الطلبات الثلاث الأولى تخص الحياة الأبديَّة، لأنَّه ينبغي أن يتقدَّس اسم الله فينا على الدوام، وأن يبقى ملكوته دائمًا، وأن نصنع مشيئته إلى الأبد.
أمَّا "خبزنا اليومي" فهو ضروري لنا حاليًا، وكل الطلبات التالية تخص الحياة الحاضرة. فالخبز اليومي نحتاج إليه في هذه الحياة، ومغفرة الخطايا ضروريَّة في هذا العالم، لأنَّنا إذ نصل إلى الحياة الأخرى لا تكون هناك خطايا. وفي هذا العالم توجد تجارب حيث أن الإبحار فيه خطير، لكنَّنا عندما نتساوى مع ملائكة الله، لا نعود بعد نحتاج إلى الصلاة من أجل مغفرة خطايانا.
"فإنَّه إن غفرتم للناس زلاَّتهم يغفر لكم أيضًا أبوكم السماوي وإن لم تغفروا للناس زلاَّتهم، لا يغفر لكم أبوكم السماوي أيضًا زلاَّتكم".
أحبَّائي الأعزاء، حقًا إنَّها لتجربة خطيرة في هذه الحياة، أن نُجرب بالتجربة الخاصة بغفران خطايانا. إنَّها لتجربة خطيرة، أن يؤخذ منَّا ما نشفي به جراحات التجارب الأخرى. إنَّني أعلم أنَّكم لم تفهمونني بعد. أنصتوا إليّ فتفهمون.
(يقصد القديس أغسطينوس أنَّه لو كانت تجربتنا هي عدم المغفرة للآخرين، أي كراهيتنا لهم وحب للانتقام لأنفسنا منهم، فإنَّنا نكون بذلك قد أغلقنا على أنفسنا باب الغفران للتجارب الأخرى، لأنَّه لن تغفر لنا أية خطيَّة ما لم نغفر نحن للآخرين.)
افترض أن الطمع حارب إنسانًا، فسقط هذا الإنسان في الطمع، رغم كونه مجاهدًا ممتازًا، لقد جُرح هذا الإنسان في صراعه، ولكن هذا المصارع (رغم جراحاته)، لديه الباعث أن يقول: "أغفر لنا ذنوبنا". هكذا يجد هذا المصارع فرصته لسؤال الغفران متى سقط في أية تجربة. ولكن ما هي هذه التجربة الخطيرة التي سبق أن أشرت إليها؟ إنها حب الانتقام لأنفسنا. إنَّها تجربة خطيرة أن يلتهب الإنسان غضبًا ويحترق انتقامًا. بسببها نخسر نوال المغفرة عن الخطايا الأخرى. إنَّكم إن ارتكبتم أية خطيَّة أخرى أو شهوات أخرى، فستجدون علاجكم في القول "اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا"، ولكن إن خسرتم قوَّة هذه الطلبة فستبقون في كل خطاياكم.
عندما علمنا ربَّنا وسيِّدنا ومخلِّصنا ست أو سبع طلبات في هذه الصلاة، لم يعالج أية طلبة ولا أمرنا بإحداها مثل ما فعل بهذه الطلبة، وذلك لعلمه بخطورتها في الحياة، فعندما ختم الصلاة الربانيَّة لم يتوسَّع في أية طلبة، بل قال: "فإن غفرتم للناس زلاَّتهم".
احترزوا يا إخوتي، يا أبنائي، يا أولاد الله، احذروا من الغضب، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. إنَّني أرجوكم أن تحاربوا إلى النهاية بكل قلوبكم. فإن وجدتم الغضب ماثلًا أمامكم صلوا إلى الله حتى يعطيكم النصرة على أنفسكم. لا أقول أن يعطيكم النصرة على أعدائكم الخارجيِّين بل على أرواحكم الداخليَّة.
إنكم ترون يا أحبَّائي كم من الطلبات علمنا إيَّاها ربَّنا المسيح، وبالكاد تجدون فيها طلبة خاصة بالخبز اليومي. أنَّه يوجِّه كل تفكيرنا نحو الحياة المقبلة. لأنَّه لماذا نخاف لئلاَّ لا يهبنا شيئًا ممَّا نحتاج إليه، وقد وعده قائلًا: "اطلبوا أولًا ملكوت الله وبرُّه وهذه كلَّها تزداد لكم" (مت 6: 33)، "لأن أباكم السماوي يعلم إنَّكم تحتاجون إلى هذه كلَّها" (مت 6: 31) قبل أن تطلبوها، فكثيرون جُرَّبوا حتى بالجوع فوجدوا إنَّهم ذهب، ومع ذلك لم ينسهم الله.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/lords-prayer/demands.html
تقصير الرابط:
tak.la/8652yva