إنني أدهش من قول الإنجيلي عند لقائك مع جبرائيل الملاك:
*"فلما رأته اضطربت من كلامه،
وفكرت ما عسى أن تكون هذه التحية" (لو 1: 29).
لم أسمع هذا عن إبراهيم أب الآباء حين ظهر له الربّ نفسه إله رئيس الملائكة (تك 18: 2)!
ولا عن موسى النبي حين صعد ليلتقي بالربّ على جبل سيناء!
إذ قيل عنه: "يكلم الربّ موسى وجهًا لوجه كما يكلم الرجل صاحبه" (خر 33: 11).
ولا عن إيليا حين صعد في المركبة النارية المنطلقة إلى السماء (2 مل 2: 11).
ولا عن دانيال النبي حين ظهر له جبرائيل الملاك (دا 9: 21-22).
لماذا اضطربتِ عند رؤيته وسماع تحيته لكِ وأنتِ أبهى من الشاروبيم؟
* ابني الحبيب، ليفتح الربّ فكرك، فتُدرِك ما وراء هذا اللقاء من أسرارٍ عجيبةٍ.
لقد اختبرتُ في هذا اللقاء أمورًا يصعب التعبير عنها.
لقائي مع رئيس الملائكة بالحق كان فريدًا وعجيبًا.
إن كان الاضطراب لم يلحق بالذين أشرتَ إليهم،
فقد كانت غاية الظهورات لهم هو بثّ روح الرجاء في البشرية الساقطة،
بأن السماء تفرح بعودة السلام بينها وبين بني البشر.
وأن ربّ السمائيين محب للبشر،
يهيئ البشر للقاء معه والشركة في خورُس السمائيين.
فالسماء يا ابني تنتظر كل إنسانٍ شخصيًا كأنه صديقها الفريد!
إنها تنتظرك وتُرَحِّب بك يوم انطلاقك إليها من الأرض.
* أما بالنسبة لي، فالرسالة أعظم من ذلك بكثير،
فلم يكن ظهورًا مجردًا، وإنما كانت رسالة لتجسد كلمة الله،
الأمر الذي فاق كل أفكار الخليقة السماوية والأرضية.
خلقني المتجسد من التراب، أنا ابنة آدم وحواء،
يُبَشِّرني الملاك بما يفوق إدراكي، وأنا محتاجة مثلك إلى الخلاص.
ففي بيت زكريا تهللت نفسي معهم،
وترنمت: "تبتهج روحي بالله مُخَلِّصي،
لأنه نظر إلى اتضاع أمته" (لو 1: 47-48).
يا ابني لتدرك أنك مادمت في الجسد، تطلب معي بروح التواضع عون مُخَلِّصك!
← ابحث في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمزيد من المقالات والكتب والصلوات...
* كإنسانة تحت الناموس اضطربت من رؤية الملاك وسماع تحيته.
لكن العجيب أن خالق السماء والأرض، المتجسد لأجل خلاصي وخلاص العالم،
قدَّم لي ولكل البشر درسًا في تواضعه وحُبّه الفائق.
لم يتجسد في أحشائي، إلا بعد أن قلت: "ليكن لي كقولك".
الله يا بني لن يقتحم حياة إنسانٍ أو قلبه،
أو فكره أو عواطفه بدون قبول دخوله والتصاقه به.
يا لتواضع الله العجيب!
إنه يعتزّ بنا واهبًا إيانا حرية الإرادة في تعامله معنا، نحن خليقته!
حتى بعد ولادته كنت في صمتٍ أتأمل في معاملاته العجيبة وأدهش.
لقد هاجت العواصف، وصار تلاميذه في البحيرة في خطر.
ذهب إليهم ولم يدخل السفينة ويهدئ الرياح إلاَّ بعد ظهوره ماشيًا،
وقوله لهم: "أنا هو لا تخافوا" (مت 14: 24-27).
ولم يدخل السفينة بدون استئذانهم.
خالق السماء والأرض والبحر لم يقتحم سفينة تلاميذه بدون دعوتهم له.
أيضًا قيل عنه: "فرضوا أن يقبلوه في السفينة" (يو 6: 21).
