العبادة للّه ليست مجرد تقديم صلوات وتسابيح مع أصوام ومطانيات وتقدمات للّه ودراسة الكتاب المقدس، إنما قبل كل شيء هي تَعرُّف على اللّه محب البشر، معرفة الإلتصاق به كمخلص شخصي للإنسان. أو كما يقول القديس أغسطينوس: [لأعرفه، فأحبه، فأتحد به..] نضيف إليها "فنتمجد معه". هذا هو جوهر عبادتنا أن نتعرف عليه فنحبه ونرتمي في أحضانه ونوجد معه في مجده... بهذا نحمل سماته ونصير أيقونة حية له.
هذه هي معالم الطريق الملوكي الذي يبدأ بالمعرفة الإلهية وينتهي بالمجد الأبدي حيث تصير أيضًا معرفتنا للّه كاملة نسبيًا.
هذا هو ما يؤكده اللّه قائلًا: "إني اريد حبًا لا ذبيحة، ومعرفة اللّه أكثر من المحرقات" (هوشع 6:6) (الترجمة السبعينية). يريدنا أن نحمل سمته: "الحب"، هذه التي لن ننعم بها ما لم نتعرف عليه ونقبل الشركة معه.
يُدْعَى سر العماد "إستنارة(1)"، حيث نتعرف على الثالوث القدوس. فيه تنفتح بصيرتنا الداخلية لنرى أنفسنا مع مسيحنا في الأردن المقدس، به نصير أبناء اللّه، ننعم بأبوة الآب الحانية، وخلاص الابن العجيب، وعمل الروح القدس الذي يشكل إنساننا الداخلي لنحمل أيقونة المسيح، فنتهيأ للعرس السماوي الأبدي. بهذا يُعِدَنا العماد للتمتع بسر الإفخارستيا، أو الاشتراك في القداس الإلهي، حيث ندخل إلى المقدس الإلهي، لنرى رئيس الكهنة الأعظم ربنا يسوع المسيح يحملنا إلى صليبه، ويدخل بنا إلى عرش نعمته، ونمارس شركة العبادة السماوية على مستوى ملائكي رائع.
يحملنا مسيحنا كأعضاء في جسده إلى عرشه لنتعرف عليه، بل ويهبنا معرفته الخاصة بالآب فيتحقق قوله: "لا أحد يعرف الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يُعلن له" (مت 27:11).
إذ نشترك في القداس الإلهي ندخل إلى المصالحة مع الآب في إستحقاق دم ابنه، فتنفتح أعيننا على إدراك محبته الفائقة الأبوية.
* نحمدك أنت الذي يعرفك الكلمة، المولود منك، الذي يعلن عنك ويظهرك للقديسين(2).
قداس الأسقف سرابيون
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
هكذا في القداس الإلهي إذ نثبت في الابن ويثبت هو فينا ننال معرفته من جهة الآب، معرفة الإتحاد معه، وليس المعرفة النظرية العقلانية البحتة. نتعرف على حب الآب الذي قدم لنا ابنه ذبيحة حب لأجل خلاصنا.
في القداس الإلهي أيضًا نجد الكلمة القدوس يقدم حياته ذبيحة طاعة كاملة للآب، وذبيحة حب كامل للعالم كله... قدم عبادة فريدة، وهو المستحق كل عبادة وسجود. عبادة لن تستطيع خليقة ما سماوية أو أرضية أن تقدمها. هذه الذبيحة التي أعطى السيد المسيح كنيسته حق تقديمها... تقدم سر الإفخارستيا ذبيحة المسيح عينها التي لن تتكرر، فيرانا الآب نقدم ذبيحة الصليب المقدسة، نحمل عبادة المسيح، وحب المسيح، وطاعة المسيح، وحياة المسيح وقداسة المسيح.
* ففيما نحن نصنع ذكر آلامه المقدسة وقيامته...
نقرب لك قرابينك من الذي لك(3).
وكما يقول القديس إيريناؤس: [إذ نحن نقدم ما له نعلن على الدوام تبعيتنا وإتحادنا بالجسد والروح(4).]
_____
(1). St. Justine: Apology 1:61; St. Clem. Alex.:Paed. 1:6: St. Basil On the Holy Spirit, 15.
(2). The Eucharistic Prayer.
(3). Before the Epeclesis.
(4). Adv. Haer. 4:18.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/liturgy/worship.html
تقصير الرابط:
tak.la/pn6jxgx