محتاج إلى هذا العالم البديع؟
لم يكونوا مُدرِكين سرّ الحكمة الإلهية وراء هذه الخليقة بكل إبداعها وقوانينها!
* سمعوا الصوت الإلهي القائل: "نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا،
فيتسلطون على سمك البحر، وعلى طير السماء،
وعلى البهائم وعلى كل الأرض" (تك 1: 36).
تطلعت الطغمات السماوية إلى آدم وحواء في قصرهما، "جنة عدن".
كانوا يسمعون صوت الربّ ماشيًا في الجنة (تك 3: 8).
وكانوا يرون الملك والملكة أشبه بطفلين يرقصان ويُسَبِّحان خالقهما،
لا بلسانيهما فحسب، بل وبكل كيانهما.
كانا كطفلين نقيين حكيمين، وفي بساطتهما لم يعرفا الشرّ!
نظروهما ملكين فريدين على وجه الأرض،
يتَّسِمان بالحكمة والعقل وحرية الإرادة والطهارة والنقاوة مع الحب.
أَحَبَّا الله كما أَحَب الواحد الآخر والخليقة السماوية والأرضية.
أدرك السمائيون أن الملك والملكة يحملان الكثير من سماتهم،
غير أن لهما جسد يسند نفسيهما على العبادة لخالقهما.
* ما أن أنصت الملكان للحية، حتى تغيَّر حالهما:
عِوَض الفرح والبهجة بصوت الربّ، صارا في خوفٍ ورعدةٍ.
عِوَض النقاوة، أدركا أنهما عريانان في عارٍ!
عِوَض الحب، تسلَّلت الخطية إلى فكريهما وقلبيهما.
أعطيا ظهرهما للخالق كما للخليقة السماوية!
فقدا ملوكيتهما وحريتهما وحكمتهما في الربّ.
فماذا فعل الرب لخلاصهما مما حلَّ بهما؟!
* نزل ربّ الأرباب ليَرُد لهما الحياة الملوكية بسكناه كملك الملوك في أحشاء البتول.
أقام منها ملكة، وكَلَّفه هذا تجسده،
خدمته للبشر، صلبه، موته، قيامته وصعوده إلى السماء.
نزل إلينا نحن العبيد الجاحدين ليُقِيم منا ملوكًا باتحادنا معه!
صرنا نرتل: "جعلنا ملوكًا وكهنةً لله أبيه" (رؤ 1: 6).
← ابحث هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمزيد من المقالات والكتب والصلوات...
* لم يُبَشِّر الربّ العذراء مريم مباشرة خلال حلمٍ أو إعلانٍ،
إنما أرسل إليها رئيس ملائكة.
أراد أن يتعرَّف السمائيون على سرِّ الحكمة الأزلية ألا وهي:
ملك الملوك يَرُد للبشرية الحياة الملوكية السماوية!
بشَّرها بالحبل وشرح لها عمل الثالوث القدوس فيها،
ليسترد الإنسان الحياة الملوكية.
لم يفرح رئيس الملائكة وحده باسترداد ملوكية الإنسان.
بل أعلن للسمائيين الرسالة التي وهبه الله أن يُبَشِّر بها بني البشر!
بهذا زال كل أثر للعداوة بين البشر والسمائيين،
هذه التي وُجِدَت يوم قبول الإنسان مشورة إبليس عِوَض وصية الربِّ.
* إذ تجسد منكِ ملك الملوك، صرتِ ملكة تحملين سماته فيكِ.
صرتِ نموذجًا لنا، كي نحمل نحن أيضًا سماته.
لذا نتغنَّى مع الرسول بالحياة الملوكية، قائلين:
"لأني حامل في جسدي سِمات الربّ يسوع" (غل 6: 17).
استقبلتِ خبر شركتك مع المصلوب بفرحٍ،
إذ قال لك سمعان الشيخ: "وأنتِ أيضًا يجوز في نفسكِ سيف" (لو 2: 35).
واقتدى بك الرسول القائل:
"مع المسيح صُلِبتُ، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ" (غل 2: 20).
بفرحٍ تحملين سمة الحُبِّ لبنيان الآخرين،
مُتمثِّلة بابنك القائل:
"أبي يعمل حتى الآن، وأنا أعمل" (يو 5: 17).
إذ سمعتي أن نسيبتك حُبلَى، انطلقتِ على جبال يهوذا مُسرِعة،
تُقَدِّمين للأسرة ابنكِ مصدر الفرح حتى للجنين (لو 1: 39).
صلِّي من أجلي، فلا أكف عن العمل لحساب ملكوت ابنكِ ملك الملوك.
كملكة مقدسة لم تنشغلي برضا الناس، بل بمسرَّة ملك الملوك،
لم تُخبِري القديس يوسف عن البشارة،
ولم تقلقي متسائلة ماذا يقول عنكِ وأنتِ حبلى وغير متزوجة.
كملكةٍ وثقتِ في ملك الملوك مُدَبِّر كل أموركِ.
* صرتِ ملكة فريدة يا والدة ملك الملوك.
لم تلتحفِ بالأرجوان،
ولا وُضِع على رأسك إكليل ذهب مُرَصَّع بالحجارة الكريمة.
سكب ابنك برَّه فيكِ، وأشرق ببهائه عليكِ.
صرتِ كاملة الجمال به!
قَدَّمتِ لنا عمليًا ما يدعونا إليه إنجيل ابنك، وأقوال آباء الكنيسة.
* بلياقة يُدعَى القديسون ملوكًا في لغة الكتاب المقدس.
إذ يرتفعون فوق العواطف الجسدية،
ويضبطون ملذَّات الشهوة، ويُلَطِّفون من لهيب الطمع،
ويَحنون تشامخ الكبرياء، ويسحقون اقتراحات الجسد، ويُطفئون نار الهوى.
إنهم ملوك، لأنهم تعلموا ألاَّ يستسلموا لانفعالات التجارب بل يقبلوها (بشكرٍ).
ولا بجنون السيادة وذلك بالسيطرة عليها.
إنهم يجلسون إلى الأبد على عرش ملكوت المجد الأبدي،
وبسلطانٍ يدينون الآخرين...
هكذا يقول الرب لكنيسة لاودكيا:
"من يغلب، فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي،
كما غلبتُ أنا أيضًا، وجلستُ مع أبي في عرشه" (رؤ 3: 21).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/mary-4-heart/queen.html
تقصير الرابط:
tak.la/52m7qjq