بدأت المسيحية في مصر في الإسكندرية بحركة بسيطة لكنها عميقة للغاية، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فقد صرح إنيانوس الإسكافي: "يا الله الواحد"، عندما اخترق المخراز يده وهو يصلح حذاء القديس مرقس. أبرأ القديس مرقس الرسول يده باسم ربنا يسوع المسيح. بهذا شهد لله الواحد الذي آمن به إنيانوس دون أن يعرفه. وتحدث معه القديس مرقس عن الله الذي يشفي ليس فقط أجسادنا بل وطبيعتنا البشرية بيسوع المسيح، كلمته المتجسد، واعتنق إنيانوس المسيحية، ورسمه مارمرقس أول أسقف للإسكندرية.
يليق بنا هنا أن نلاحظ أمرين:
1- لم يهاجم القديس مرقس الديانة المصرية آنذاك، لكنة على العكس استخدم كلمات إنيانوس: (يا الله الواحد) كنقطة بداية للكرازة بالحق الإنجيلي. ومدخله هذا يشبه ما صنعه بولس الرسول في أثينا: "فالذي تتقنوه وأنتم تجهلونه هذا أنا أنادي به" (أع23:7)، كما قال: "لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد كما قال بعض شعرائكم أيضًا لأننا أيضًا ذريته ) أع 28:17.
وقد سار أباء الإسكندرية على نفس خطوات القديس مرقس، فكرزوا بالحق الإنجيلي غير المتغير للمصريين ولأولئك المثقفون بالثقافة الهيلينية )اليونانية ) بالإسكندرية، مستخدمين نفس لغتهم وتعبيراتهم، يتحدثون مع البسطاء بلغة البساطة، ومع الفلاسفة بلغة الفلسفة.
2- استخدم القديس مرقس حادثة شفاء جرح إنيانوس باسم المسيح يسوع كنقطة بداية ليكرز بالإنجيل هكذا لم يظهر الله كفكرة مجردة يؤمن بها وإنما يعلن عنه كمخلص يشفي البشرية كلها ويخلصها. هذا هو المبدأ الأساسي للاهوت السكندري حتى يومنا هذا. أننا نعرف الله ليس من خلال مناقشات نظرية، وإنما من خلال أعماله الخلاصية حيث يهبنا المعرفة الجديدة والحياة الجديدة والخلود.
هكذا بذر بحق القديس مرقس في تربيتنا اللاهوتية البذرة التي أنتجت ثمارا على مر العصور إحدى هذه الثمار العلاقة الوثيقة بين المعرفة اللاهوتية والخلاص. فالله يمنحنا المعرفة ولكن ليس بمعزل عن الخلاص ويظهر هذا الفكر بوضوح في لاهوتيات القديس إكليمنضس السكندري الذي غالبًا ما يقدم لنا يسوع المسيح كمعلم paedagogus وقد كتب كتابًا بهذا الاسم وتحدث عن هذا المعلم الإلهي، قائلًا: [الطبيب الواهب الشفاء الكلي للبشرية جمعاء.] بمعنى آخر المعرفة الإلهية عند القديس إكليمنضس لا تنفصل عن خلاصنا، وقد كتب بصراحة هكذا: [إنها مشيئة الله أن نبلغ معرفة الله، التي هي سبيلنا للخلود.]
[صار الكلمة إنسانًا لكي تتعلموا كيف يصير الإنسان إلهًا.[
بهذا ندرك لماذا لم يتحدث معنا كلمة الله المتجسد بألفاظ لاهوتية، ولم يضع لنا صيغة إيمان ثالوثي، إنما في بساطة أعلن لنا عن الثالوث القدوس خلال أعمالهم الخلاصية وفيما يلي أمثلة توضح ذلك:
1- يعلن ربنا يسوع عن الآب كمحب البشر الذي أرسل ابنه الوحيد ذبيحة لخلاص العالم كله (يو 16:3) ويسألنا أن ندعوه "أبانا" (مت 9:6) حتى نثق في محبته الأبوية، مؤمنين أنه يعطينا أكثر مما نسأل.
2- عندما يعلن ربنا يسوع عن علاقته بالآب، إنما يصنع هذا لنفعنا إذ يقول:
"لأن الآب يحب الابن، وقد وضع كل شيء في يديه، الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية" (يو 35:3، 36)، "أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل" (يو 17:5).
"الذي رآني فقد رأى الآب" (يو19:14).
3- يعلن يسوع المسيح عن لاهوته من خلال أعماله لحسابنا. إنه يظهر ذاته كخالق يحوّل الماء خمرًا في عرس قانا الجليل (يو 1:2-12) ليهبنا الفرح الروحي. وبكونه الخالق يهب البصر للمولود أعمى (يو1:9-12)، ويسكن البحر والرياح (مر35:4-41)، ويطرد الشياطين والأرواح الشريرة (مر 23:1) لكي يحيا أحباؤه في سلام.
يعلن أيضًا عن نفسه كغافر الخطايا (مر 2:9-46؛ لو48:7) ويقدم نفسه لنا بكونه الحياة والحق والقيامة والخبز النازل من السماء والطريق والباب والطبيب والعريس. إلخ. لنجد فيه شبعًا لكل احتياجاتنا.
4- يقدم لنا الروح القدس بكونه المعزي والمعين (يو26:14) الذي يسكن فينا (يو 17:14) والذي يعلمنا كل شيء (يو 26:14) الذي يبكت العالم على الخطية (18:16) ويهب قوة الشهادة للمسيح (أع 8:1).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/god/believe.html
تقصير الرابط:
tak.la/2w8c972