محتويات: (إظهار/إخفاء) |
هل يجوز علاج أخطاء الغير بالغضب؟ تقديم القرابين والغضب اعتزال الناس ليس علاجًا للغضب الغضب المقدس والغضب الشرير |
يفتتح القديس يوحنا كاسيان كتابه "في روح الغضب" بالكشف عن خطورة الغضب، إذ يصيب البصيرة الداخلية، فيفقدنا قدرتنا على رؤية الأمور كما ينبغي:
* لا نستطيع أن نحرز الحكمة، ولا يكون لنا الحكم السليم على الأمور، لأن "الغضب مستقر في حضن الجهال" (جا 10:7 ).
* لن نستطيع أن نكون شركاء في الحياة، أو داعين للبرّ، أو حتى يكون لنا قدرة على تلقي نور الروح الحقيقي، لأن أعيننا يربكها ظلام الغضب.
* لا نستطيع إدراك الحياة الأبدية، لأن "الغضب يهلك ذوي الحصافة" (أم 2:15).
* لن يتيسر لنا إحراز قوة البرّ، حتى إن كنا كاملين وطاهرين في نظر الجميع، لأن "غضب الإنسان لا يصنع برّ الله" (يع 20:1).
* لن نستطيع أن ننال التقدير والإجلال اللذين كثيرًا ما نشاهدهما حتى في أبناء العالم، ولو كنا بمولدنا من طبقة الأشراف والنبلاء، لأن "الإنسان الغاضب مُحتقر" (أم 23:11).
* لن نستطيع إحراز الفكر الناضج حتى إن توهم الناس أننا ذوو أهمية بالغة، لأن "السريع الغضب يعمل بالحمق" (أم 27:4).
* لا نستطيع التخلص من القلاقل الخطرة أو ننجو من الخطية حتى ولو لم تحل بنا أية قلاقل من الآخرين، لأن الرجل الغضوب يهيج الخصام والرجل السخوط كثير المعاصي" (أم 29:22).
يبرر البعض غضبهم بما ورد في الكتاب المقدس أن الله نفسه "يغضب"، وهم يخطئون إذ يفسرون مثل تلك العبارات حرفيًا، بينما لا يحمل الله انفعالات بشرية، إذ هو "حب"!
يقول القديس يوحنا كاسيان: [ينبغي على من يريد أن يشفي جرح شخصٍ ما أن يكون سليمًا معافى لا يشكو من أي ضعف، لئلا توجه إليه عبارة الإنجيل: "أيها الطبيب اشف نفسك" (لو 23:6)، ولئلا وهو يرى القذى في عين أخيه لا يرى الخشبة التي في عينه. إذ كيف سيرى حتى يخرج القذى من عين أخيه، ذاك الذي في عينه خشبة الغضب؟ (مت 7: 3-5).]
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
في معالجته للخطايا يوجه القديس يوحنا كاسيان أنظارنا، لا إلى التصرفات الظاهرة، بل إلى جذور الخطية الكامنة في أعماق القلب، حتى نهتم بملء الفراغ الداخلي خلال الحب الإلهي. يقول:
[مادمنا نحَّمل الآخرين وزر خطأنا، لن نستطيع قط أن نبلغ بغيتنا في الكمال والقدرة على الاحتمال.]
[هكذا في حالة الذين يبتغون الكمال، لا يكفي ألا يغضبوا من الناس، فإننا نذكر أننا حين كنا نعيش في عزلة، كان يتسلل إلى نفوسنا شعور الغضب ضد القلم الذي نستعمله لزيادة طوله أو زيادة قصره، أو ضد المطواة لعدم حدتها، أو ضد حجر القداحة إذا طارت منه شراره تعطلنا عن المطالعة. فلا نتخلص من اضطراب ذهننا بسبب مادة جامدة أو الشيطان. وهكذا باطلاً نظن بلوغ الكمال لعدم وجود من يثيرون غضبنا. فمادام لم يتم نوال الصبر فإن مشاعر السخط التي مازالت كامنة في قلوبنا يمكن إطلاق العنان لها ضد جماد أو شيء تافه، ولا تتيح لنا بلوغ حالة دائمة من السلام، أو التخلص من رواسب سقطاتنا، اللهم إلا إذا اعتقدنا أننا قد نحرز بعض النفع، ونحقق لونًا من الشفاء من انفعالاتنا، إزاء الواقع من أن الأشياء العديمة النطق والحياة لا تستطيع الرد على سبنا لها وسخطنا عليها أو أن تدفع نوبات غضبنا المطلقة العنان لأن تنفجر في ثورة عارمة مخبولة أسوأ وأنكي.]