لقد رافق رب المجد تلميذيّ عمواس في الطريق وفتح أذهانهم،
مُفَسِّرًا لهم الكتب جميع ما تكلم به الأنبياء (لو 24: 25)،
ومع ذلك إذ "اقتربوا إلى القرية التي كانوا منطلقين إليها،
تظاهر كأنه منطلق إلى مكانٍ أبعد" (لو 24: 28)
لم يدخل معهما البيت بدون دعوة منهما.
يقول الإنجيلي: "فألزماه قائلين: امكث معنا لأنه نحو المساء،
وقد مال النهار، فدخل ليمكث معهما (لو 24: 29).
لقد سبق ودعانا خلال ابن سيراخ أن نتشبَّه بإلهنا،
فلا نتسرَّع وندخل بيتًا ما مهما كانت قرابتنا وصداقتنا ومحبتنا لأهل البيت.
يلزم أن نستأذن ونحن خارجًا قبل أن ندخل!
ولا نتصنَّت على أحدٍ مهما كانت قرابتنا له!
فلا نتعدَّى حدودنا في التعامل معهم، بل حتى في تعاملنا مع خدمهم!
اسمع ما يقوله الحكيم يشوع بن سيراخ:
"قدَم الأحمق تُسرع في الدخول إلى البيت،
أما الإنسان الواسع الخبرة فيستحي – أي يقف خارجا بوقارٍ.
الذي بلا تمييز يحدق من الباب إلى داخل البيت، وأما الإنسان المتأدّب فيقف خارجًا.
يُظهر الإنسان قلة أدبه بالتصنت على الباب،
والفطن يحزنه ذلك العيب" (سي 21: 22-24).
* لم أخجل حتى بعد أن صرت والدة الإله أن أخبر لوقا البشير
أن يعلن للجميع إنني اضطربت عند رؤيتي رئيس الملائكة وسماع تحيته لي.
أود أن تدرك يا ابني، أنني في هذه اللحظات لم أكن بعد قد تسلَّمت الرسالة الإلهية،
لم يخبرني الملاك بها بعد.
لكن عند سماعي لها، انحنت نفسي في تجاوب مع الرسالة،
وقلت: "هوذا أنا أَمَة الربّ، ليكن لي كقولك" (لو 1: 38).
عند نطقي بهذه الكلمات، بدأ التجسد الإلهي فيَّ.
وانتقلت من عهد الناموس إلى عهد النعمة.
أحسست برئيس الملائكة يقف أمامي في دهشةٍ، فإن خالقه يتجسد فيّ!
حتى هذه اللحظات كنت كسائر البشر الذين كانوا تحت الناموس.
لن أنسى ما قيل عن أجدادي في أيام موسى:
"ارتعدوا ووقفوا من بعيد، وقالوا لموسى تكلم أنت معنا فنسمع،
ولا يتكلم معنا الله لئلا نموت" (خر 20: 18-19).
يا ابني، إن الملائكة يُطوّبونك، لأنك صرت هيكلا لله، وروح الله ساكن فيك (1 كو 3: 16)
يا ابني، أنت في عزّ. قديمًا ما كان يمكن لأحدٍ أن يدخل قدس الأقداس،
سوى رئيس الكهنة مرة واحدة في السنة، وبعد تقديم ذبائح عن نفسه وعن الشعب.
أما الآن فقد صرت أنت وإخوتك هيكلًا لله، وروح الله ساكن فيك،
صار ملكوت الله في داخلك (لو 17: 21).
لقد صرتِ سماءً جديدة. أنت مدعو لتختبر عربون السماء.
بينما كان أجدادك كعبيدٍ تحت الناموس، ها أنت تتمتَّع بمجد حرية أولاد الله.
* تمتع يا ابني بمعاملات الله وخدامه السمائيين،
فتختبر محبة الله لك، واشتياق السمائيين إليك.
لا تضطرب من الله، فأحضانه مفتوحة لك،
وصدره مستعد لك أن تتكئ برأسك عليه!
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/mary-2-queen/tell-me.html
Connection failed: SQLSTATE[08004] [1040] Too many connections