محتويات: (إظهار/إخفاء) |
حالات جواز القتل متى يجوز لولي الدم أن يقتل القاتل؟ الدفاع عن الوطن التأديب بالقتل الشريعة الموسوية ودرجات الوصول إلى البر الأعظم |
تقدم لنا الشريعة اليهودية جواز القتل في الحالات التالية:
1. إذا بغى إنسان على صاحبه ليقتل بغدرٍ، فإنه يجوز لولي الدم أو الجماعة أن تقتله حتى إن هرب إلى مذبح الرب (خر14:21).
2. إذا ضرب إنسان أباه أو أمه يُقتل (خر15:21)، وأيضًا من شتم أباه أو أمه يُقتل (خر17:21).
3. إذا سرق شخص إنسانًا واحتفظ به أو باعه يُقتل (خر16:21).
4. إذا ضرب إنسان عبده أو أمته بالعصا فمات تحت يده يُنتقم منه (خر20:21).
5. إذا تخاصم رجال وصدموا امرأة حبلى فسقط الجنين وحصلت أذية تُعطى نفسًا بنفسٍ، وعينًا بعينٍ، وسنًا بسنٍ، ويدًا بيدٍ، ورجلًا برجلٍ، وكيًا بكي، وجرحًا بجرحٍ، ورضًا برضٍ (خر25:21).
6. إذا نطح ثورًا رجلًا أو امرأة فمات، وكان الثور نطاحًا من قبل ولم يضبطه صاحبه، يُقتل صاحبه ويُرجم الثور (خر 29:20).
إذا قتل إنسان آخر عن غير تعمد كما لو دفع إنسان إنسانًا آخر بلا عداوة فوقع ومات، أو إذا ألقى أداة بلا تعمد أو أسقط عليه حجرًا دون أن يراه وهو ليس عدوًا له ولا طالبًا أذيته (عدد22:35، 23)، فإنه للقاتل غير المتعمد القتل أن يهرب من أمام ولي الدم إلى إحدى مدن الملجأ ولا يجوز قتله (تث4:19، 5).
يجوز لولي الدم أن يقتل القاتل إذا أدركه خارج مدن الملجأ وقبل أن يموت رئيس الكهنة الذي حدثت في عهده الجريمة (عدد32:35).
لقد وُزعت مدن الملجأ الست على الضفتين الشرقية والغربية، ثلاث مدن في كل ضفة، ووُضعت إشارات تساعد من يلتجئ إليها على معرفة اتجاه أقرب مدينة ملجأ.
تقضي الشريعة الموسوية بقتل الأعداء في الحرب بلا هوادة (1 صم 3:35، قض 22:5-31). وقد سُمح بذلك لأن الشعوب المحيطة كانت وثنية وتمارس الرجاسات مثل إباحة الزنا بل وجعله جزءً من العبادة كما في معبد أفروديت. كما مارس الكثيرون الإجازة في النار، حيث يقدم الوالدان طفلهما ذبيحة بشرية، يُلقى في النيران أثناء الضرب بالطبول...
لقد أراد الله من الشعب القديم أن يعتزل الشعوب الوثنية إلى حين مجيء مخلص العالم الذي يفتح يديه بالحب لكل البشرية، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فظهر الله كمحاربٍ إلهيٍ يجب على الشعب أن يثق فيه ويتّكل عليه، ويحيا بروح الإيمان العملي، فيتمتع بالنصرة (خر 14:14؛ إش 9:7؛ 1:30-5، 15-18؛ مز 10:33-21). وهب الله الشعب النصرة بطرق معجزية وعجائب كما حدث عند خروج موسى من مصر (خر 14،15)؛ وتحطيم أسوار أريحا (يش 6)؛ وإصابة جيش آرام بالعمى بكلمة أليشع (1 مل 6)؛ والنصرة على العمونيين (2 أي 20). وانتقد الأنبياء الشعب، لأنهم يعتمدون على تحالفات عسكرية أو على الأسلحة عوض الرجوع إلى الله (هو 11:5-12؛9:8-10؛ إش 1:31-3)(7).
يعالج القديس أغسطينوس موضوع الحروب التي سمح الله أن يمارسها الشعب ضد الشعوب الوثنية، متطلعًا إلى أن ما يحل بهذه الشعوب من عقوبة أبدية أخطر بكثير مما يعانوه من الحروب ومن الموت الجسدي. يقول إن الله "يستخدم عادة الحروب كطريق لتأديب معاقبة الأفراد المخطئين(8)".
في رده على فوستوس الذي هاجم حروب العهد القديم قال القديس أغسطينوس:
* يلزم (لفوستوس) ألا يتعجب ولا يرتعب من الحروب التي أثارها موسى، فإنه حتى في حالة موسى كان يتبع تعليمات الله. وقد فعل هذا ليس بروح الانتقام بل من أجل الطاعة.
