القداس الإلهي هو تجديد وتأكيد وممارسة للعهد مع اللّه كقول السيد المسيح: "اشربوا منه كلكم،
لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد،
الذي يُسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا" (مت 28:26؛ لو20:22؛ 1 كو25:11).
ما هو هذا الميثاق أو العهد الجديد المبرم بين اللّه والمؤمن؟ وما هي علاماته؟ وما هي شروطه ومنافعه؟
أولًا: حينما نشترك في القداس الإلهي نمارس عهدنا مع اللّه الآب الذي قدمه الابن لا بإقامة نصبٍ حجري (أو كومة من الحجارة) كما فعل لابان ويعقوب (تك 44:31-54) يشهد عليهما ويضع حدًا لموضعهما، فلا يعتدى أي طرف منهما حدود النصب، إنما أعطانا جسده ودمه لينزع عن قلوبنا طبيعتها الحجرية. أقام نفسه حجر الزاوية الذي يربطنا مع الآب، كما يربطنا مع بعضنا البعض. هذا الجسد الذي عُلق على الصليب بين السماء والأرض، لا ليضع حدًا بل ليوحِّد السماء مع الأرض. يفتح القلوب الأرضية كي يدخلها السماوي، ويفتح أبواب السماء لكي يدخلها البشريون. إنه يوحِّد ويؤلف ليس فقط السماء مع الأرض، وإنما الشعب مع الشعوب، فينزع عنا روح الغربة عن اللّه أبينا، كما عن السمائيين وعن إخوتنا الأرضيين!
في القديم كان الحجاب الذي يفصل قدس الأقداس عن القدس ثقيلًا جدًا، يحتاج إلى 300 كاهنًا يحملوه، أما وقد عُلق جسد الرب على الصليب إنشق حجاب الهيكل وانفتحت السماء على الأرض، وصار لي حق الدخول إلى عرش نعمته!
شكرًا للّه، إذ في القداس الإلهي نكتشف أبواب السماء المفتوحة، بل ونكتشف حضن الآب الذي يترقب التصاقنا به خلال ثبوتنا في الابن الوحيد الجنس.
ثانيًا: في القديم كان الدم أساسيًا في إقامة العهود، وقد أشار إرميا النبي إلى عادة المتعاقدين أن يقطعا عجلًا إلى اثنين ويجتازا بين قطعتيه (إر18:34). وكان ذلك يحمل معنى انتقاميًا وآخر قدسيًا. فذبح الحيوان يشير إلى ذبح الحانث بالعهد، وفي نفس الوقت يعني تقديم ذبيحة فداء عن الخطأ فُيحسب الإنسان بارًا.
حدث نفس الأمر عندما أقام اللّه عهده مع إبراهيم (تك 15).
وهناك أيضًا مفهوم آخر للدم، وهو أن يأكل المتعاقدان من ذبيحة واحدة لتقيم بينهما نوعًا من القربى، فإذ هما ليسا قريبين حسب الجسد يأكلان من ذبيحة واحدة فيسري فيهما دم واحد!
في القداس الإلهي يسري دمه فينا فيجعلنا أعضاء في جسده، عروسه المقدسة، التي تتحد به. لا ندخل بدم حيوانات عاجزة عن أن تطهر الداخل وتقدسه، وأن تقربنا إلى اللّه خالقنا، إنما نجد دم ابن اللّه الذي قدم حياته ذبيحة حب واهبة للحياة. بموته لم يهلك كما حدث مع ملايين الذبائح القديمة، إنما يُهلك موتنا وينزع فسادنا، واهبًا إيانا قوة القيامة.
بهذا نرى القداس الإلهي إبرامًا لعهدٍ فريدٍ، هو ميثاق عُرْس سماوي أبدي، لا تستطيع الأحداث حتى الموت أن تبطله أو تضعف عمله، ندخل بهذا العهد إلى العضوية في العائلة الإلهية فنصير أهل بيت اللّه (أف 2).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
ثالثًا: عند إقامة عهد غالبًا ما كان المتعاقدان يشتركان معًا في مائدة واحدة، خاصة بين القبائل. هذا كان يحمل لهم معنى خاصًا، أنهما يشتركان في طعامٍ واحدٍ هو مصدر الحياة، وكأنه قد صارت لهما حياة واحدة وينتسبان إلى عائلة واحدة. هذه هي وليمة المصالحة أو وليمة إقامة قرابة فيما بينهما.
أما القداس الإلهي فيدعى "المائدة المقدسة" حيث يقدم السيد المسيح جسده ودمه طعامًا وشرابًا... ننتعش بهما فندخل في اتحاد حقيقي مع اللّه في ابنه.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/liturgy/covenant-with-god.html
تقصير الرابط:
tak.la/fqv5hd7