حياة متهللة سماوية!
مع صغر الكتاب الذي سجله لنا القديس يوحنا كاسيان في مقاومته لخطية الكآبة، إلا أن تخصيص كتابٍ رهبانيٍ يُهاجم الكآبة كأحد الخطايا الرئيسية، إن صح التعبير، له معناه الخاص في الفكر المسيحي الأول.
في حديثنا عن هذا الكتاب في الفصل الخاص بكتابات القديس يوحنا كاسيان رأينا أن المسيحية هي دعوة للتمتع بالفرح السمائي لا للكآبة القاتلة. وقد حذرنا القديس يوحنا كاسيان من هذه الخطية المرة، مؤكدًا أن علتها ليس أخطاء من هم حولنا، بل فراغ القلب الداخلي. فقد جاء مسيحنا يطلب منا دموع التوبة، الحزن البنّاء، المملوء رجاءً، يفتح عينيْ النفس على أبواب السماء لتفرح ويفرح معها السمائيون.
لعله من أخطر الخطايا التي يسقط فيها كثيرون في العصر الحديث هو اليأس وصغر النفس وفقدان الهدف مما يدفع النفس إلى حالة من الكآبة تهدم كيان الإنسان الداخلي، وتُحطم رجاءه في الرب.
بُهر القديس كاسيان وغيره من رجال الغرب الذين جاءوا إلى مصر ورأوا البراري قد تحولت إلى فراديس مملوءة فرحًا. عبّر عن ذلك بقوله إنه إذ عبرَ من الإسكندرية حتى أقصى جنوب مصر، كان يسمع صوت التهليل يصدر عن الأديرة والقلالي والمغاير حتى تساءل: تُرى هل هؤلاء ملائكة نزلوا على الأرض أم أُناس ارتفعوا إلى السماء؟!
إذ انجذب القديس يوحنا الذهبي الفم إلى روح الفرح الذي عمّ الرهبنة، قال في إحدى عظاته على إنجيل القديس متى: ["هلموا إلى برية مصر لتروها أفضل من كل فردوس! ريوات الطغمات الملائكية في شكل بشري.. لقد تهدم طغيان الشيطان وأشرق ملكوت المسيح ببهائه!..السماء بكل خوارسها ليست في بهاء برية مصر الممتلئة من قلالي النساك![2]]
تحتاج مفاهيمنا إلى مراجعة، فالحديث المستمر عن الخطية يُحطم الرجاء، لكن الكنيسة الأولى مع دعوتها المستمرة للتوبة ركزت أنظارها على الصليب، لتردد مع داود التائب: "ردّ لي بهجة خلاصك!"
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
في هذا الكتاب يسجل لنا القديس كاسيان:
1. الكآبة هي عدو النفس، كالعث المفسد للثياب، والسوس الذي يفسد الخشب (فصل 3).
2. كثيرًا ما نسقط في هذه الخطية كثمرة لشعورنا بالفشل والإهمال، وعجزنا عن النمو الروحي (فصول 4، 6، 7، 8).
3. وراء الكآبة فراغ النفس لا أخطاء الآخرين التي نحاول أن نتعلل بها (فصل 5).
4. يليق بنا التمييز بين الحزن المفرط المفترس للنفس والحزن الروحي الذي يملأ النفس سلامًا داخليًا (فصول 10، 11، 12).
5. التأمل في المجد الأبدي المُعد لنا والبهجة الإلهية المرتقبة هما دواء النفس للشفاء من الكآبة (فصل 13).
_____
[2] In Matt. Hom 8:6. PG 58:87.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/john-cassian/institutes-depression-introduction.html
تقصير الرابط:
tak.la/yg4sx5h