لم يكن عمل الله هذا وإصدار أمر بالحروب غير إنساني، بل هو تقديم عقوبات عادلة لإثارة الخوف في قلوب مستحقيها...
ما يستحق التوبيخ بحق هو الرغبة في الضرر والانتقام القاسي... روح التمرد الهمجي، وشهوة السيطرة وغير ذلك من الأمور. أما لماذا يمارس الصالحون حروبًا بأمر إلهي في مواجهة المقاومة العنيفة، أو بأمر سلطة شرعية، فهو لكي يوقعوا عقوبة عادلة على مثل هذه الأمور(9).
كتب القديس أغسطينوس في إحدى رسائله: [يمارس الصالحون عمل الرحمة حتى بإثارة الحروب لكي يضبطوا الأهواء المتسيبة، ويقطعوا الرذائل التي يجب إزالتها، أو الضغط عليهم بموقف مسئول (10).]
إذ عبد إسرائيل العجل الذهبي أثناء استلام موسى النبي للشريعة على جبل سيناء اضطر أن يكون موسى النبي حازمًا في تأديبه، فأمر بقتل البعض ليقدم درسًا للباقين (خر 25:32-29)، بينما حين أراد الله أن يعاقب الشعب بإبادته تشفّع فيهم موسى النبي نفسه، طالبًا أن يصفح الله عنهم وإلا يمحو اسمه من كتابه (خر 32:32). الحب الذي دفع موسى النبي لتأديب قلة بالقتل حتى لا يفقد بقية الشعب علاقته بالله وتمتعه بالمجد الأبدي، هو نفسه الذي دفعه أن يشفع فيهم أمام الله حتى لا يُبادوا.
* ماذا إذن كيف تُحسب أوامر موسى أو أعماله قاسية عندما صدرت بغيرة ورغبة مقدسة، إذ رأى الشعب الذي في عهدته عوض أن يخضع لله الواحد قد انحط ليُقيم تمثالًا يعبده ويدنس نفسه بالشياطين؟
أية قسوة في عقوبته لهم بقتل قلة منهم بالسيف، من أُناس استحقوا الموت بحكم الله السري والخفي لأنهم عصوه؟ بهذه الوسيلة قدم تحذيرًا حادًا للشعب في ذلك الحين، وقدم مثالًا سابقًا لأجل المستقبل.
عندما يقرأ شخص صلاة موسى عن الإسرائيليين الخطاة، الذي لم يرد لهم أن يتحقق فيهم ما فعله خلال الحب وليس خلال أية قسوة: "إن غفرت خطيتهم، وإلا فامحني من كتابك" (خر32:32)، ويقارن بين حكمه بقتل (الإسرائيليين) بحزم ومهابة وصلاته يرى الأمر واضحًا جدًا(11).
انتقد أتباع ماني التأديب بالقتل كما جاء في العهد القديم، ورد عليهم القديس أغسطينوس(12):
[عليهم أن يتأملوا ما قاله بولس الرسول بخصوص الخاطئ الذي أُسلم إلى الشيطان لهلاك الجسد "لكي تخلص الروح (1كو5:5). ورغم أن هذا النص لا يُفهم منه موت الجسد إلا أن الرسول كان يفرض هذا التأديب لا عن كراهية، بل في حب كما يتضح من قوله "لكي تخلص الروح"(13).
ليلاحظ هؤلاء الهراطقة ما جاء في كتب الكنيسة التي يعترفون بها، حيث كُتب فيها أن الرسول توما لعن الشخص الذي ضربه بيده، طالبًا له الموت، بصورة قاسية جدًا، رغم طلبه من أجل روح هذا الشخص حتى لا يحرم من ميراث العالم الآتي. لذلك لا ينبغي لهم أن يثوروا بصورة عنيفة على التأديبات الجسدية الواردة بالعهد القديم، متجاهلين بأي روح فرضت هذه التأديبات وفي أية مرحلة من ترتيب الأزمنة جاءت.]
يستعرض أغسطينوس في شرحه للموعظة على الجبل تطور علاقة الإنسان بأخيه، مبتدئًا من الإنسان البدائي الذي يبدأ بالشر، وينتهي بالإنسان الكامل الذي يفرح باحتمال ضعفات الآخرين، فيقول(14):
[برّ الفريسيين الأصغر هو عدم تجاوز حدود الانتقام، أي لا ينتقم الإنسان بأكثر مما أصابه. ومع ذلك فليس من السهل أن نجد شخصًا يرغب في أن يرد الضربة بضربة واحدة، ويرد بكلمة واحدة على من أساء إليه بكلمة. فالإنسان يرغب دائمًا في الانتقام بصورة مغالى فيها جدًا، وذلك بسبب الغضب والشعور بأن المسيء يجب أن يُعاقب عقابًا مضاعفًا. فالشريعة الموسوية التي جاء فيها "عين بعين وسن بسن"، تحد من الروح السابقة لأنها تطالب بأن لا يزيد الانتقام عن مقدار الضرر الذي أصاب الشخص.
