محتويات: (إظهار/إخفاء) |
ماذا يقصد بالخبز اليومي؟ أ. القوت والكساء اليومي ب. كلمة الله ج. سرّ الإفخارستيا |
عندما تقولون: "ليتقدَّس اسمك" و"لتكن مشيئتك"، "ليأتِ ملكوتك" هذه جميعها تحتاج إلى إيضًاح حتى لا تحسبوا أنفسكم تطلبون لأجل الله بل لأجلكم، أمَّا ابتداءً من هذه الطلبة حتى نهاية الصلاة، فإنَّه يظهر بوضوح أنَّنا نصلِّي إلى الله لأجل صالحنا. فعندما تقولون "خبزنا اليومي أعطنا اليوم"، تعترفون باستعطائكم الله، ولكن لا تخجلوا من هذا، إذ مهما بلغ غنى أيّ إنسان على الأرض فهو شحَّاذ من الله.
يقف الشحَّاذ أمام منزل الغني، ويقف الغني أيضًا أمام باب ذلك الواحد العظيم في الغني. من الغني يطلب الفقراء، وهو بالتالي يطلب. فلو لم يكن محتاجًا ما كان له أن يقرع على آذان الله بالصلاة.
وما هو احتياج الغني؟ أتجاسر فأقول أنَّه يحتاج إلى خبزه اليومي. لأنَّه كيف توفَّرت كل ما لديه من بركات إلاَّ لأن الله وهبه إيَّاها؟! ماذا يكون حاله لو رفع الرب يده عنه؟! ألَم ينم كثيرون من الميسورين وقاموا فوجدوا أنفسهم معدمين؟! فعدم عوز الغني إنَّما يرجع إلى مراحم الله وليس إلى قدرته.
هب لنا يا رب أشياء أبديَّة (الطلبات السابقة). أعطنا أشياء زمنيَّة. لقد وعدت بالملكوت، فلا تمسك عنَّا الوسيلة التي نعيش بها. ستهبنا مجدًا أبديًا بإعطائنا ذاتك فيما بعد. أعطنا في هذه الأرض المئونة الزمنيَّة التي نقتات بها. لذلك فهو خبز يومي، وليعطنا إيَّاه "اليوم" أي في هذه الحياة. لأنَّكم هل تطلبون خبزًا يوميًا بعد عبوركم هذه الحياة؟! هناك لا تقال كلمة "يوميًا" بل "اليوم"(6). الآن يقال يوميًا، أمَّا هناك فهل سيُدعى "يوميًا" حيث يكون يومًا واحدًا أبديًا؟!
بلا شك تفهم هذه الطلبة عن الخبز اليومي بمفهومين هما: القوت الضروري للجسد، والقوت اللازم للروح.
ينبغي على الإنسان ألاَّ يشتهي أكثر من القوت اليومي، لأنَّه كما يقول الرسول: "لأنَّنا لم ندخل العالم بشيء؟ وواضح أنَّنا لا نقدر أن نخرج منه بشيء، فإن كان لنا قوت وكسوة فلنكتفِ بهما" (1 تي 6: 7-8).
إخوتي الأعزاء... هذا الخبز الذي يشبع أجسادنا وينعش أبداننا كل يوم، لا يعطيه الله للذين يمجِّدونه فحسب، بل وللذين يجدِّفون عليه أيضًا، "فإنَّه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار والظالمين" (مت 5: 45). إنَّكم تمجِّدون الله وهو يقوتكم، إنَّكم تجدِّفون عليه ومع هذا يطعمكم. إنَّه ينتظر توبتكم، فإن لم تتغيَّروا فسيدينكم.
هل لأن كلًا من الأشرار والأبرار ينالون خبزًا من الله، يحسبون أنَّه لا يوجد خبز آخر خاص يطلبه أولاد الله؟! إنَّه الخبز الذي يقول عنه الرب في الإنجيل: "ليس حسنًا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب" (مت 15: 26). فبالتأكيد يوجد خبز آخر. ويُدعى خبزًا يوميًا، لأنَّه ضروري كالخبز العادي، بدونه لا نستطيع أن نحيا... ألا وهو كلمة الله التي توزَّع يوميًا!
