ارتبطت فكرة قداسة القديسة مريم في ذهننا بأمومتها لله كما ارتبطت بدوام بتوليتها، وصداقتها للمؤمنين وموقفها كرمزٍ للكنيسة المقدسة.
1. رأينا أن أمومة مريم لله جاءت ثمرة تزاوج نعمة الله المجانية مع خضوع (مريم) المؤمنة وطاعتها لله، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فقد تدخَّل الله بطريقة معجزية لتحقيق التجسد الإلهي كعطية مجانية يهبها الله للناس (لو 1: 28-35) بهذه النعمة الإلهية المجانية اقتنت القديسة مريم كمالًا (قداسةً) للروح والجسد يُهَيِّئها لاستقبال السيد في أحشائها. قدَّسَتها نعمة الله وصيَّرتها قدس أقداس حقيقي يسكنه الله، سماء ثانية، أُمًا للحياة والنور والواحد القدوس. هكذا خضعت العذراء باسم البشرية لرسالة الله وعمله (لو 1: 38). أما في لحظات التجسد فتقبَّلت القديسة مريم كمالًا فريدًا تحقَّق بحلول ابن الله واهب النعمة.
* إن كان الله قد غمر عبيده الأخصاء بالنعم والبركات، فكم تكون النعم التي أسبغها على الأم العذراء، هي بالأكيد أعظم وأسمى.
وإذا كان يوسف دُعِي بالمغبوط ألا تكون مغبوطة تلك التي ولدت يسوع الذي اعترف به بطرس نفسه ربًا وإلهًا.
وإذا كان بولس دُعِي الإناء المختار، لأنه حمل اسم المسيح إلى كل الأرض، فأي كأس تكون هذه التي حملت الله.
أيتها العذراء الفائقة القداسة، كل الألقاب والتماجيد التي أضيفها عليكِ لا تكفي، ولا تعبر عن شيء يليق بكِ[119].
* انفردت بدعوتها "الممتلئة نعمة"، إذ وحدها نالت النعمة التي لم يقتنها أحد غيرها، إذ امتلأت بواهب النعمة[120].
* هذا الميلاد مطلقًا هو نعمة، فيه تمَّ الاتِّحاد، اتِّحاد الإنسان بالله، والجسد بالكلمة... لم تكن الأعمال الصالحة هي الاستحقاق لتحقيقه[121].
* افرحي أيتها الممتلئة نعمة!
يتنعَّم البشر، كلٌ بنصيبٍ من النعمة، أما مريم فنالت النعمة بكل فيضها.
الأب بطرس خريسولوجيس
* حملت مريم (النار) في يديها، واحتضنت اللهيب بين ذراعيها. أعطت للهيب صدرها كي يرضع، وقدَّمت لذاك الذي يقوت الجميع لبنها. من يستطيع أن يخبر عنها؟![122]
* التحفت بالنعمة الإلهية كثوبٍ، وامتلأت نفسها بالحكمة الإلهية،
في القلب تنعَّمت بالزيجة مع الله،
وتسلَّمت الله في أحشائها![123]
الأب ثيؤدوسيوس أسقف أنقرة
تتأكَّد هذه الفكرة - أي الارتباط بين قداسة مريم وأمومتها لله - بشكل واضح في الألحان القبطية، إذ تعطيها أسماء كثيرة توضح قداسة الثيؤطوكوس.
* السلام (الفرح) للسماء الجديدة، التي أشرق منها شمس البرّ، ربّ كل البشرية![124]
في ليتورجيا عيد الميلاد
* السلام (الفرح) لمريم، الحمامة الحسنة، التي ولدت لنا الله الكلمة![125]
أسبوع الآلام
* صرتِ أعلى من السماء، ومُكَرِّمة أكثر من الأرض وكل الخليقة التي عليها، إذ صرتِ أمًّا للخالق.
* ليس من يشبه والدة الله، فإنك وأنت تسكنين الأرض صرتِ أمًّا للخالق.
(بارالكس) لحن البركة
2. ارتبطت قداسة العذراء بدوام بتوليتها، ظهر ذلك بوضوح في مقالات آباء الإسكندرية عن البتولية. أما القدّيس أمبروسيوس فيقول: [كانت بتولًا لا بالجسد فحسب بل بالروح أيضًا، فإن نقاوة ذهنها لم يمسّها أي خداع![126]]
3. يشعر المؤمن الأرثوذكسي بقداسة مريم، لا بوحي تعاليم تسلَّمها من الكتب بل ثمرة طبيعية لصداقةٍ شخصية ارتبط بها مع القديسة خلال حياته اليومية، فالقبطي المؤمن يشعر بالقديسة أمًّا له، الملكة القديسة التي في السماء تسأل عن خلاصه. هي الأم القديسة التي تتوق إلى قداسة أبنائها.
4. أخيرًا تُحسَب مريم قديسة بكونها "ابنة صهيون" الممتلئة نعمة، ترمز للكنيسة المقدسة. هي مثال لعُرْسِ المسيح، جسده السرِّي والكيان الروحي الذي أَسَّسه الرب وملأه بالروح القدس[127].
_____
[119] الأب الياس كويتر المخلصي: القديس باسيليوس الكبير، منشورات المكتبة البولسية، بيروت، 1989، ص 52.
[120] Expositio avangelii secundum Lucan, lib 3:9. PL 15:1556.
[121] On Reduke & Grace 30.
[122] Hymna on Blessed Mary 18:27. Palmer P.17.
[123] On the Holy Nativity of Christ 11 PG 77:1427.
[124] أسباسمس (قبلة) عيد الميلاد (تُلحن بعد صلاة الصلح).
[125] ختام صلاة المساء.
[126] De Virg. 2:7.
[127] Max Thurian: Mary, Mother of All Christians, 1964, Ch. 2.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/mary-1-orthodox-faith/holiness.html
تقصير الرابط:
tak.la/67bt59v