محتويات: (إظهار/إخفاء) |
ماذا يقصد بكلمتيّ
"السماء، الأرض"؟ أ. الملائكة والبشر ب. الروح (أو العقل) والجسد ج. الإنسان الروحاني والإنسان الجسداني د. المؤمنون وغير المؤمنين |
"لتكن مشيئتك"... ماذا نقول؟ هل لا ينفذ الله مشيئته ما لم نطلب نحن منه ذلك؟! تذكَّروا ما تكرِّرونه في قانون الإيمان قائلين: "نؤمن بإله واحد، الله الآب ضابط الكل (القدير)" فإن كان الله قديرًا، فلماذا نصلِّي أن تكون مشيئته؟
إذن ماذا يقصد بالطلبة "لتكن مشيئتك"؟ إنَّه يقصد بها أن تعمل مشيئته فيّ ولا أقاومها. وبذلك تطلبون من أجل أنفسكم لا من أجل الله لأن مشيئة الله عاملة فيكم ولو لم تكن بواسطتكم(5). فمشيئة الله عاملة فيمن سيقول لهم "تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعدّ لكم منذ تأسيس العالم" (مت 25: 34). كما تعمل فيمن سيقول لهم: "اذهبوا عنِّي... إلى النار الأبديَّة المعدَّة لإبليس وملائكته" (مت 25: 41). تعمل مشيئته في الأوَّلين بأن يأخذ الأبرار والقدِّيسون ملكوت السماوات، كما تعمل في الآخرين بمعاقبة الأشرار بالنار الأبديَّة. أمَّا كون مشيئته تعمل بواسطتنا فهذا أمر آخر. فأنتم لا تصلُّون لكي تعمل مشيئته بلا فائدة بل لصالحكم. لأنَّه سواء أكانت لصالحكم أو لغير صالحكم فهي نافذة، ولكنَّها ستعمل فيكم وليس بواسطتكم.
تصنع الملائكة مشيئة الله، فهل نصنع نحن مشيئته؟! كما أن ملائكتك لا تعارضك، هكذا ليتنا نحن لا نعارضك أيضًا. كما أن ملائكتك تخدمك في السماء، هكذا لنخدمك نحن على الأرض.
ملائكته القدِّيسون يطيعونه، إنَّهم لا يخطئون إليه، بل ينفِّذون وصايَّاه لمحبَّتهم له. ونحن نصلِّي لكي ننفِّذ أيضًا وصاياه في حب.
العقل هو السماء، والجسد هو الأرض. لنقل مع الرسول: "أنا نفسي بذهني أخدم ناموس الله، ولكن بالجسد ناموس الخطيَّة" (رو 7). تُصنع مشيئة الله في السماء (في الذهن)، لكنَّها لم تصنع بعد على الأرض (الجسد). لكن عندما يتَّفق الجسد مع الذهن و"يُبتلع الموت إلى غلبة" (انظر 1 كو 15: 54)، فلا تبقى بعد شهوات جسديَّة يصارع معها الذهن فينتهي الكفاح الأرضي، وتعبر الحرب القلبيَّة، المكتوب عنها: "لأن الجسد يشتهي ضد الروح، والروح ضد الجسد، وهذا يقاوم أحدهما الآخر حتى تفعلون ما لا تريدون" (غل 5: 17)؛ أقول عندما تنتهي هذه الحروب وتتحوَّل كل الشهوات إلى محبَّة، ولا يبقى في الجسد ما يضاد الروح، لا يبقى فيه شيء يُقمع أو يُلجم أو يُطأ بالأقدام، بل يصير الكل في وفاق نحو البرّ، عندئذ تكون مشيئة الله كما في السماء كذلك على الأرض. إذ نصلِّي قائلين "لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض" نطلب الكمال.
إنَّنا نقبل وصايا الله، وهي مبهجة لنا... مبهجة لعقولنا، "فإنَّنا نُسر بناموس الله بحسب الإنسان الباطن" (رو 7: 22). وهذه هي مشيئته النافذة في السماء، لأن أرواحنا تشبه السماء، وأما الأرض فهي أجسادنا. إذن ماذا يقصد بالطلبة: "لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض"؟ يقصد بذلك كما تبتهج عقولنا بوصاياك، فلتُسر أيضًا بها أجسادنا. بهذا ينتهي الصراع الذي وصفه الرسول. فعندما تشتهي الروح ضدّ الجسد تكون مشئيته عاملة في السماء، وعندما لا يشتهي الجسد ضد الروح حينئذ تنفذ مشيئته على الأرض أيضًا. فإذ تتم مشيئة الله، يحدث وفاق تام بينهما ويتحوَّل الصراع الحالي إلى نصرة فيما بعد.
الإنسان الروحاني في الكنيسة هو السماء، أمَّا الجسداني فهو الأرض، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. هكذا "لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض" أي كما يخدمك الروحاني، هكذا ليخدمك الجسداني أيضًا بإصلاحه.
يوجد معنى روحي آخر... فقد طلب منَّا أن نصلِّي لأجل أعدائنا. فالكنيسة هي السماء، وأعداؤها هم الأرض، فماذا يعني "لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض"؟ أي أن يؤمن بك الأعداء، كما نؤمن نحن بك. إنَّهم أرض لذلك هم يعادوننا، فليصيروا سماءً، يكونوا معنا.
السماء هي الكنيسة، لأنَّها عرش الله. والأرض هي غير المؤمنين، الذين قيل عنهم "لأنَّك تراب earth وإلى التراب تعود" (تك 3: 16LXX )... فيقصد بـ "كما في السماء كذلك على الأرض"، أي كما في مؤمنيك كذلك في الذين يجدِّفون عليك حتى يصيروا "سماءً".
ليتنا عندما نردِّد هذه الطلبة نفكر في جميع هذه المعاني سائلينها من الرب.
_____
(5) يميِّز القدِّيس أغسطينوس بين "أن مشيئة اللَّه عاملة فينا" وبين "عاملة بواسطتنا"، فهي عاملة فينا إن أردنا أو لم نرد، أما كونها عاملة بواسطتنا، فيعني أنَّنا نريد أن نصنع مشيئته.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/lords-prayer/thy-will-be-done.html
تقصير الرابط:
tak.la/b5anbk6