خبزنا خبز يومي، تحيا به أرواحنا لا أجسادنا، ضروري لنا نحن الذين لا نزال نعمل في الكرمة. هو غذاؤنا وليس أجرتنا، فمن يستأجر عاملًا يحق عليه الغذاء الذي بدونه يخور العامل. كما تحق عليه الأجرة التي بها يُسر العامل. غذاؤنا اليومي في هذه الحياة هو كلمة الله التي توزع على الدوام في الكنائس، أمَّا الأجرة (المكافأة) التي ننالها بعد العمل فهي ما تدعى بالحياة الأبديَّة.
أما ما عالجته الآن أمامكم (أي شرح الصلاة الربانيَّة نفسه) هو خبز يومي، كذلك فصول الكتاب المقدَّس اليوميَّة التي تسمعونها في الكنيسة هي خبز يومي. كذلك التسابيح التي تسمعونها وتمجِّدون بها الله هي خبز يومي. لأن هذه جميعها لازمة لنا أثناء رحلتنا.
ولكن هل سنسمع كلمة الله في السماء عندما نبلغها، حيث نرى الله الكلمة ذاته ونسمع الكلمة ذاته ونأكله ونشربه كما تفعل الملائكة الآن؟! هل تحتاج الملائكة إلى كتب ومفسِّرين وقرَّاء؟! بالتأكيد لا. لأنَّهم يقرأون بالنظر. إنَّهم يعاينون الحق ذاته، يشبعون بغزارة من ذلك الينبوع الذي نحصل نحن على قطرات قليلة منه. لذلك فإن هذه الطلبة ضروريَّة لنا في هذه الحياة.
إن فهمتم هذا الخبز على أنَّه ما يأخذه المؤمنون، وما ستأخذونه أنتم أيضًا بعد نوالكم سرّ المعموديَّة، فإنَّه يكون لزامًا علينا أن نسأل ونطلب "خبزنا اليومي، أعطنا اليوم" حتى نحيا حياة معيَّنة (صالحة) ولا نحرم من الهيكل المقدَّس (أي من التناول من الأسرار المقدَّسة).
فهناك معنى جميل جدًا لهذه الطلبة، فإذ نطلب: "خبزنا اليومي أعطنا اليوم" نعني "أعطنا جسدك، طعامنا اليومي، لأن المؤمنين يعرفون الذين يقبلونه، وهم ينالونه لنفعهم، فهو لازم لهذه الحياة. إنَّهم يطلبونه لأجل أنفسهم أن يصيروا صالحين، وأن يثابروا على الصلاح والإيمان والسلوك المقدَّس، لأنَّهم إن لم يثبتوا في الحياة الصالحة يحرمون من تناول (سرّ الإفخارستيا). لذلك ماذا نقصد بـ "خبزنا اليومي أعطنا اليوم"؟ إنَّنا نعني: اجعلنا نعيش صالحين حتى لا نحرم من مذبحك.
أما عند إنهاء هذه الحياة، فإنَّنا لا نبحث عن الخبز الذي نجوع إليه، ولا نأخذ من الأسرار المقدَّسة من على المذبح، لأنَّنا سنكون هناك مع المسيح الذي نتناول جسده الآن، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ولا تحتاجون إلى ما أحدِّثكم به الآن، ولا يُقرأ في الكتاب المقدس، إذ نعاين كلمة الله نفسه، الذي به صُنعت كل الأشياء، وبه تتغذَّى الملائكة وتستضيء، ونصير حكماء دون حاجة إلى المناقشات المستمرَّة، بل يشربون من الكلمة الوحيد، ممتلئين من ذاك الذي يسبحونه على الدوام، لأنِّه يقول المزمور: "طوبى للساكنين في بيتك، أبدًا يسبحونك" (مز 84: 4).
_____
(6) لأن الحياة الأبديَّة يوم واحد، ليس فيها زمان.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/lords-prayer/daily-bread.html
تقصير الرابط:
tak.la/wfkf2z8