هذه الشريعة هي بداية السلام، أما السلام الكامل فهو في عدم الانتقام.
والشريعة الموسوية، أي انتقام الإنسان بقدر ما ناله من ضرر، تأتي متوسطة بين أسلوبين، الأسلوب الأول المتخلف عنها حيث ينتقم الشخص بشرٍ أعظم مما أصابه، والثاني هو ما جاء به رب المجد معلمًا تلاميذه عدم مقاومة الشر.
فبحسب ترتيب الأزمنة حدث تحولًا من الخصومة العظيمة (أي رغبة الإنسان في الانتقام بأكثر مما أصابه) إلى اتفاق عظيم بواسطة الشريعة (أي الانتقام بقدر ما أصابه).
1- الإنسان البدائي يبدأ بالاعتداء على أخيه.
2- والإنسان الذي لا يبدأ بالشر، لكنه يقاوم الشر بشرٍ أعظم، لا يكون بعد قد بلغ مستوى الشريعة الموسوية.
3- أما في الشريعة الموسوية فقد طُلب من الإنسان أن لا يتعدى انتقامه قدر الشر الذي أصابه، وبهذا يكون قد تنازل عن جزء من حقه، إذ العدالة تقتضي معاقبة البادئ بأكثر مما صنع.
لذلك فإن هذه الشريعة غير الكاملة، لم تستخدم القوة على من يصنع الشر بل استخدمت العدالة المصطبغة بالرحمة. هذه الشريعة كملت بواسطة من جاء ليكمل الناموس لا لينقضه.
لا تزال هناك خطوتان متوسطتان (الرابعة والخامسة)، تركهما الرب ليُفهما ضمنًا، متحدثًا بالحق عن أعلى مراتب الرحمة (المرحلة السادسة)، فيوجد من لم يصل بعد إلى تنفيذ وصية البر الأعظم، منفذًا إحدى الدرجتين المتوسطين وهما:
4- عدم مقاومة الشر بشرٍ أعظم أو مساوٍ له بل أقل منه فيقابل الضربتين بضربة واحدة أو فقء العين بقطع الأذن.
5- أما من يسمو على الدرجة السابقة، فإنه لا يقابل الشر بشرٍ، مقتربًا بذلك من وصية الرب دون أن يبلغها بعد.
6- أما درجة الكمال المسيحي، ففيها يأمر رب المجد بعدم مقاومة الشر. فهو لا يأمر فقط بعدم مقابلة الشر بشرٍ بل بعدم مقاومته، قائلًا: "بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر". ولم يقل "من لطمك لا تلطمه" بل بالأحرى إن كان يرغب في لطمك مرة ثانية فقدم ذاتك له. وإن الذين يخدمون أبناءهم، أو أصدقاء أعزاء لديهم، أو أطفالًا صغارًا، أو أناسا معتوهين. هؤلاء يدركون قيمة احتمال ضعف الآخرين بفرح رغم ما يلحق بهم من أضرار. وإن نتج عن احتمالهم هذا نفعًا لمن يخدمونهم، فلا بد أنهم سيضاعفون خدمتهم واحتمالهم حتى يشفوا من ضعفهم.
إذًا ماذا يوصينا طبيب النفوس، الرب يسوع، بأقربائنا؟ ... إنه لا يطلب منا سوى احتمال ضعفاتهم، لأجل خلاصهم. فإن شرور أقربائنا تنبع عن ضعف نفوسهم ومرضها.]
_____
(7)Everett Ferguson: Encyclopedia of Early Christianity, NY. 1990, p. 935.
(8) City of God 1:1.
(9) Against Faustus 22:74.
(10) Letter 138:2:14.
(11) Against Foustus 22:79.
(12) الموعظة على الجبل لأغسطينوس، ترجمة: القمص تادرس يعقوب ملطي، ك 1، في 64، 65.
(13) كان يقصد الرسول أن يعزل هذا الشخص وأمر بعدم مخالطته (1كو11:5،13). ويبدو أن هذا الأخ قد حزن حزنًا مفرطًا حتى كاد أن يبتلع من الحزن، لذلك كتب الرسول في رسالته الثانية مطالبًا بمسامحته (2كو5:2-8).
(14) الموعظة على الجبل لأغسطينوس، ترجمة: القمص تادرس يعقوب ملطي، ك 1، ف56، 57.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/faith-vs-allowance/old-testament.html
تقصير الرابط:
tak.la/56j6xyn