9- بالمحبة نصير على صورة الله ومثاله
مَنْ يتكل على معونة الله وليس على مجهوده الذاتي، يوهب له أن يبلغ هذه الحالة، فينتقل من حالة العبودية التي يسودها الخوف، ومن حالة الطمع "الأجراء" حيث لا يطلب كثيرًا مجد الواهب كجزاء، عابرًا إلى حالة التبني حيث لا يعود هناك خوف ولا طمع، بل يكون الحب الذي لا يسقط أبدًا. هذا الخوف أو الحب اللذين من أجلهما يوبخنا الله، كل واحد حسب ما يتناسب معه، قائلاً: "الابن يكرم أباهُ والعبد يكرم سيدهُ، فإن كنت أنا أبًا فأين كرامتي؟ وإن كنت سيّدًا فأين هيبتي؟" (مل 6:1). فالعبد يلزمه أن يخاف: "وأمَّا ذلك العبد الذي يعلم إرادة سيدهِ ولا يستعدُّ ولا يفعل بحسب إرادتهِ فيُضرَب كثيرًا" (لو 47:12).
ومن يصير بالمحبة على صورة الله ومثاله، يبتهج في الصلاح من أجل الصلاح ذاته، ويكون له مثل هذا الشعور من جهة الصبر والوداعة. فلا يغضب بسبب أخطاء الخطاة، إنما في حنو وترفق يطلب لهم الصفح لأجل ضعفهم، متذكرًا أنه هو نفسه إلى وقت طويل كان مجربًا بأشواك شهوات مشابهة حتى افتقدته مراحم الله. وإذ أُنقذ من الهجوم الجسداني بواسطة عناية الله وليس بمجهوده الذاتي، لهذا لا يظهر بغضًا على الذين ضلوا بل رحمة، مترنمًا بكل سلام عقلي قائلاً: "حللتَ قيودي. فلك أذبح ذبيحة حمدٍ" (مز 16:116، 17). "لولا أن الرب معيني لسكنت نفسيْ سريعًا أرض السكوت" (مز 17:94). وإذ يكون عقله دائم التواضع، يستطيع أن ينفذ الوصية الإنجيلية بكمالها: "أَحِبُّوا أعداءَكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مُبغِضيكم. وصلوا لأجل الذين يسيئُون إليكم ويطردونكم" (مت 44:5). بالتالي ننال الجزاء الذي يلحق بهذه الوصية، إذ لا نكون فقط على صورة الله ومثاله، بل وندعى أبناء الله، إذ يقول الرب: "لكي تكونوا أبناءَ أبيكم الذي في السماوات. فإنهُ يشرق شمسهُ على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار والظالمين" (مت 45:5). بهذا الإحساس عرف يوحنا المبارك ما ناله إذ قال: "أن يكون لنا ثقة في يوم الدين لأنهُ كما هو في هذا العالم هكذا نحن أيضًا" (1يو17:4).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
فيم يمكن للطبيعة البشرية أن تتشبه بالله سوى أن تظهر محبة هادئة في الداخل نحو الصالحين والطالحين، الأبرار والأشرار متمثلة بالله الذي يفعل الصلاح حبًا في الصلاح ذاته، فتبلغ إلى التبني الحقيقي الذي لأولاد الله، الذي يتكلم عنه الرسول الطوباوي، قائلاً: "كل مَنْ هو مولود من الله لا يفعل خطيَّة لأن زرعهُ يثبت فيهِ ولا يستطيع أن يخطئَ لأنهُ مولود من الله" (1يو9:3)، وأيضًا: "نعلم أن كلَّ من وُلِد من الله لا يخطئُ بل المولود من الله يحفظ نفسهُ والشرير لا يمسُّهُ" (1يو18:5)؟! ويجدر بنا ألا نفهم هذا عن كل أنواع الخطايا، إنما الخطايا التي للموت فقط (1يو16:5).
فمن لم يتخلص من هذه الخطايا "التي للموت"، ولا تطهر منها، فان الرسول المذكور يعلمنا في موضع آخر ألا نصلى لأجلهم قائلاً: "إن رأَى أحد أخاهُ يخطئُ خطيةً ليست للموت يطلب فيعطيهِ حيوةً للذين يخطئُون ليس للموت. تُوجَد خطية للموت. ليس لأجل هذه أقول أن يطلب" (1يو16:5).
أما عن الخطايا التي ليست للموت، فانه لا يستطيع أحد أن يتجنبها أو يخلو منها حتى أولئك الذين يخدمون السيد المسيح بأمانة. "إن قلنا أنهُ ليس لنا خطية نُضِلُّ أنفسنا وليس الحقُّ فينا" (1يو8:1)، وأيضًا: "إن قلنا أننا لم نخطئْ نجعلهُ كاذبًا وكلمتهُ ليست فينا" (1يو10:1).
فيستحيل على أي قديس ألا يخطئ بكلمة أو فكر أو عن جهل أو نسيان أو عن ضرورة أو عن إرادة أو تعجب... وهذه تختلف كلية عن الخطية التي للموت، لكنها لا تعنى أنها تخلو من الخطأ أو الملامة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/john-cassian/conferences-11-image-of-god.html
تقصير الرابط:
tak.la/vk2xxmm