يقول القديس أوغريس:
[عندما يثار الجزء القابل للإثارة في النفس، لسبب أو آخر، تقدم لنا الشياطين "التوحد" كنصيحة نافعة، لكي به ننزع عنا أسباب الضيق، لكننا لا نكون قد تحررنا (داخليًا) من دافع الغضب.
وبالعكس عندما تلتهب الشهوة فينا، تحركنا الشياطين نحو حب الناس (حب الاختلاط بهم)، وتصوّر لنا الانعزال عنهم بربرية وقسوة، وذلك لكي نلتقي بأجساد أخرى فنشتهيها.
فليتنا لا نصدق الشياطين في شىء، مجاهدين بكل طاقتنا ضد ما تمليه علينا[2].]
يقول القديس يوحنا كاسيان:
[لا بُد من التسليم بأنه ثمة فائدة للغضب قد غرست ببراعة فينا، وهي وحدها التي تستطيع أن توفر لنا النفع والإفادة، ذلك مثلاً عندما نغضب ونسخط على نجاسات قلوبنا، وعندما نتضايق جدًا لأن الأشياء التي نخجل من فعلها أو ذكرها أمام الناس قد أخذت لها من حنايا قلوبنا بؤرة ووكرًا، إذ نرتعد عند حضور الملائكة وفي حضرة الله نفسه، الذي يخترق أستار كل شيء في كل مكان، ويشتد فزعه لعلمه أن أسرار قلوبنا لا يمكن أن تُخفى عليه.]
["لا تغرب الشمس على غيظكم ولا تُعطوا إبليس مكانًا" (أف26:4). فإن كان من الخطر أن تغرب شمس البر على غيظنا، وإذا كنا حينما نغضب نُعطى مكانًا لإبليس في قلوبنا، فكيف إذن يطلب إلينا أن نغضب قائلاً: "اغضبوا ولا تخطئوا"؟ أليس من الواضح أنه يعني "اغضبوا على سقطاتكم وحدّة طباعكم"؟ لئلا إذا استسلمتم لها يشرع المسيح شمس البر في الغروب عن عقولكم المظلمة، وحين ينصرف عنكم تصبح قلوبكم مرتعًا لإبليس؟]
ويقول القديس أوغريس:
[عمل الغضب الطبيعي هو شن الحرب ضد الشياطين والصراع ضد كل نوع من أنواع اللذة الشريرة.
فالملائكة تحثنا نحو اللذة الروحية، وتجعلنا نتذوق بركاتها، وتوجّه غضبنا ضد الشياطين.
وأما الشياطين فتجذبنا نحو الشهوات الأرضية، حتى تجعلنا نستخدم الغضب ضد الناس، الأمر الذي يخالف الطبيعة، وهكذا إذ تختل الطبيعة يظلّم (القلب) ويصير مستهينًا خائنًا للفضائل[3].]
[الغضب أسرع كل أنواع الشهوات. فإن الإنسان يثور ويلتهب ضد من أساء إليه أو من يبدو كمن قد أساء إليه.
(أ) الغضب يقسي النفس شيئًا فشيئًا.
(ب) والغضب يأسر العقل أثناء الصلاة ويورد حالاً للذاكرة صورة المعتدى.
(ج) وفي بعض الأحيان يتباطأ الغضب في النفس فينشأ عنه عداوة في القلب.
(د) والغضب يسبب الأحلام (المقلقة)، فيصور له العذابات الجسيمة ومخاوف الموت وهجمات الحيات السامة والوحوش.
هذه المظاهر الأربعة تصاحب ميلاد العداء، وتجلب أفكارًا كثيرة كما يلاحظ كل إنسان واعٍ لنفسه[4].]
_____
[2] القديس أوغريس: توجيهات إلى أنالوتيس عن الحياة العاملة، 13.
[3] القديس أوغريس: توجيهات إلى أنالوتيس عن الحياة العاملة، 15.
[4] القديس أوغريس: إلى أنالوتيس عن الأفكار الثمانية، 15.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/john-cassian/institutes-anger-introduction.html
تقصير الرابط:
tak.la/2r8rhfb