اعتادت الكنيسة أن تُلَقِّب القديسة مريم "أم جميع الأحياء" "أم الحياة الجديدة" و"حواء الثانية". فإن كانت حواء فقدت المعنى اللائق باسمها كأم كل حيّ (تك 3: 20)، إذ خلال عصيانها جلبت على أولادها الموت عوض الحياة، وصارت "أم كل ميت"، فإن ابنتها القديسة مريم احتلَّت مركزها من خلال إيمانها وطاعتها وتواضعها. وهكذا صارت بالروح القدس أم "الحياة"، تُقَدِّم لأبناء آدم "شجرة الحياة" ليأكلوا ويحيوا إلى الأبد.
هذا وقد صارت القديسة مريم خلال التجسد أُمًّا لا للرأس فقط بل ولأعضاء جسده السري، كقول القديس أغسطينوس[93]، وهكذا تقبلت أمومة جامعة "للكنيسة".
فيما يلي مقتطفات من أقوال الآباء عن اتحادنا بالعريس ابنها داخل أحشائها، فصارت أمًّا لنا:
* ارتبط الكلمة بالجسد،
تزوج الكلمة بالجسد، وصارت أحشاؤكِ حجال هذه الزيجة السامية. إنني أُكَرِّر أن أحشاءكِ هي حجال هذه الزيجة العلوية التي للكلمة مع الجسد، حيث "يخرج العريس من خدره" (يوئيل 2: 16)[94].
* أَعَدّ الله الآب لله الابن عُرْسًا، فحين كان في أحشاء البتول اتَّحد مع الناسوت، حيث أراد الله الكائن قبل كل الدهور أن يصير في أواخر الدهور إنسانًا...
هكذا ضمّ الكنيسة المقدسة إلى نفسه خلال سرّ التجسد...
والآن فإن أحشاء العذراء الأم صارت خدر هذا العريس، إذ يقول المرتل: "جعل في الشمس مظلته، مثل العريس الخارج من خدره" (مز 19: 4-5). فقد كان بالحقيقة خارجًا من خدره كالعريس من خدره موحدّا الكنيسة إلى نفسه، خرج الإله المتجسد من رحم العذراء دائم البتولية[95].
هذه العلاقة التي قامت بين حواء الجديدة وكل المؤمنين خلال التجسد أُعلِنَت رسميًا بواسطة آدم الثاني وهو على الصليب، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. إذ قال لحواء الجديدة: "يا امرأة هوذا ابنكِ"، وقال لمؤمنيه: "يا يوحنا هوذا أمك". خلال الصليب تقبَّلنا حواؤنا الجديدة من أيدي الله! في هذا يقول العلامة ترتليان: [الله يعلم أنه ليس حسن للرجل أن يكون وحده، وهو يعلم أنه جيد للرجل أن يكون له امرأة، ألا وهي مريم وبعد ذلك الكنيسة[96].] لقد تقبَّلنا القديسة مريم حواؤنا، فنقول لإلهنا مع آدم: "المرأة التي أعطيتني معينة لي، حواء الجديدة، أعطتني، لأكل من شجرة الحياة، أي من صليب ابنها".
هذا ويرى العلامة أوريجينوس أن كل إنسانٍ كاملٍ يقدر أن يتسلَّم مع القديس يوحنا من الابن المصلوب القديسة مريم أمًا له، شارحًا الكلمات: "هوذا ابنكِ" هكذا "الإنسان الكامل لا يعيش فيما لنفسه وحده بل يحيا المسيح أيضًا فيه، ومادام المسيح فيه، لهذا يُقَال عنه لمريم: "هوذا، ابنكِ المسيح[97]!"
* يا للعجب من هذه الكرامة التي وهبها السيد المسيح لتلميذه! ما أوفر هذه الكرامة، لأنه لما انصرف هو في ذلك الوقت، سلَّمها إلى تلميذه المهتم بها، وإذ كان لائقًا بها أن تحتاج إلى مساعدة سلَّمها إلى محبوبه.
_____
[93] De Sancta Virginitate 6 PL 40:399.
[94] On the birth-day of John the Baptist 5. PL 38:1319.
[95] Hom. On the Gospels 2:38:3 PL 76:1283.
[96] Adv. Marcion 2:4. PL 2:289ز
[97] Oregen: In Evangelium Joannis 1. praefatio 6. PG 14:32.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/mary-1-orthodox-faith/new-eve.html
تقصير الرابط:
tak.la/tpn8d44