الجسم هو خليقة الله الصالحة، لا يليق بنا أن نحتقره أو نقاومه كعدو نود الخلاص منه، ولا نحسبه سجنًا حكم على النفس أن تؤسر فيه كما أدعى أفلاطون. يتطلع الرسول بولس إلى أعضاء جسمه بقدسية ورهبة فيحسبها أعضاء المسيح (1كو15:6)، حاسبًا الأعضاء التي يراها البعض بلا كرامة لها كرامة أفضل، "والأعضاء القبيحة فينا لها جمال أفضل" (1كو23:12)، لا يليق بنا إفساد هذه الأعضاء أو استخدامها كآلات إثم للموت، بل "آلات برّ الله" (رو13:6).
لقد وقفت الكنيسة تفند كل فكر غريب جاء به الهراطقة من الفلسفات القديمة، خاصة الفارسية، لمعاداة الجسم وحسبانه عنصر ظلمة، فمن أقوال الآباء في هذا الشأن:
+ لا يجب أن نخجل من أن نسمي ما لم يخجل الله من أن يخلقه.
+ يجب أن لا تكون الطبيعة البشرية موضوع عار بل موضوع احترام.
العلامة ترتليان (5)
+ الجسم هو من عند الله، وما سمح أن يوجده هو جزء من عمله... لاحظ كيف دُعي الإنسان "جسدًا" بطريقة لائقة... وأن غاية الله الخاصة بالإنسان ليست لصالح النفس وحدها بل للنفس مع الجسد.
العلامة ترتليان (6)
+ الجسم الذي كان من البداية موضع فن الله، سيوجد قادرًا على التمتع بقوة الله والتمثل به.
القديس إيريناؤس (7)
+ لا تقبل القائلين بأن الجسد ليس من صنع الله، لأن الذين يعتقدون أن الجسد غريب عن الله، وأن النفس تسكن الجسد كما في وعاء غريب، يفسدونه بالزنا.
أي عيب يجدونه في هذا الجسد العجيب؟!
هل ينقصه الجمال؟!
أي شيء في تكوينه لم يُصنع بابتداع؟!
لا تقل بأن هذا الجسد هو سبب الخطية، فلو كان الجسد سبب الخطية، فلماذا لا يخطئ الميت؟
لا يخطئ الجسد من ذاته، إنما تخطئ النفس خلال الجسد...
أشفق على جسدك بكونه هيكلًا للروح القدس (1كو19:6)، لا تدنسه بالزنا، ولا تلوث ثوبك الجميل؛ وإن كنت قد دنسته اغسله الآن بالتوبة، اغتسل ما دام الوقت يسمح بذلك.
إذن جسمنا ليس عدوًا نقاومه، وإنما كما يقول القديس أغسطينوس (9) يلزمنا أن نحبه كما يحب الرجل امرأته والمسيح كنيسته، معلقًا على كلمات الرسول بولس (أف25:5-28) هكذا: (يوصي المعلم الحقيقي الرجال أن يحبوا نساءهم على مثال حبهم لأجسادهن، وفي نفس الوقت على مثال حب المسيح للكنيسة).
هذا البدن بكل أعضائه هو خليقة الله الصالحة، انحرف بشهواته عن غايته خلال انحراف إرادتنا بالخطية، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وقد اهتم كلمة الله بتقديسه، إذ حمل جسدنا بلا خجل لكي بملء الدالة نناجيه: (باركت طبيعتي فيك (10)). يقول القديس اكليمندس الروماني: (بالحب حملنا الرب إليه! من أجل الحب حملنا، فوهبنا ربنا يسوع المسيح دمه... وهبنا جسده لجسدنا، ونفسه لنفوسنا (11)). بنفس المعنى يقول القديس إيريناؤس: (هكذا يخلصنا الرب خلال دمه، فيهبنا نفسه لنفوسنا، وجسده لأجسادنا، ساكبًا روح الآب لأجل اتحاد الله مع الإنسان والشركة معه (12)).
الله الذي يحبك لم ينزع عنك جسدك الذي صار يمثل ثقلًا على نفسك، لأننا أفسدناه بالخطية، إنما أرسل الابن الوحيد -الخالق- لابسًا الجسد الذي لك. جاء في شبه جسد الخطية (رو3:8)، لكنه بلا خطية... تقدمَ وجاهدَ باسمك ليهبك غلبة ونصرة وقديسًا إن لبست الرب واختفيت فيه وتجاوبت مع عمله. يقول القديس أمبروسيوس: (لقد كان ربنا يسوع المسيح يهدف بصومه وخلوته أن يشفينا من جاذبية الشهوة، فهو لأجل الجميع قبل أن يجرب من إبليس حتى نعرف كيف ننتصر فيه) ويقول البابا كيرلس الكبير: (انتصر المسيح على الشيطان، وتوّج هامة الطبيعة البشرية بإكليل المجد والظفر).
في السيد المسيح، كلمة الله المتجسد، صار لنا الغلبة والتقديس؛ صارت أجسادنا مقدسة فيه، إذ حُسبت أعضاءه (1كو16:5).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/grow/holy.html
تقصير الرابط:
tak.la/j2z5tnr